مقالات

الحب لا يقابله إلا الحب

تاريخ: 

26/10/2000

مصدر: 

جريدة (غرانما)
الرئيس الكوبي فيدل كاسترو وصل فنزويلا ظهرًا في أول زيارة رسمية له لهذه الدولة الأمريكية الجنوبية منذ 40 عاما. ورحب به الرئيس الفنزويلي، هوغو شافيز، ترحيبا حارا في مطار (سيمون بوليفار الدولي) حيث تم استقباله بالتشريفات العسكرية الوقورة ومئات من الناس يرفعون علم كوبا.

قبل لحظات كان قد قال شافيز في المطار للصحفيين عندما سألوه حول انتقادات معارضيه لزيارة فيدل: "لدى الناس حماس كبير لانتظار أخينا الذي يجلب لنا هذا المثال عن الشجاعة والكرامة والنضال."

بدأ فيدل زيارته لهذا البلد بجولة في المدينة الساحلية (Macuto)، في ولاية (فارغاس) التي تبعد حوالي 40 كم عن شمالي (كاراكاس) والتي دمرتها في ديسمبر من العام الماضي الانهيارات الارضية الناجمة عن الامطار الغزيرة التي تسببت في فقدان 30 ألف شخص.

الزعيم الكوبي وصل /Macuto برفقة شافيز الذي أخذه لجولة في المدينة الساحلية في سيارة (جراند شيروكي) رمادية اللون.

الرئيس الفنزويلي يرتدي زي التمويه العسكري، وعمل سائقا ودليلا لفيدل كاسترو الذي بدّل في منتصف الطريق طاقيته زيتونية اللون بأخرى سوداء  مكتوبة عليها أحرف القوات البحرية الفنزويلية.

وقال فيدل كمساعد للطيار "الانتباه، الانتباه والانتباه" لأن الناس كان يطلبون المساعدات من شافيز الشعبي. وأشاد به لأنه يسجل ويستمع بعناية لجميع الطلبات.

وسط شارع مليء بالركام والصخور وبضع عشرات من المباني التي لا تزال مغطاة بأوساخ وأشجار يصل ارتفاعها 8 أمتار، أشاد فيدل بالعمل الذي قامت به الحكومة لإعادة المناطق التي ضربتها الفيضانات إلى طبيعتها.

وأعرب فيدل للصحفيين في بلدة / Corales – بلدة سياحية ترددها النخبة الفنزويلية وأصبحت كومة من الصخور والحطام- عن استغرابه لكبر المأساة التي وصفها بإحدى أسوء المآسي في هذا القرن بأمريكا اللاتينية: "لقد رأيت أشياء كثيرة ورأيت الدمار ورأيت الشعب ومعاناته وآماله".

وأضاف :" أكثر ما أثار إعجابي هي ثقة الناس في شافيز وقلقهم كي لا ينساهم – "لا تنسانا" يقولون. وأنا جبرت ذلك في بداية الثورة: "أمل الناس في أن يحصلوا على التعليم وعلى خدمات صحية، وفرص للعمل".

"سوف تخرج فنزويلا من المحنة  منتصرة" قال الرئيس الكوبي "باعتبار الجهود الجبارة التي تم بذلها في وجه المأساة العملاقة."

ردا على أسئلة ممثلي وسائل الإعلام أعرب فيدل عن دعمه لفكرة إقامة " قطب سلطة جديد في أمريكا اللاتينية" على النحو الذي اقترحه نظيره الفنزويلي.

"لكوبا جار مزعج لديها معه أكثر من 40 عاما من الخلاف والنزاع الشديد ونحن ما زلنا هنا صامدين. وليس لدي شك في أن وحدة أمريكا اللاتينية يمكن تحقيقها برجال مثل شافيز"، قال فيدل.

انتهت الجولة في مركز قيادة عمليات الجيش بـ (Macuto) حيث تم عرض فيلم عن الكارثة الطبيعية في ديسمبر الماضي التي قتل فيها حوالي 30 ألف شخص، وفقد 10 آلاف آخرون منازلهم نتيجة الفيضانات المدمرة و انهيار بعض الجبال.

أحد الناجين من المأساة يدعى (ماركوس بيريرا) -28 سنة من العمر-  اقترب من الموكب الرئاسي لرؤية الزعيم الكوبي. واعترف بنفسه معجبا بشخصية الرئيس الكوبي "كونه رمزا للكرامة ومقاومة أمريكا اللاتينية ضد الإمبريالية" وأضاف: "أدري أن في كوبا مشاكل ولكنها ليست ناجمة عن عدم وجود إرادة لدى فيدل لحلها وإنما عن  الحصار الاقتصادي ضده".
غادر فيدل وشافيز، ثم توجها إلى المدينة الساحلية (لا جوايرا) لتكريم عشرات من الأطباء الكوبيين الذين وصلوا  فنزويلا أواخر العام الماضي وما زالوا في المنطقة يقدمون خدماتهم للناجين من المأساة.

أبرز بعض المحللين التعاطف بين الزعيمين رغم الفجوة بين جيل فيدل الذي برز مع الثورة في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، وجيل شافيز (46 عاما) الذي وعد بتحقيق تغييرات جذرية في فنزويلا عبر ما سماه بـ "الثورة البوليفارية".

تمت زيارة فيدل في وقت تمر فيه فنزويلا بمرحلة انتقالية يقودها شافيز الذي قام في عام 1992 بمحاولة انقلاب فاشلة وبعد سبع سنوات ظهر  كزعيم ثوري تم انتخابه رئيسا بالطريقة الديمقراطية.

في نشاطه الأول يوم الجمعة، قام الرئيس الكوبي بتكريم البطل الوطني (سيمون بوليفار) في مقر ضريح أبطال الوطن، وذلك كجزء من زيارة  تبعث الارتياح لنظيره الفنزويلي، هوغو شافيز، من ناحية ومن ناحية أخرى تثير غضب معارضيه.

وضع فيدل مرتديا بدلته العسكرية إكليلا من الزهور على التابوت الذي يحتوي على رفات المحرر. ولبس  قفازات بيضاء لعقد السيف الذهبي المطرز بالماس الذي أهدته البيرو لبوليفار تقديرا لنضاله التحريري في القرن التاسع عشر. وأعجب الزعيم الكوبي بجمال تلك القطعة التاريخية  رفيع الذوق.

بعدها توجه الزعيمان سيرا ووسط هتافات مئات الأنصار والشعارات المؤيدة كـ " نعم لكوبا لا لليانكيز" لمتحف (سان كارلوس) بالقرب من ضريح أبطال الوطن.

تحمل فيدل (74 عاما) وهو يرتدي الزي العسكري التشريفي، وبنفس قوة نظيره الشاب (46 عاما)، مفعول الشمس القاسية في كاراكاس، وبعد المشي حوالي كيلومتر سلم على موجة عارمة من الناس كسروا حزام الأمن الشديد.

"من يحب شافيز، يحب فيدل لأنهما صديقان حميمان". "من يحب شافيز، أحبه أنا". هكذا قالت (جانيس بيرازا)، وهي امرأة  عمرها 60 سنة انتظرت وصول فيدل بصبر وارتاحت لرؤيته من قريب.

أما شافيز، وهو يعتاد على أن يخرج عن البروتوكول، فتوقف ليسلم على  طفل، ومعه فيدل الذي بدلا من أن يظل بعيدا تجرأ على الاقتراب من الحشد المتحمس له.

الثكنة، وهي في السابق سجن عسكري تحول إلى متحف، احتوت في واحدة من زنزاناتها  شخص شافيز الذي قاد محاولة انقلاب فاشلة في عام 1992 وهو الرئيس حاليا.

أثناء الجولة في مرافق المبنى، أهدت السلطات لفيدل كتابا يتضمن تاريخ المكان الذي خدم كثكنة عسكرية خلال 17 عاما.

من هناك ذهبا إلى المدرسة التي عمل فيها خوسيه مارتي مدرسا في منطقة (ساريا) العليا، ثم توجها، وسط الحشد،  لمسقط رأس سيمون بوليفار والمتحف المجاور له.

من هناك وجها خطواتهما لساحة بوليفار حيث قام عمدتها (فريدي برنال) بتسليم فيدل مفاتيح المدينة، وأعلنه ابنا متميزا لكراكاس.

ألقى فيدل كلمة صغيرة شكر فيها المستضيفين على التكريم قائلا بأن "كوبا تعلمت أثناء 40 سنة من الحصار كيف العمل لإنجاز الكثير بالقليل جدا. وإذا صمدت الجزرية الصغيرة فما بالكم وأنتم قارة بوليفار وأرض الأبطال الكثيرين. ليس لا أتردد للقول بأنكم ستصمدون برجال مثل شافيز".

في المساء شارك الرئيس الكوبي في جلسة رسمية في الجمعية الوطنية. ونالت كلمته التي استغرقت 65 دقيقة، 29 تصفيقا مطولا وحتى ضحك الحضور في القاعة التشريفية للقصر الفدرالي التشريعي، وحذر  فيدل أثناء المداخلة من ضرورة انتباه شافيز لسلامته الشخصية إزاء إمكانية تعرضه لمحاولة اغتيال.

"لا تنسوا أن أعداء من الداخل والخارج سوف يحاولون القضاء عليه، ويقول لكم ذلك من عاش تجربة فريدة إذ تعرض لأكثر من 600 مؤامرة اغتيالية."

أشار الزعيم الكوبي إلى أن شافيز يقوم بسلسلة من الإصلاحات التي تضعه نصب عيون أعداءه بسبب أبعادها الثورية ، وقارن بداياته كحاكم مع بدايات نظيره الفنزويلي.

وقال فيدل إنها ليست المرة الأولى التي يطلب فيها من شافيز أن يعير الانتباه لسلامته. وأضاف "إنه لا يفعل شيئا في سبيل الحفاظ على سلامته الشخصية. ويرفض الإجراءات الأمنية المناسبة في هذا الصدد."

"ويل لكم"، حذر فيدل المشرعين والجمهور في المجلس التشريعي. "اقنعوه بضرورة أن يفعل".

في خطابه طلب فيدل "عذار" أعضاء الكونجرس الأربعين المعارضين الذين احتجوا على زيارته وأعرب عن نفسه آسفا لاستياء المعارضين.

وأشار إلى أن المخاوف بأن تسلك فنزويلا طريق كوبا الاشتراكية لا أساس لها.

نفى فيدل أن يكون من مخطط شافيز إعطاء النفط لكوبا مجانا كما يقول بعض الجماعات المعارضة ويتساءلون حول صفقة النفط  التي سيتم التوقيع عليها خلال الأيام المقبلة بين البلدين. وقال بأن براميل النفط التي ستحصل عليها كوبا من خلال الصفقة سوف يتم "دفع المقابل لها بصرامة" بالمال والخدمات.

وأشاد الزعيم الكوبي بشافيز قائلا بأنه زعيم يسير في طريق تقاليد ثورته الخاصة.

وقال فيدل إن أيامه كثوري أوشكت على الانتهاء في حين أن شافيز (46 عاما) فهو في بداية العملية. "لقد حققتُ  بعض أحلامي. لستُ مثله وهو الزعيم الشاب في أوج الحياة وأمامه مهمة عظيمة. وعليه أن يكون حذرا"

منذ عام 1999، سعى شافيز إلى تعزيز العلاقات بين كوبا وفنزويلا. وأغضبت صداقته الوثيقة مع فيدل الولايات المتحدة وبعض الفنزويليين لاسيما بسبب ما قاله أثناء زيارة قام بها إلى كوبا بأن "فنزويلا تبحر في نفس بحر السعادة التي تبحر فيها الجزيرة".

يوم السبت الموافق 28،  في وقت مبكر من الصباح، بدأ فيدل يومه الثالث في زيارته لهذا البلد بالسفر إلى بلدة (سابانيتا) المجاورة حيث ولد شافيز ويعيش والده، هوغو دي لوس رييس شافيز، وهو مدرس متقاعد تم  انتخابه محافظا للولاية (باريناس) في عام 1998، وبعد ذلك أعيد انتخابه في الانتخابات العامة في يوليو.

الزعيم الكوبي ذهب إلى ولاية باريناس على متن طائرة وانتظره  هناك شافيز برفقة وفد رسمي كبير ومجموعة من الأنصار الذين استقبلوه بالهتافات: "فيدل العزيز الشعب معك!''.

لدى وصوله (سابانيتا) مسقط رأس شافيز، في سهول فنزويلا، تلقى هتافات أنصاره الذين تجمعوا في المطار لاستقباله بالتشريفات العسكرية.

بلدة سابانيتا التي تبعد نحو 400 كم عن جنوب غربي كاراكاس ويبلغ عدد سكانها 40،000 نسمة يعتمد اقتصادها على تربية المواشي وزراعة قصب السكر.

مشى كل من القائدين  وهما يرتدان الزي العسكري الميداني في شوارع المدينة وتوقفا عند منزل صغير مطلي باللون الابيض والازرق مكتوب على جدرانه " هوغو شافيز ولد هنا".

بعد الانتهاء من السير وسط  المزارعين والقرويين المتحمسين سلم عمدة المدينة مفاتيحها لفيدل.

في كلمة قصيرة، قال الرئيس الكوبي " مثلما تذهبون إلى كاراكاس لزيارة مسقط رأس سيمون بوليفار، في يوم من الأيام سوف تأتون لزيارة هذا المكان هنا حيث ولد شافيز".

شكر شافيز القرويين على الترحيب وقال وسط الهتافات والتصفيق إن الثورة الاجتماعية والاقتصادية ما زالت في بدايتها فقط.

وقال الزعيم الفنزويلي إن الجولة في منطقة التنمية الخاصة (لا مركيسا- بويرتو نوترياس) تسعى إلى تعزيز التعاون الزراعي لاسيما في صناعة السكر ونظم الري.

وقال فيدل إن حكومته "مستعدة، في أقرب وقت - بعد الطلب- لإرسال فنيين لزيادة الإنتاج من السكر وتحقيق وقف الاستيراد منه في فنزويلا.''

"نحن ننظم الأمور كما في الجيش خلال 24 أو 48 ساعة فقط" قال الزعيم الكوبي.

أثناء الجولة مع شافيز جلب فيدل انتباه الفنزويليين الى "الحاجة إلى الحس بالتنظيم عند ممثلي الشعب حتى يتمكنون من التصدي لعشرات الآلاف من مشاكل هذا البلد".

وأشار شافيز إلى إمكانية تحقيق التعاون مع الجزيرة في البحر الكاريبي لتطوير "السياحة الداخلية في ساحل نهر (أبوري) في سهول (باريناس)."

بعد الزيارة لباريناس، انتقل كلا الزعيمين للولاية (البرتغالية) لحضور  فعالية مع الفلاحين في استاد (كارل هيريرا) في بلدة (غواناري)  حيث انتظر ما بين 2،000 و 3،000 شخص تحت الشمس للترحيب بالقائدْين.

مشيرا إلى كون شافيز محاصرا من قبل السكان المحليين بطرح مشاكلهم عليه وطلب إجابات فورية، قال فيدل: " لا يمكن لشافيز أن يعمل كرئيس بلدية في جميع أنحاء فنزويلا، لا يمكنه أن يتواجد  في كل مكان''.

وأضاف  أن "الثورة البوليفارية التي ينادي بها شافيز أمامها كوم غير محصور من الأمور التي يجب القيام بها وبالتالي لا يمكن للرئيس أن يلب  جميع الحاجات المحلية التي يعرضها عليه المواطنون  في كل فرصة والتي يستمع إليها شافيز بعناية دائمة."

وأشاد بنتائج خطة بوليفار 2000، وهي عبارة عن برنامج اجتماعي وضعه شافيز بمشاركة القوات المسلحة -كأداة تنفيذية- رغم أنه قال بأن عدد عناصر "الجيش لا يكفي لمعالجة مشاكل المجتمع"، مشيرا إلى "ضرورة قيامهم بتنفيذ مهام الدفاع عن الوطن.''

"ما يحتاج إليه الفنزويليون هو قليل من الوقت، وبسرعة الضوء سوف يتم تنظيم الأمور وتنظيم جيش من العمال لكي يتكمن الشعب من المشاركة في مهمة ''مواجهة ومعالجة مشكلاته بنفسه" أضاف فيدل.

في لحظة معينة كان فيدل يتحدث مع مزارع قصب سكر محلي، وقاطعه شافيز بتذكيره أن أمامه المشاركة في لقاء رياضي (البيسبول) ودعاه للجلوس بلطف.

"أنظُر يا فيدل، انت تقرر ما إذا ستبقى هنا أو لا، لكن عليك أن تلعب بيسبول الليلة، لا أريدك تقول لي فيما بعد "أنا تعبان" ودعاه وسط ضحك الحضور لينهي الحوار.

وتوقف فيدل عن قصف المزارع بالأسئلة حول مساحة قطعات الأراض والأسمدة ووسائل الإنتاج وذهب للجلوس ضاربا لشافيز التحية العسكرية بيده اليمنى.

وقال شافيز للحضور المدهوش: "فيدل يعمل مقارنات مع المجتمع الكوبي  في كل ما سيساعدوننا فيه عبر الاتفاق الشامل لزيادة الإنتاجية وإقامة الشراكة في إنتاج السكر من القصب وفي أشياء كثيرة اخرى: النفط والغاز والتعليم والصحة، والثورة الاجتماعية فلذلك يطرح هذا الكم الكبير من الأسئلة.

ثم التقى الزعيمان مع حوالي 10 آلاف طالب في كلية الفنون التطبيقية لدى جامعة (أنطونيو خوسيه دي سوكري) في (باركيسيميتو) وغيرها من مؤسسات التعليم العالي، والتي ألقى فيها محاضرة قيمة وأجاب على العديد من الأسئلة  التي طرحها عليه الشباب.

أشار فيدل في مداخلته إلى الانطباع القوي الذي تركته فيه حالة البؤس التي تعيشه أسرة من الفلاحين ولهجتهم تذكرنا بلهجة شخصية (يوحنا التنباكي) في الرواية (Cantaclaro) للكاتب الفنزويلي (رومولو غاليغوس). واغتنم الفرصة لدعوة 250 طالبا لزيارة كوبا.

في وقت متأخر من الليل حضر الرئيسان لقاء البيسبول الودي لأخذ الثأر من الهزيمة التي كان قد تكبدها فريق فنزويلا في لقاء مماثل في هافانا شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 1999. في هذه المرة جرى اللقاء في ملعب (انطونيو غوتيريز دي هيريرا) في باركيسيميتو.

عند وصول فيدل وشافيز للملعب لحضور اللقاء بين نجوم البيسبول السابقين في كلا البلدين كان قد انتهى هذا بهزيمة ساحقة: 17 ركضة مقابل 6 لصالح الفريق الضيف، الأمر الذي أحبط معنويات شافيز "للانتقام" من الهزيمة التي لحقت به في هافانا قبل عام.
 
لعب شافيز في القاعدة الأولى وكان على وشك فقدان الكرة المرتفعة قليلا التي كان عليه إمساكها ولكن "الله أكبر" قال ضاحكا. وانتهى اللقاء ومعصم يده توجعه مما اضطر لوضع ضمادة مبردة.

فتح شافيز عيونه مندهشا عندما اقترب منه مبعوث من ركن فريق  الكاريبي الخصم وقال له إن فيدل يريده يرمي له الكرة لكي يريه كيف سيضربها ناجحا. وقال شافيز لنفسه: "سأفشله" وذهب مبتسما الى موقع الرامي.

ليس صاحب قصر (ميرافلوريس) من اللذين يحبون تعظيم العولمة، لكن  مفعولها في قدميه: ذهب ليجابه صديقه وهو لابس حذاء spike من ماركة "نايك/Nike".

"لم ألعب البيسبول منذ حوالي 20 عاما لكن أشعر بأنني بحالة جيدة لأنني تدربت سرا،" اعترف فيدل لنفسه وهو يرتدي اللباس الرياضي فوف سترته العسكرية التاريخية زيتونية اللون وحذاء قماشي.

عندما رمى شافيز الكرة لفيدل حاول هذا ضربها بدون نجاح وكذلك في المرة الثانية حصل الشيء ذاته، والمحاولة الثالثة حسمها الحكم قاضيا بفشل الضارب (فيدل) لكنه اتجه إلى القاعدة الأولى كما لو نجح في محاولته الثالثة في ضرب الكرة.

كل ذلك وكان بإمكان الواحد أن يستمع من مدرجات الملعب هتافات المتفرجين اللذين انتظروا حتى بعد منتصف الليل: "فيدل، فيدل" و"شافيز، شافيز" أما هتافات بعض الطلاب الكوبين الموجودين كهذه: "يا فنزويلا ، يا كوبا أحبك هذا الكبر" و" فيدل أؤمر أنت ونحن ننفذ" ناهيك عن الملصقات المكتوب عليها "كوبا وفنزويلا: أحلام مارتيه وبوليفار تحققت" و"جامعة فنزويلا المركزية تتضامن مع فيدل" و" فنزويلا وكوبا: ستنتصر معا"

كانت هذه التعبيرات ومظاهر التضامن الشعبي للصداقة التي شكك فيها البعض ما يريده  شافيز. لم يكن المهم الأهداف /الركضات التي حققها اللاعبون الكوبيون أمثال (فيكتور ميسا) و(آنغلادا) و (أنطونيو مونيوز)، وكذلك أخطاء اللاعب (راؤول سالميرون)  في القاعدة الثالثة أو مهارة (ألفونسو كولازو) و(لويس سانشيز مرسيدس) وعمل (لويس بينالفير) وأخطاء (فيكتور دفاليجو) في اللعبة.

في الواقع، أدلى الرئيس الفنزويلي بهذه التصريحات لضيفه: " نحب الكوبيين كثيرا إلى درجة أننا لم نتعب من أن يغلبوا علينا في البيسبول." هذا والمشهد الخلفي للقاء الموسيقى المحلية الفنزويلية من قرية (زوليا) والموسيقى الكوبية المثيرتين.
 
في صباح يوم الأحد تم وقف البرنامج الرسمي وذهب فيدل للمشاركة في النسخة الـ 49 من البرنامج الإذاعي " مرحبا يا رئيس" بقيادة شافيز.

هذه المرة تم بث البرنامج من ميدان (كارابوبو)، وهو الموقع التاريخي الذي خاض فيه الفنزويليون معركتهم الأخيرة من أجل الاستقلال بتاريخ 24 يونيو 1821 والواقع في بلدة (فالنسيا) التي تبعد ساعتين بالسيارة عن غرب كاراكاس.

وصل فيدل وشافيز مهبط طائرات الهليكوبتر من ميدان كارابوبو في الساعة 9:30 صباحا على متن طائرة عسكرية /Superpuma حيث تلقا التشريفات العسكرية العادية وحضرا الاستعراض العسكري الذي كان ينتظرهما من ساعات الصباح الأولى.

أثناء البث تحدث الزعيمان عن العمليات الثورية في البلدين وعن السياسة والاقتصاد والبيسبول والنساء بما في ذلك قيامهما بالغناء الفني، ووصفت  الصحافة الحدث بأنه برنامج تاريخي.

وضع فيدل الميكروفون على رأسه – وهو لابس البدلة العسكرية- وجلس يبث البرنامج مع نظيره الفنزويلي، ووصف البرنامج الإذاعي بالـ"عظيم.''
واغتنم الزعيمان الفرصة للتعبير عن المحبة الكبيرة المتبادلة بينهما. وتم هناك انسجام كيمياوي منذ اللحظة الأولى بغض النظر عن فارق السن أو سيرة كل واحد الذاتية . في أجواء ودية، حاول الاثنان توضيح مبدأ سياسي: لا ينوي أحد بتصدير نموذجه الثوري خارج حدوده.

بدأ البرنامج في الساعة 9:45 صباحا بالتوقيت المحلي، وانتهى بعد أربع ساعات. وتعادل الرجلان المعروفين بالطلاقة اللفظية في استهلاك الزمن أمام الميكروفون.

تم بث البرنامج الذي يعتاد شافيز على القيام به يوم الاحد للتحادث مع أنصاره والهجوم على معارضيه من مدينة (فالنسيا) غربي البلاد.

ونقلته بثا مباشرا نحو 51 محطات إذاعية محلية وقنوات التلفزيون الرسمي الكوبي خلال أربع ساعات.

وتجمع حوالي 2000 شخص في الحديقة التاريخية  لمحاولة رؤية الرئيسين وطلب مساعدات مالية أو طبية من شافيز.

كما تمكن المستمعون من المشاركة في البرنامج، وكان هناك مكالمات من هافانا وكاراكاس، وركز أهل كاراكاس في أسئلتهم على القضايا الوطنية: العدالة وفرص العمل والسكن والصحة.

وأعلن فيدل أثناء البرنامج أن كوبا سترسل إلى هايتي 600 خبير صحة بما فيهم أطباء وممرضات وفنيون.

" نريد التعاون مع هايتي، والتعاون الأكبر الآن في مجال الطب إذ طلبوا منا 600 طبيب وأخصائيين في مجالات مثل التمريض والعناية الفائقة  والأجهزة الفنية " قال فيدل.

في الحديث أظهر الرئيسان معرفتهما الواسعة في التاريخ. وفسرا، على سبيل المثال، كيف جرت في ميدان (كارابوبو) المعركة التي حسم بها جيش  (سيمون بوليفار) استقلال فنزويلا بتاريخ 24 يونيو 1821.

واعترف فيدل بأن "الأقلية الحاكمة المستنيرة من ملاك الأراضي" هي التي قادت ونظمت حرب الاستقلال في كوبا. كما تبينت من الحديث أيضا معرفته الواسعة في تاريخ فنزويلا مشيرا إلى دور الشهير الاسباني/ BOVES في تحريض الفقراء العبيد  في الصراع الطبقي ضد المحرر (بوليفار).

لتهدئة المخاوف التي أثارها في الولايات المتحدة باقتراحه إقامة قطب  سلطة جديد في أمريكا اللاتينية، أكد شافيز أن محور وحدة وتكامل أمريكا اللاتينية يكمن في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. " لا أنوي لتصدير النموذج الفنزويلي إلى دول أخرى، وكما قال فيدل ليس من هدف كوبا فرض نموذجها على فنزويلا. إننا نحترم خصوصية كل بلد في السياسة وتقرير المصير ونعمل معا من أجل التكامل. هذه رؤية بوليفار الجيوسياسية ".

أوضح شافيز أن السبيل الوحيد لمواجهة الليبرالية الجديدة بنجاح وتجنب التحالفات "المقدسة" هي الوحدة والتكامل، وكما يقول فيدل: نسعى لإيجاد نموذج اقتصادي واجتماعي وسياسي جديد".

أثناء البث دعا شافيز فيدل ليغنيا الأغنية '' يا فنزويلا" إحدى الأغاني المفضلة عند الرئيس الفنزويلي.

وغنى فيدل مع شافيز بعض آياتها بمساعدة نسخة من نصها مكتوب على ورقة.

أعرب الزعيم الكوبي عن إعجابه بـ "الأمل الكبير" الذي جربه أثناء  جولته في فنزويلا والتي شملت زيارات لمدن عديدة مثل (باريناس) و(باركيسيميتو) و(فالنسيا) الواقعة وسط وغربي البلاد.

لم يبخل الرئيس الكوبي في الثناء المستمر على مضيفه. وانتقد الفنزويليين بسبب ميلهم للاعتقاد بأن شافيز يمكن أن يحل جميع المشاكل مشيرا إلى ملايين قطع الورق التي يوصلها الناس البسطاء. وأضاف "ليس شافيز برئيس البلدية الوحيد في البلاد، وإنما ينبغي تدريب الكوادر على تلبية احتياجات الناس."

مرة ثانية نصح فيدل شافيز بتشديد الاجراءات الامنية والحراسة حوله ضد محاولات أعدائه الاغتيالية.  "يمكنني أن أختفي اليوم أوغدا، في أي وقت، ولن يكون للحدث أي تأثير على ثورتنا." لأن الانسان ليس وليد مزاياه وإنما وليد الحظة التاريخية التي وافقت ميلاده. ليس لك بديل في هذا البلد ولا يمكنك أن تكون مثل (دون قيشوتي). عليك إذن الحذار"، قال له.

بعد الانتهاء من البرنامج ذهب فيدل وشافيز ليضعا اكليلا من الزهور على قبر الجندي المجهول. ثم جالا في نصب معركة (كارابوبو) التذكاري الذي يتشكل من قوس نصر ومنبر للوطن. وقام ضابط من الفرقة الـ 24 يونيو  بالتفسير حول تفاصيل المبنى.

بعد الانتهاء من الجولة شغل شافيز محل سائق السيارة العسكرية التي تقودهما، وأخذ فيدل  لمواقع المعركة، التي أقيمت فيها كتل صخرية على شرف الأبطال الذين لقوا حتفهم في القتال من أجل الاستقلال.

تم اختتام الزيارة يوم الاثنين مع التوقيع على اتفاقية تعاون شاملة تضمنت من التبادلات التجارية/الزراعية إلى الطاقة والصحة والتعليم والسياحة.

في الحفل الذي أقيم في صالة (أياكوتشو) بقصر (ميرافلورس) الرئاسي قلَد شافيز فيدل قلادة "فيلق المحرر بوليفار"، وهي أعلى جائزة تمنحها الدولة الفنزويلية. بينما قام فيدل بدوره بتكريم شافيز بنسخة طبق الأصل من تمثال خوسيه مارتي.

انتقد بعض جماعات المعارضة الاتفاق النفطي المبرم بين البلدين. "إنهم يتهمون الرئيس شافيز بالتخلي عن النفط  وبأن اتفاق كاراكاس مجرد ذريعة لمساعدة كوبا" أشار فيدل وأضاف: "براميل النفط التي ستصل بلدنا سوف يتم دفع المقابل لها بالمال والخدمات التي ننتجها".

اتفاق الطاقة مشابه لاتفاق كاراكاس الذي تم التوقيع عليه قبل أسبوع والذي  من خلاله سوف تمول فنزويلا  النفط  الذي تحتاج إليه 11 دولة أخرى في أمريكا الوسطى ومنطقة الكاريبي بشروط دفع مربحة.

المستفيدون من هذه الآلية للتعاون هم بربادوس وبليز وكوستاريكا والسلفادور وغواتيمالا وهايتي وهندوراس وجمايكا ونيكاراغوا وبنما وجمهورية الدومينيكان.

رغم ذلك يقول الخبراء في الشؤون الدولية بأن الدعم الذي تقدمه فنزويلا لكوبا ربما تستاء منه الولايات المتحدة، سوق النفط الفنزويلي الرئيسية.

في الأشهر الـ 20 التي قضاها في الحكم، عزز شافيز العلاقة مع كوبا وعارض بشجاعة الحظر التجاري المفروض عليها منذ أكثر من 40 عاما  من قبل الولايات المتحدة.

"أيضا انتقد نفوذ الحكومة الأمريكية في المنطقة، ودعا دول أمريكا الجنوبية والوسطى لتشكيل قطب سلطة متوحد وجديد، وعزز هذا الموقف بزيارة كاسترو لفنزويلا"، قال أحد المحللين.

استغرقت الزيارة خمسة أيام تعززت خلالها العلاقة الشخصية والسياسية بين الرئيسين على نحو أكبر وقال الرئيس شافيز لفيدل بيوم قبل مغادرته وهو مرتاح لنتائج اللقاءات التي عقدها: "الآن بعد أن تعرفتُ عليك بشكل أفضل، أحبك أكثر. الحب لا يقابله إلا الحب".