مقالات

أمريكا اللاتيني

مصدر: 

الفصل 24 من كتاب "مائة ساعة مع فيدل"

المؤلف: 

كيف عيشت تلك الساعات الملتهبة؟ وما هي الخطوات الحاسمة التي قام بها القائد العام فيدل كاسترو روز وجمهورية كوبا استباقياً لإنقاذ حياة قائد ثوري وبلد شقيق وحلم بالتحرر والعدالة؟
أمريكا اللاتينية، الفصل الرابع والعشرون من كتاب مائة ساعة مع فيدل يروي الأحداث بسرد دقيق وموثوق. ويتناول أيضاً مواضيع هامة أخرى من الوضع الراهن في القارة، حيث "تهب رياح جديدة".
نضالات الشعوب الهندية الحمراء؛ وصف لإيفو موراليس –أول رئيس لبوليفيا من السكان ألأصليين-؛ التقليد التقدمي عند عسكريين أمريكيين لاتينيين؛ المصير البائس "لمنطقة التجارة الحرة الخاصة بالأمريكتين" (ALCA)؛ الكوماندان المساعد ماركوس، كيرشنير، لولا، تاباريه فازكيز وغيرهم من الشخصيات السياسية الراهنة أو من تاريخ أمريكانا؛ إخفاق النيوليبرالية وحقيقة أن وجود عالم أفضل هو أمر ممكن، ترسم جميعها خيط محادثة ممتعة ودلالية، مشكورة دائماً، ليس فقط كسلاح للشعوب من أجل النضال، وإنما من أجل الانتصار أيضاً.

 الفصل الرابع والعشرون

أمريكا اللاتينية

الكوماندان المساعد ماركوس – نضالات السكان الأصليين (الهنود الحمر) – إيفو موراليس – هوغو شافيز وفنزويلا – الانقلاب على شافيز – العسكريون التقدميون – كيرشنير والرمز الأرجنتيني – لولا والبرازيل


أيها القائد، أود أن أتوجه إليكم بسؤال عن الكوماندان المساعد ماركوس. في شهر كانون الثاني/يناير من عام 2004 مرت عشر سنوات على اقتحام الثاباتيين لشياباس بمناسبة دخول معاهدة التجارة الحرة بين المكسيك وكل من الولايات المتحدة وكندا. بودي أن أعرف ما هو رأيكم بهذه الشخصية بالغة الخصوصية والذي حقق كل ما حققه من شعبية في قلب الحركة المناهِضة للعولمة. هل تعرفونه حضرتكم، هل قرأتم كتاباته؟
أنا لا أستطيع أن أحكم عليه، ولكنني نعم قرأت بعد كتاباتكم عن ماركوس ، وما يقال عنه مثير للاهتمام بالفعل، يساعد على فهم شخصيته، بل ولماذا أسند لنفسه رتبة "كوماندان مساعد" هذه. في السابق، كل الذين كانوا يقودون حروباً أو حملات عسكرية في أمريكا اللاتينية كانوا جنرالات. ومنذ أن انتصرت الثورة الكوبية رسخت عادة، وهي أن القادة كانوا برتبة "كوماندان". هذا هو ما كانت عليه رتبتي في [يخت] "غرانما". بما أنني كنت قائداً لجيش ثائر صغير، وكان علينا في [سلسلة جبال] سييرّا مايسترا أن نتولى عملية تنظيم عسكري، لم يكن بوسعنا أن نقول "أمين عام طابور الثوار". وهكذا اكتسبتُ أنا صفة "كوماندان عام" (قائد عام). رتبة "كوماندان" كانت الرتبة الأكثر تواضعاً في الجيش التقليدي، وكانت لها ميزة بالفعل، وهي أنه يمكن أن يضاف لها "عام" في.
بعد ذلك، منذ تلك الحقبة، لم تستخدم أي حركة ثورية أبداً لقب جنرال. غير أن ماركوس استخدم لقب كوماندان مساعِد. لم يسبق لي أن فهمت ذلك جيداً، نظرت للأمر بصفته تعبيراً عن التواضع.
نعم، فهو يقول: "الكوماندان (القائد) هو الشعب؛ أنا الكوماندان المساعِد، لأنني تحت أمرة الشعب"
لا بد من تفسير ذلك: إنه الكوماندان المساعد للكوماندان شعب. جيد جداً. عبر كتابكم هذا حول محادثات أجريتموها معه، عرفت الكثير من التفاصيل ومن أفكاره ومفاهيمه وعن كفاحه من أجل قضية السكان الأصليين (الهنود الحمر). قرأت الكتاب بكثير من الاحترام، وأسعدني التمكن من التمتع بمعلومات من هذا النوع عن شخصيته وعن الوضع في شياباس.
مما لا شك بأنه كانت هناك جرأة حين قام بعد ذلك بتلك الرحلة. إنه لموضع نقاش إذا ما كان ذلك صائباً أم لا، ولكنني على كل الأحوال تابعته وما أزال باهتمام كبير.
تقصدون "المسيرة من أجل السلام" حول المكسيك التي قام بها ماركوس في نيسان/أبريل 2001 .
نعم. تابعت كل شيء باهتمام كبير، أرى في ماركوس استقامة، إنه أمر لا يقبل الشكل بأن الأمر يتعلق برجل مستقيم، رجل صاحب مفاهيم وموهبة. إنه مثقف، سواءً كان أو لم يكن الشخص الذي تميّزه حين لا تكون تعرف شيئاً عنه. إنني لست على درجة كافية من الاطلاع، ولكن ليس لهذا الأمر أية أهمية؛ ما يهم هو الأفكار، المثابرة والوفاء، والمعارف عند مناضل ثوري.
تفسيري لذلك هو أنه يمكن أن ينشأ ماركوس واحد، اثنان، مائة، لأنني أعرف، وكان عندي الوعي الكافي عن الوضع الذي تعيشه الشعوب الأصلية على مرّ القرون؛ عرفت ذلك من خلال بوليفيا، الإكوادور، بيرو وغيرها من البلدان. وأقول لكم بصراحة أنني أشعر بتعاطف سياسي وإنساني وثوري صادق مع الشعوب الأصلية في قارتنا.
هل تتابعون حضرتكم باهتمام معركة الشعوب الأصلية في أمريكا اللاتينية؟
باهتمام كبير. كما تعرفون حضرتكم، كنت أنا صديقاً جداً للرسام غواياسامين. كنت أشعر بإعجاب كبير به، والذي تحدثت إليه كثيراً، وكان يحدثني تكراراً عن مشكلات ومآسي الهنود الحمر. بالإضافة لذلك، من خلال ما يعرفه المرء من التاريخ، حدثت عملية إبادة امتدت قروناً من الزمن، ولكن وعياً أكبر آخذ بالظهور اليوم. ونضال ماركوس والهنود الحمر في المكسيك هو شهادة أخرى على الروح الكفاحية.
هذا ما أستطيع قوله عن ماركوس. إننا نراقب الخط الذي يتّبعه باحترام كبير، كما نحترم خط كل منظمة، كل حزب تقدمي، كل حزب ديمقراطي. لم تسنح لي الفرصة، لم تُتح أبداً أي إمكانية لمحادثة شخصية مع ماركوس، لا أعرفه شخصياً، لا أعرفه إلا من خلال الأخبار وما قرأته عنه، وأعرف أيضاً أن أشخاصاً كثيرين، من بينهم الكثير من المثقفين، يشعرون بإعجاب كبير به.
وفي الإكوادور أيضاً توجد حركة قوية للسكان الأصليين، أليس كذلك؟
أكن تقديراً، بالطبع، لمنظمة الهنود الحمر في الإكوادور، كونفدرالية القوميات الهندية الحمراء (CONAI) و"باتشاكوتيك" (Pachakutik) [أرضنا]، وتنظيمهم الاجتماعي، تنظيمهم السياسي وقادتهم، الرجال منهم والنساء. لقد تعرفت إلى زعماء أجاويد جداً منهم في بوليفيا أيضاً، حيث توجد روح نضالية رائعة، وأعرف القائد البوليفي الرئيسي، وهو اليوم إيفو موراليس، رجل لامع، وشخص بارز جداً.
أتصور أنكم سعدتم لانتصار إيفو موراليس في الانتخابات الرئاسية البوليفية، في الثامن عشر من كانون الأول/ديسمبر 2005.
جداً. هذا الانتخاب، الساحق، ولا جدل فيه، أدهش العالم، لأنها المرة الأولى التي يتم فيها انتخاب رئيس من الهنود الحمر في بوليفيا، مما يشكل أمراً ما فوق العادي. يتمتع إيفو بكل المزايا اللازمة لقيادة بلاده وشعبه في هذه اللحظة الصعبة التي لا تشبهها أي لحظة أخرى.
بوليفيا، الواقعة في قلب القارة الأمريكية، اشتقت اسمها من اسم المحرر سيمون بوليفار. أول حاكم لها كان الماريشال أنتونيو خوسيه دي سوكري. إنه بلد غني بأناسه وبأرضه، ولكنه يصنَّف اليوم بين أكثر بلدان المنطقة فقراً، بعدد من السكان يبلغ نحو تسعة ملايين نَسَمة، موزعين على أراضٍ جبلية في الغالب تبلغ مساحتها أكثر من مليون كيلومتر مربّع.
هذا هو الإطار، وفي هذا الإطار يتوجه إيفو موراليس نحو المستقبل كأمل بالنسبة لأغلبية أبناء شعبه. إنه يجسّد التأكيد على انهيار النظام السياسي الذي طُبِّق تقليدياً في المنطقة، وعزم الجماهير الواسعة على تحقيق الاستقلال الفعلي. عن انتخابه، إنه تعبير على أن الخارطة السياسية لأمريكا اللاتينية آخذة بالتغير. هناك رياح جديدة تهب على القارة.
في البداية لم تكن هناك ثقة بما سيحققه إيفو من رجحان كفة في انتخابات الثامن عشر من كانون الأول/ديسمبر، وكان هناك قلق لأنه كان يمكن حدوث تلاعب في الكونغرس. ولكن عند انتصاره بأغلبية نحو 54 بالمائة من الأصوات في الجولة الأولى وفوزه في مجلس النواب أيضاً، أزيل كل نوع من أنواع الشك.
إنه الانتخاب المعجزة، الانتخاب الذي هزّ العالم، هز الإمبراطورية والنظام غير القابل للديمومة الذي تفرضه الولايات المتحدة. إنه يثبت بأنه لم يعد بوسع واشنطن اللجوء إلى الدكتاتوريات كما في حقب زمنية أخرى، وأنه لم يعد عند الإمبريالية ما كان عندها من أدوات في السابق، ولا تستطيع تطبيقها.
كوبا هي أول بلد زاره إيفو موراليس، في الثلاثين من كانون الأول/ديسمبر 2005، وذلك بعد انتخابه رئيساً بالضبط، وتماماً قبل توليه لزمام السلطة في الثاني والعشرين من كانون الثاني/يناير 2006. هل تظنون بأن تلك الزيارة قد تسببت له بمشكلات مع واشنطن؟
تندرج الزيارة الودية التي قام بها الأخ إيفو، الرئيس المنتخب لبوليفيا، في إطار علاقات الأخوة والتضامن التاريخية بين الشعبين الكوبي والبوليفي. لا يمكن لأحد أن ينزعج من ذلك. ولا كذلك من الاتفاقيات التي تم توقيعها . إنها اتفاقيات من أجل الحياة، من أجل الإنسانية، لا تشكل جريمة. لا نعتقد أنها كذلك ولا حتى بالنسبة للأمريكيين. كيف يمكن لحكومة الولايات المتحدة أن تشعر بالإهانة إذا ما ساعدت كوبا على رفع أمل حياة الأطفال البوليفيين عند ولادتهم؟ هل يمكن لتقليص نسبة الوفيات بين الأطفال أو القضاء على الأمية أن يسيء لأحد يا ترى؟
هل تظنون بأنه سيتحتم الآن أخذ عنصر السكان الأصليين بعين الاعتبار في بلدان أمريكية لاتينية أخرى؟
هناك أوضاع اجتماعية بالغة الحرج في ثلاثة بلدان حيث توجد قوة كبيرة وعنصر كبير من السكان الأصليين: بيرو والإكوادور، بالإضافة لبوليفيا. وهناك عنصر كبير منهم أيضاً في غواتيمالا، ولكن المجرى يختلف هناك عمّا هو في باقي البلدان. والمكسيكيين أيضاً، بالطبع، لديهم كثيرين. في ما يتعلق بعنصر السكان الأصليين، أستطيع القول ببساطة أنه في هذا الجزء من القارة هناك تبرير كامل لوجود مَثَل ماركوس يكافح من أجل حقوق الشعوب الهندية الحمراء كما يمكن وجود عشرة مثله أو مائة. تدهشني على نحو خاص جدّية القادة الهنود الحمر الذين أعرفهم. لقد تحدثت كثيراً إلى الإكوادوريين. إنهم يتكلمون بمسؤولية. يبعثون الاحترام، يبعثون الثقة، إنهم أصحاب مستوى رفيع من الاستقامة. وفي الإكوادور، كما في بيرو وفي بلدان أخرى، سيتحتم أخذهم بالحسبان.
لقد قلتم بأنكم تشعرون بإعجاب كبير بهوغو شافيز، الرئيس الفنزويلي.
نعم، لدينا هنا هندياً أحمر آخر، هوغو شافيز، هندي أحمر جديد كما يقول هو، "مزيج مما هو هندي أحمر وخلاسي"؛ في الواقع أنه يقول بأنه شيء من زنجي وشيء من أبيض وشيء من هندي أحمر. ولكنك تنظر إلى شافيز فترى أمامك ابن أصيل لفنزويلا، ابن فنزويلا تلك التي كانت مزيجاً من الأعراق، بكل الملامح النبيلة وموهبة استثنائية. أنا أستمع عادة إلى خطاباته، وهو يشعر بالفخر لانتمائه الكادح وعرقه المختلط، حيث يوجد فيه قليل من كل عرق، وخاصة من الذين كانوا هنوداً حمراً أصليين أو عبيداً جُلبوا من أفريقيا. ربما تكون عنده بعض جينات الإنسان الأبيض، وليس هذا بأمر سيئ؛ فالمزج بين ما تسمى أعراق هو أمر جيد دائماً، فهو يغني البشرية.
هل تابعتم عن كثب تطور الوضع في فنزويلا، وخاصة محاولات الزعزعة التي استهدفت الرئيس شافيز؟
نعم، لقد تابعنا الأحداث باهتمام كبير. قام شافيز بزيارتنا عام 1994 بعد تسعة أشهر من مغادرته السجن وقبل أربع سنوات من انتخابه رئيساً للمرة الأولى. لقد كان بالغ الشجاعة، لأنه تعرض للوم كبير بسبب زيارته لكوبا. جاء وتحدثنا. اكتشفنا رجلاً مثقفاً، ذكياً، على درجة عالية من التقدمية، بوليفاري أصيل. بعد ذلك فاز بالانتخابات. عدة مرات. غيّر الدستور. بدعم رائع من قبل الشعب. حاول الخصوم القضاء عليه من خلال انقلابات بالقوة أو انقلابات اقتصادية. وعرف هو كيف يواجه كل هجمات الأوليغارشية والإمبريالية على العملية البوليفارية.
خلال السنوات الأربعين الشهيرة من الديمقراطية التي سبقت شافيز، فرّ من فنزويلا، استناداً إلى حسابات أجريناها بمساعدة أكثر كوادر النظام المصرفي خبرة، نحو 300 ألف مليون دولار إلى الخارج. كان بوسع فنزويلا أن تكون على درجة من التصنيع أعلى مما هي عليه السويد، وأن يتمتع شعبها بما يتمتع به شعب ذلك البلد من مستوى تعليمي لو أنه كانت توجد بالفعل ديمقراطية توزيعية، لو أن تلك الآليات قد نفعت، لو كان هناك شيء صحيح وقابل للتصديق من كل تلك الديماغوجية والترويج الهائل لها.
ومنذ أن وصلت حكومة شافيز إلى السلطة وحتى وضع نظام الإشراف على صرف العملات في شهر كانون الثاني/يناير 2003 نقدّر أنه فر من فنزويلا أيضاً 30 ألف مليون دولار. وكما نطرح نحن، كل هذه الظواهر تجعل نظام الأمور القائم في هذا الجزء من قارتنا نظاماً غير قابل للديمومة.
في الحادي عشر من نيسان/أبريل 2002 وقع انقلاب على شافيز في كركاس. هل تابعتم تلك الأحداث؟
حين رأينا عند منتصف نهار الحادي عشر من نيسان/أبريل بأن المظاهرة التي دعت إليها المعارضة قد تم حُرف اتجاهها من قبل الانقلابيين وأخذت تقترب من ميرافلوريس ، أدركتُ على الفور بأن أحداثاً خطيرة توشك على الوقوع. الحقيقة أننا كنا نتابع المسيرة من خلال محطة "فنزويلا دي تيليفيزيون" (Venezuela de Televisión)، التي كانت ما تزال تبث. الاستفزازات، الأعيرة النارية، الضحايا، تتابعت على الفور تقريباً. بعد ذلك بدقائق انقطع بث المحطة. بدأت الأنباء بالوصول مجتزأة وعبر سبل مختلفة. عرفنا أن بعض كبار الضباط قد أخذوا يطلقون تصريحات عامة ضد الرئيس. تم التأكيد بأن الحرس الرئاسي قد انسحب وأن الجيش سيهاجم قصر ميرافلوريس. بدأ بعض الشخصيات الفنزويلية بالاتصال هاتفياً بأصدقائهم في كوبا لوداعهم، فقد كانوا مستعدين للمقاومة والموت؛ تكلموا بالتحديد عن التضحية بأنفسهم.
كنت أنا في تلك الليلة مجتمعاً في إحدى قاعات قصر المؤتمرات مع اللجنة التنفيذية لمجلس الوزراء. ومنذ منتصف نهار ذلك اليوم كان يتواجد معي وفد رسمي من بلد الفاسك، برئاسة ليهينداكاري، التي كانت قد تمت دعوتها للغداء في لحظة لم يكن أحد يتصور ما كان سيحدث في ذلك اليوم المأساوي. كان أعضاء الوفد شهوداً على الأحداث بين الساعة الواحدة والساعة الخامسة من عصر الحادي عشر من نيسان/أبريل.
منذ ساعة مبكرة من عصر ذلك اليوم كنت أحاول الاتصال هاتفياً بالرئيس الفنزويلي. مستحيل! بعد منتصف الليل، في الساعة 12:38 من ليل الثاني عشر من نيسان/أبريل، وردتني أنباء بأن شافيز على الهاتف.
سألته عن الوضع في تلك اللحظة أجابني: إننا نتخندق هنا في القصر. لقد خسرنا القوة العسكرية التي كان بإمكانها أن تحسم الأمر. لقد قطعوا عنا شارة البث التلفزيوني. أفتقدُ لأي قوة أستطيع تحريكها ونقوم ببحث الوضع. سألته بسرعة: "ما هي القوات المتوفرة لديك هناك؟"
أجاب: "من 200 إلى 300 رجل منهكين تماماً".
سألته: "هل لديك دبابات؟"
"لا، كانت توجد دبابات وسحبوها إلى ثكناتها".
عدت لسؤاله: "أي قوات أخرى متوفرة لديك؟"
وأجابني: "هناك قوات أخرى بعيدة، ولكن لا اتصال لي معها". يقصد الجنرال بادويل والمظليين، اللواء المدرَّع وغيره من القوات، ولكنه فقد كل اتصال مع تلك القوات البوليفارية والوفية.
وقلت له بحذر كبير: هل تسمح لي بإعطاء رأيي؟" قال "نعم".
أضفت بلهجة هي على أعلى درجة ممكنة من القدرة على الإقناع: "ضع شروط معاملة كريمة وأبية، وحافظ على أرواح الرجال الذين لديك، وهم الرجال الأكثر وفاء. لا تضحّي بهم، ولا تضحّي بنفسك".
أجابني وهو ملتهب المشاعر: "أنهم جميعاً مستعدون للموت هنا".
من دون أن أضيّع ثانية واحدة أضفت له: " أنا أعرف ذلك، ولكنني أعتقد بأنني أستطيع التفكير بنفس مضبوطة أكثر مما تستطيع أنت في هذه اللحظة. لا تستقيل، ضع شروط معاملة كريمة ومضمونة لكي لا تذهب ضحية عمل غادر، لأنني أظن بأن من واجبك الحفاظ على حياتك. بالإضافة لذلك، عليك واجب تجاه رفاقك؛ لا تضحّي بنفسك!"
كان حاضراً جداً لديّ الاختلاف العميق بين وضع أليندي في الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 1973 ووضع شافيز في الثاني عشر من نيسان/أبريل 2002. لم يكن عند أليندي جندياً واحداً. كان شافيز يتمتع بجزء كبير من جنود وضباط الجيش، وخاصة منهم أكثرهم شباباً.
كررت له القول: "لا تستقيل! لا تتنحى!"
تكلمنا عن مواضيع أخرى: الطريقة التي كنت أرى بأن من واجبه أن يغادر عبرها البلاد مؤقتاً، والاتصال مع عسكريّ ما تكون له سلطة بالفعل بين صفوف الانقلابيين وأن يطرح عليه استعداده لمغادرة البلاد، ولكن ليس الاستقالة. على أن نحاول من كوبا تحريك السلك الدبلوماسي في بلدنا وفي فنزويلا، وإرسال طائرتين تحملان وزير خارجيتنا ومجموعة من الدبلوماسيين لإحضاره. فكّر بالأمر بضع ثوانٍ، ووافق في النهاية على اقتراحي. أصبح كل شيء يعتمد الآن على القائد العسكري الخصم.
في المقابلة التي أجراها أصحاب كتاب "شافيزنا" [الأصل بالإسبانية: "Chávez nuestro"] مع خوسيه فيسينتي رانخيل، الذي كان آنذاك وزيراً للدفاع وحالياً نائب الرئيس، والذي كان إلى جانب شافيز في تلك اللحظة، يمكن قراءة ما يلي: "كان اتصال فيدل حاسماً في عدم التضحية بالنفس. كان قاطعاً. فقد سمحت لنا نصيحته برؤيا أفضل في الظلام. لقد ساعدنا كثيراً".
هل كنتم تشجعونه على المقاومة حاملاً السلاح؟
لا، على العكس. هذا هو ما فعله أليندي، وبرأي أنه كان صحيحاً في تلك الظروف، وقد دفع ثمنه بحياته بشكل بطولي، كما سبق وقطع العهد.
كان أمام شافيز ثلاثة خيارات: أن يتخندق في ميرافلوريس ويقاوم حتى الموت؛ أن يخرج من القصر ويحاول الاجتماع بالشعب لشن مقاومة وطنية، بإمكانيات للنجاح ضئيلة جداً في تلك اللحظات؛ أو أن يغادر البلاد من دون أن يستقيل أو أن يتنحى ليتابع النضال بآفاق نجاح فعلية وسريعة. نحن اقترحنا عليه الخيار الثالث.
آخر كلماتي لإقناعه في تلك المحادثة الهاتفية كانت في الجوهر: "أنقذ هؤلاء الرجال الأجاويد جداً الذين معك في هذه المعركة غير الضرورية الآن". انطلقت الفكرة من القناعة بأن قائداً شعبياً ويتمتع بكاريزما مثل شافيز، إذا ما تمت الإطاحة به بهذه الطريقة الغادرة في تلك الظروف، إذا لم يقتلوه فإن الشعب سيطالب به بقوة أكبر –وفي هذه الحالة بدعم من خيرة القوات المسلحة- وتصبح عودته أمراً حتمياً. ولهذا تحملت مسؤولية اقتراح ما اقترحته عليه.
في تلك اللحظة بالذات، حين كان يتوفر خياراً فعلياً لإمكانية عودة ظافرة وسريعة، لم يكن هناك متسع لشعار الموت وأنت تقاتل، كما فعل سلفادور أليندي في خير صنيع. وتلك العودة الظافرة هي ما حدث بالفعل، مع أنها تمت أسرع بكثير مما كنت أنا أتوقع.
هل حاولتم في تلك اللحظة مساعدة شافيز بطريقة ما؟
حسناً، لم يكن بوسعنا أن نفعل إلا استخدام موارد الدبلوماسية. في أوج ساعات الفجر استدعينا جميع السفراء المعتمدين في هافانا واقترحنا عليهم أن يرافقوا فيليبي [بيريز روكي]، وزير خارجيتنا، إلى كركاس لكي ينقذوا شافيز، الرئيس الشرعي لفنزويلا، حياً بشكل سلمي.
لم يكن عندي أدنى شك في أن شافيز سيعود، وخلال وقت قصير جداً، على أكتاف الشعب والقوات. ولكن في تلك اللحظة كان لا بد من إنقاذه من الموت.
اقترحنا إرسال طائرتين لإحضاره في حال قرر الانقلابيون الموافقة على مغادرته. لكن القائد العسكري الانقلابي رفض الصيغة، بل وأبلغه أيضاً بأنه سيتم إخضاعه لمحاكمة عسكرية. ارتدى شافيز بزته كمظلي وتوجه برفقة مساعدة الوفي، خيسوس سواريز شوريو، فقط إلى قلعة تيونا، مقر القيادة العسكرية للانقلاب.
حين عاودت الاتصال به بعد ذلك بساعتين، كما سبق واتفقت معه، كان العسكريون الانقلابيون قد أسروا شافيز وفقدنا كل نوع من الاتصال معه. بث التلفزيون مرة وأخرى نبأ "استقالته" من أجل تفريق صف أتباعه وكل الشعب.
بعد ذلك بساعات، في نفس يوم الثاني عشر من نيسان/أبريل، تدبَّر الأمر في لحظة معينة جراء اتصال هاتفي وتكلم مع ابنته ماريّا غابرييلا. أكد لها أن لم يستقل، وبأنه "رئيس قيد الأسر". وطلب منها أن تبلغي الأمر لكي أُطلع العالم عليه.
اتصلت بي ابنته على الفور، في الساعة 10.02 من صباح الثاني عشر من نيسان/أبريل، ونقلت لي كلام والدها. وسألتها على الفور: "هل أنت مستعدة لإبلاغ ذلك للعالم بصوتك أنت؟"، "وما الذي سأتمنع عن القيام به من أجل والدي؟"، بهذه العبارة الدقيقة والمثيرة للإعجاب والحاسمة أجابتني.
وبدون إضاعة ثانية واحدة اتصلتُ براندي ألونسو، وهو صحافي ومقدم البرنامج التلفزيوني المعروف "الطاولة المستديرة". اتصل راندي وآلة التسجيل في يده بالهاتف الخلوي الذي أعطتني ماريا غابرييلا رقمه. كانت الساعة حوالي الحادية عشرة صباحاً. سُجِّلت كلماتها الواضحة والمفعمة بالمشاعر وبقدرتها على الإقناع. وبعد نقلها كتابةً تم تسليمها لوكالات الأنباء المعتمدة في كوبا وجرى بثها عبر نشرة الأخبار الوطنية الرئيسية في الساعة 12:40 من يوم الثاني عشر من نيسان/أبريل 2002، بصوت غابرييلا نفسها. كما تم تسليم الشريط للمحطات المعتمدة في كوبا. كانت شبكة سي أن أن تبث ببهجة من فنزويلا أنباء مصادر انقلابية المصدر؛ خلافاً لذلك، سرعان ما نشرت مراسلتها في هافانا، عند منتصف النهار، كلمات ماريّا غابرييلا بليغة الدلالة.
وماذا كانت نتيجة ذلك؟
حسناً، لقد سمع ذلك ملايين الفنزويليين المعادين بأغلبيتهم للانقلاب، والعسكريون الموالون لشافيز، والذين جرت محاولة تضليلهم وشل حركتهم عبر الأكاذيب الدنيئة عن الاستقالة المزعومة.
في ساعات الليل، بالضبط في الساعة 11:15، اتصلت ماريا غابرييلا مجدداً. كان في صوتها لهجة مأساوية. لم أدعها تكمل كلماتها الأولى وسألتها: "ماذا جرى؟" وأجابتني: "لقد حملوا والدي ليلاً في طائرة هيلوكبتر إلى مكان مجهول". قلت لها: "بسرعة، لا بد من كشف ذلك خلال دقائق قليلة بصوتك أنت".
كان راندي برفقتي في اجتماع حول برامج "معركة الأفكار" مع مسؤولين من الشبيبة وغيرهم من الكوادر؛ كان يحمل معه آلة التسجيل، وتكررت على الفور القصة التي وقعت في منتصف النهار. بهذه الطريقة يكون الرأي العام الفنزويلي والعالمي على اطلاع حول عملية النقل الغريبة لشافيز ليلاً إلى مكان مجهول. حدث هذا بين ليل الثاني عشر وفجر الثالث عشر من نيسان/أبريل.
في ساعة مبكرة جداً من صباح السبت 13 نيسان/أبريل كنا على موعد مع منبر مفتوح تمت الدعوة لإقامته في غويرا دي ميلينا، وهي بلدية تقع في محافظة هافانا. عند عودتي إلى المكتب، قبل حلول الساعة العاشرة صباحاً، اتصلت ماريا غابرييلا. أبلغت أن "والديّ شافيز مضطربَين"، يريدان التحدث معي من باريناس، يريدان أن يدليا بتصريح.
أبلغتها أن برقية صحافية دولية قد نقلت بأنه قد تم حمل شافيز إلى توريامو، وهو موقع بحري في أراغوا، على الساحل الشمالي من فنزويلا. عبّرت لها أنه من ناحية نوع النبأ وتفاصيله يبدو بأنه صحيح. أوصيتها بأن تستطلع قدر الإمكان. وأضافت لي أن الجنرال لوكاس رينكون، وهو المفتش العام للقوات المسلحة، يريد التحدث معي، كما يود أيضاً الإدلاء بتصريح عام.
أم شافيز ووالده تحدثا إليّ: كل شيء طبيعي في ولاية باريناس. وأبلغتني والدة شافيز بأن القائد العسكري للحراس قد تحدث للتو مع زوجها، هوغو دي لوس ريجيس شافيز، حاكم باريناس ووالد شافيز. نقلت لهما أقصى درجة ممكنة من الطمأنينة.
كما اتصل رئيس بلدية سابانيتا، البلد التي تولّد فيها شافيز، في باريناس. أراد أن يدلي بتصريح. أذكّر بالمناسبة أن جميع قوات الحراسة كانت موالية ووفيّة. كان واضحاً تفاؤله الكبير.
تكلّمت مع لوكاس رينكون. أكد أن فرقة المظليين واللواء المدرَّع وقاعدة الطائرات المقاتلة ف-16 تناهض الانقلاب وهي مستعدة للتحرك. تجرأت على الطلب إليه أن يفعل كل ما بوسعه في سبيل إيجاد حل بدون معارك بين العسكريين. من الواضح أن الانقلاب كان مكتوب له الفشل. تصريح المفتش العام لم يتم لأن الاتصال انقطع ولم يمكن استئنافه.
بعد ذلك بدقائق اتصلت ماريا غابرييلا من جديد، وقالت لي أن الجنرال بادويل، قائد فرقة المظليين، يريد التحدث إلي، وأن القوات الموالية في ماراكاي تريد أن توجه بياناً إلى شعب فنزويلا وإلى الرأي العام العالمي.
رغبتي النهمة بمعرفة الأخبار حملتني على سؤال بادويل عن ثلاثة أو أربعة تفاصيل حول الوضع قبل مواصلة الحوار. لبّى حبّي للمعرفة كما يجب؛ وكانت تتكشف عنده روح نضالية في كل عبارة قالها. قلت له على الفور: كل شيء جاهز لإجراء التصريح" قال لي: "انتظر دقيقة، أدعك مع اللواء خوليو غارسيا مونتوجا، السكرتير الدائم للمجلس القومي للأمن والدفاع. لقد جاء ليقدم دعمه لموقفنا". هذا الضابط، الأقدم من القادة العسكريين الشباب في ماراكاي، لم يكن في تلك اللحظة يتولى قيادة أي قوات.
بادويل، الذي كانت فرقته من المظليين تشكل أحد المحاور الرئيسية للقوة الجرارة من الدبابات والمشاة المدرعة والطائرات المقاتلة الواقعة في ماراكاي، ولاية أراغوا، احتراماً منه للتسلسل القيادي العسكري، وضع الجنرال مونتوجا على الهاتف. كلمات هذا الضابط رفيع المرتبة كانت بالفعل ذكية، مقنِعة وتتلاءم مع الوضع. عبّر في الجوهر عن أن القوات المسلحة الفنزويلية هي قوات وفية للدستور. بهذا قال كل شيء.
كنت أنا قد تحوّلت إلى ما يشبه مراسلاً صحفياً يتلقى الأنباء والرسائل العامة وينقلها، بمجرّد استخدام هاتف خلوي وآلة تسجيل بين يدي راندي. كنت شاهداً أمثل على الانقلاب المضاد من جانب الشعب والقوات المسلحة البوليفارية الفنزويلية.
كان الوضع في تلك اللحظة ممتازاً. لم يعد عند انقلاب الحادي عشر من نيسان/أبريل أدنى إمكانية للنجاح. لكن خطراً مريعاً كان ما يزال يحيق بالبلد الشقيق. حياة شافيز كانت في خطر شديد. فبعد اختطافه من قبل الانقلابيين، أصبح شخص شافيز الأمر الوحيد الذي تبقى في أيدي الأوليغارشية والإمبريالية من مغامرتهم الفاشية. ماذا تراهم سيفعلون به؟ هل يقتلونه؟ هل يروون تعطشهم الحاقد والمنتقِم بحق ذلك المناضل البوليفاري الثائر والباسل، صديق الفقراء، المدافع الذي لا تنثني عزيمته عن كرامة فنزويلا وسيادتها؟ ما الذي يمكن حدوثه لو بلغ للشعب نبأ قتل شافيز، على غرار ما حدث في بوغوتا على أثر قتل غايتان؟ لم تغب عن ذهني فكرة مأساة كهذه وعواقبها الدموية والتدميرية.
مع مرور ساعات منتصف النهار، بعد الاتصالات المذكورة، أخذت تصل من كل مكان أنباء عن الاستياء والغليان الشعبي. ففي مدينة كركاس، المركز الرئيسي للأحداث، كان يتقدم بحرٌ من الشعب في الشوارع والجادّات باتجاه قصر ميرافلوريس والمنشآت المركزية للانقلابيين. في حالة اليأس التي عشتها كصديق وأخ للأسير، مرت ببالي ألف فكرة وفكرة. ما الذي بوسعنا فعله بجهازنا الخلوي الصغير؟ كنت على وشك الاتصال من منطلق ذاتي بالجنرال فاسكيز فيلاسكو نفسه . لم يكن قد سبق لي أن تحدثت إليه ولم أكن أعرف كيف هو. وكنت  أجهل ما إذا كان سيرد أم لا، وكيف من شأنه أن يفعل ذلك. ولهذه المهمة الفريدة من نوعها لم يكن بوسعي التمتع بخدمات ماريّا غابرييلا القيّمة. فكرت بالأمر على نحو أفضل. وفي الساعة 4:15 عصراً اتصلت بسفيرنا في فنزويلا، خيرمان سانشيز. استفسرت منه عمّا إذا كان يظن بأن فاسكيز فيلاسكو سيرد أم لا. قال لي أنه ربما نعم.
طلبت منه: اتصل به باسمي، عبّر له عن رأيي بأن حماماً من الدم ربما يحدث في فنزويلا نتيجة تلك الأحداث وأن هناك رجل واحد يستطيع تفادي كل تلك المخاطر، وهو هوغو شافيز. حثّه على أن يطلقوا سراحه على الفور من أجل منع هذا المنحى المحتمل للأحداث".
أجاب الجنرال فاسكيز فيلاسكو على الاتصال. أكد أن شافيز بين يديه وأنه يضمن حياته، ولكنه لا يستطيع أن يلبّي الطلب. سفيرنا كان مصراً وطرح ما عنده من حجج، حاول إقناعه. قام الجنرال بقطع الاتصال منزعجاً. أغلق الخط.
اتصلتُ بماريا غابرييلا فوراً وأبلغتها بما قاله فاسكيز فيلاسكو، وخاصة ما يتعلق بالالتزام الحفاظ على حياة شافيز. طلبت إليها أن توصلني مجدداً ببادويل. وفي الساعة 4:49 جرى الاتصال. رويت عليه تفاصيل المحادثة بين خيرمان وفاسكيز فيلاسكو. عبرت له عن رأيي بأهمية اعتراف فاسكيز فيلاسكو بوجود شافيز في قبضته. كانت ظروفاً ملائمة لممارسة أقصى ضغط عليه.
في تلك اللحظات لم يكن معروف على نحو مؤكد في كوبا إن كان قد تم نقل شافيز أم لا وإلى أي وجهة. كان يشاع منذ ساعات بأنه قد تم إرسال الأسير إلى جزيرة أورشيلا. وعندما تكلمت مع الفريق بادويل، في حوالي الساعة الخامسة عصراً، كان هذا يقوم باختيار الرجال وإعداد طائرات الهيلوكبتر التي ستنقذ الرئيس شافيز. كنت أتخيل مدى صعوبة الحصول على معلومات دقيقة وأكيدة بالنسبة لبادويل والمظليين لكي يقوموا بمهمة بالغة الحساسية.
خلال ما تبقّى من اليوم، حتى الساعة 12:00 ليلاً من يوم 13، خصصت وقتي لمهمة التكلم مع كل الأشخاص الذين أمكنني التحدث إليهم حول موضوع حياة شافيز. وقد تكلمت مع كثيرين، لأنه عصر ذلك اليوم، وبدعم من قادة وجنود الجيش، كان الشعب آخذاً بالسيطرة على كل شيء. ما زلت أجهل الساعة والطريقة التي ترك فيها كارمونا، الوجيز ، قصر ميرافلوريس. علمت بأن الحرس الشخصي، بقيادة شوريو وأعضاء الحرس الرئاسي، كانوا يسيطرون ويحتلون النقاط الإستراتيجية من المبنى، وأن رانخيل، الذي بقي صامداً طوال الوقت، كان قد عاد إلى وزارة الدفاع.
بل أنني اتصلت هاتفياً بديوسدادو كابيجو  حالما تسلّم مقاليد الرئاسة. وعندما انقطع الاتصال لأسباب فنية، نقلتُ له رسالة عبر وزير التعليم العالي، هيكتور نافارّو، مقترحاً عليه أن يوعز، بصفته رئيساً دستورياً، لفاسكيز فيلاسكو بإطلاق سراح شافيز، وأن ينبهه إلى المسؤولية الخطيرة التي يتحملها في حال عدم امتثاله لتلك الأوامر.
تكلمت مع الجميع تقريباً، شعرت بأنني جزء أيضاً من تلك الدراما التي أدخلتني فيها مكالمة ماريا غابرييلا صبيحة الثاني عشر من نيسان/أبريل. لم يكن إلا حين عرفت فيما بعد كل تفاصيل اعتقال هوغو شافيز، منذ أن جرى نقله باتجاه مجهول في ساعات ليل يوم 11، أن تم التحقق من مدى المخاطر التي لا تصدَّق التي تعرّض لها، والتي امتُحنت فيها كل فطنته ورباطة جأشه وبرودة أعصابه وحدسه الثوري. وما كان أقل قابلية للتصديق بعد هو أن الانقلابيين حجبوا عنه حتى الدقيقة الأخير كل معلومات عمّا يحدث في البلاد، وأصرّوا عليه حتى اللحظة الأخيرة بأن يوقع استقالة لم يوقعها أبداً.
كانت هناك طائرة خاصة، يقال أنها ملك أوليغارشي معروف، لا أذكر اسمه الآن بسبب عدم التأكد بشكل كامل من هذه المعلومة، بالانتظار من أجل نقله إلى مكان لا يعرفه أحد وإلى أيادٍ لا يعرفها أحد.
لقد رويت عليكم كل ما أعرفه؛ وستكتب أيد أخرى يوماً ما كل التفاصيل الناقصة من هذه القصة.
شافيز يمثل العسكريين التقدميين، ولكن في أوروبا، وكذلك في أمريكا اللاتينية، يلومه تقدميون كثيرون لكونه عسكرياً بالذات. ما هو رأيكم حول هذا التناقض الظاهري بين التقدمية وبين ما هو عسكري؟
عمر تورّيخوس، في بنما، كان مثال العسكري صاحب الوعي العميق للعدالة الاجتماعية والوعي الوطني. خوان فيلاسكو ألفارادو ، في بيرو، قام أيضاً بخطوات تقدمية هامة. من واجبنا أن نتذكّر، على سبيل المثال، أن بين البرازيليين، كان لويس كارلوس بريستيس ضابطاً ثورياً قام بمسيرة بطولية بين عامي 1924 و1926، مماثلة تقريباً للمسيرة التي قام بها ماو تسي تونغ بين عامي 1934 و1935.
من بين أعماله الأدبية الرائعة، كتب خورخي أمادو  عن مسيرة بريستيس قصة جميلة، "فارس الأمل". كانت تلك المأثرة العسكرية أمراً مدهشاً، استغرقت أكثر من سنتين ونصف السنة، تجول خلالها في أراضٍ شاسعة من بلاده من دون أن تلحق به هزيمة واحدة. كانت هناك مآثر ثورية كثيرة قام بها العسكريون خلال القرن العشرين المنصرم.
يمكنني أن أذكر من بينهم أسماء عسكريين مرموقين مثل لازارو كارديناس، وهو جنرال من الثورة المكسيكية، الذي قام بتأميم النفط وبإصلاحات زراعية وحصل على دعم الشعب إلى الأبد.
من بين أوائل المتمردين في أمريكا الوسطى في القرن العشرين تأتي مجموعة من العسكرييين الغواتيماليين في أعوام الخمسينات، والذي شاركوا ملتفين حول جاكوبو أربينز، وهو ضابط رفيع من الجيش الغواتيمالي، في نشاطات ثورية تاريخية، من بينها الإصلاح الزراعي النبيل والشجاع الذي أدى إلى العدوان المرتزَق الذي قامت به الإمبريالية، على غرار ما فعلت في شاطئ خيرون [خليج الخنازير] ولذات الأسباب، على تلك الحكومة التي استحقت شرعاً صفة تقدمية.
هناك عدد وافر من حالات العسكريين التقدميين. خوان دومينغو بيرون، في الأرجنتين، أتى أيضاً من الحياة العسكرية. علينا أن ندقق في اللحظة التي نشأ فيها؛ عام 1943 تم تعيينه وزيراً للعمل، وصاغ تلك القوانين لصالح العمال، وعلى سبيل العرفان، حين قاموا بسجنه، تكفّل الشعب بإنقاذه.
ارتكب بيرون بعض الأخطاء: أهان الأوليغارشية الأرجنتينية، أذلّها، أمم لها المسرح وغيره من رموز الطبقة الثرية، ولكن السلطة السياسية والاقتصادية لهذه الطبقة لم تُمَسّ، وفي اللحظة المواتية أطاحت به بتواطؤ من الولايات المتحدة وبمساعدتها. تكمن عظمة بيرون في أنه لجأ إلى الاحتياطات والموارد التي كان يتمتع بها ذلك البلد الغني وفعل كل ما بوسعه من أجل تحسين شروط حياة العمال. تلك الطبقة الاجتماعية، الشاكرة والوفية، حوّلت بيرون حتى آخر لحظة في حياته إلى رمز للشعب الكادح.
الجنرال ليبير سيريغني، الذي كان حتى ما قبل سنوات قليلة رئيساً للجبهة العريضة في أوروغواي، هو أحد القادة الأكثر تقدماً ومحل أكبر احترام الذين عرفتهم أمريكا اللاتينية. استقامته ونزاهته وصموده وثبات عزمه ساهمت في تحقيق النصر التاريخي لهذا الشعب النبيل والتضامني، الذي انتخب تاباريه فاسكيز، خلف سيريغني، رئيساً لجمهورية أوروغواي الشرقية، وحمل اليسار الأوروغوائي إلى الحكم في لحظة كانت البلاد فيها على شفير الهاوية. كوبا تشعر بالامتنان لليبير سيريغني على الأسس الوطيدة التي عرف هو، وإلى جانبه كثيرون من الأوروغوائيين اللامعين، كيف يشيدها للعلاقات الأخوية والتضامنية القائمة اليوم بين أوروغواي وكوبا.
ليس من حقنا أن ننسى فرانسيسكو كامانيو، العسكري الدومينيكاني الشاب الذي قاتل ببطولة على مدى أشهر في وجه أربعين ألف جندي أمريكي قام الرئيس جونسون بإنزالهم في جمهورية الدومينيكان عام 1965 لمنع عودة الرئيس الدستوري خوان بوش. مقاومته الفذة للغزاة على رأس حفنة من العسكريين والمدنيين، والتي استغرقت أشهراً، تشكل أحد أمجد الفصول الثورية التي عرفها هذا الجزء من القارة. وبعد هدنة انتزعها من الإمبراطورية، عاد كامانيو إلى وطنه وقدّم حياته وهو يناضل من أجل تحرير شعبه.
لولا وجود رجل كهوغو شافيز، الذي تولّد في مهد كادح وتربى على انضباط الأكاديميات العسكرية الفنزويلية، حيث زرع بوليفار كل ذلك القدر من أفكار الحرية والوحدة والتكامل الأمريكي اللاتيني، ما كان لها أن تنشأ في هذه اللحظة الحاسمة بالنسبة لقارتنا الأمريكية عملية تبلغ ما تبلغه العملية الثورية الراهنة في هذا البلد الشقيق من أهمية تاريخية وعالمية. أنا لا أرى في ذلك أي تناقض.
في الأرجنتين ما زال لبيرون والبيرونية نفوذاً سياسياً كبيراً. إنها الأرجنتين التي انهار فيها إلى حد ما وبصخب النموذج الليبرالي في شهر كانون الأول/ديسمبر 2001. ما هو رأيكم بالأحداث الأخيرة التي شهدتها الأرجنتين؟
حين وصلت الأنباء في شهر أيار/مايو 2003 عن نتائج الانتخابات في الأرجنتين والإعلان عن انتصار نيستور كيرشنير وهزيمة كارلوس منعم شعرت بارتياح كبير. لماذا؟ هناك سبب هام: أسوأ ما في الرأسمالية المتوحشة، كما يصفها شافيز، أسوأ ما في العولمة النيوليبرالية في البلد الأمريكي اللاتيني الذي كان قد تحول إلى رمز للنيوليبرالية بامتياز، مني للهزيمة.
إن الأرجنتينيين، مع أنهم بعيدين عن تحقيق أكبر الآمال التي يصبون إليها، لا يدركون حجم الخدمة التي أسدوها لأمريكا اللاتينية والعالم، بإغراقهم رمزاً هاماً للعولمة النيوليبرالية في أعمق حفرة في المحيط الهادئ، على عمق ثمانية آلاف متر. لقد حقنوا بقوة هائلة العدد المتزايد من الأشخاص الذين أخذوا يعون في جميع أمريكا اللاتينية ما يعنيه هذا الشيء الذي يسمونه هكذا من هول ورعب.
إذا أردتم يمكننا أن نتذكر بأن البابا يوحنا بولس الثاني، الذي حظي باحترام كوني، تكلم عن "عولمة التضامن" أثناء إجرائه زيارة لبلدنا عام 1998. هل يمكن لأحد أن يقف ضد هذه الكلمة بكل ما تحمل الكلمة من مفهوم ومعنى، وأن تشمل ليس فقط العلاقات بين من يعيشون ضمن حدود بلد واحد، وإنما كذلك داخل إطار الكرة الأرضية؛ وأن يمارس هذا التضامن في الغد أيضاً، في عالم من الحرية والمساواة والعدالة الحقيقية، أولئك الذين يبذِرون ويدمّرون ويبددون الموارد الطبيعية ويحكمون بالموت على سكان هذا الكوكب؟
لا يمكن الوصول إلى النجوم في يوم واحد، ولكن صدِّقني بأن الأرجنتينيين قد وجهوا ضربة قاصمة لرمز، ولهذا الأمر قيمة هائلة.
ما زالت أمريكا اللاتينية تعاني مشكلة الديون الخارجية.
هذه الديون نمت في العالم بنسبة موازية للنمو السكاني. الآن يصل حجم الديون الخارجية إلى 2.5 أو 2.6 بليون دولار. ستعرض البلدان المتقدمة على بلدان العالم الثالث هذه السنة كمساعدة رسمية للتنمية 53 ألف مليون دولار. خلافاً لذلك، ستقبض منها على شكل فوائد للديون الخارجية أكثر من 350 ألف مليون دولار!
هذه الديون أخذت تنمو في أمريكا اللاتينية بلا توقف وتصل اليوم إلى ما قيمته 800 ألف مليون دولار. لا أحد يستطيع تسديدها، وهذا ما يجعل من أي سياسة تنموية جادة أمراً مستحيلاً. لن يكون بالإمكان القضاء على الجوع في أمريكا اللاتينية ما دامت الحكومات مضطرة لمواصلة تخصيص ربع دخولها من الصادرات لتسديد ديون خارجية قامت بتسديدها مرتين تقريباً وتبلغ اليوم ضعف ما كانت عليه قبل عشر سنوات...
الآن تقترح الولايات المتحدة "منطقة التجارة الحرة الخاصة بالأمريكتين" (ALCA) كحل. ما هو رأيكم  "بمنطقة التجارة الحرة الخاصة بالأمريكتين" (ALCA)؟
إنها كارثة. ولكنها كارثة يمكن تفاديها. لأننا كنا شهوداً على المعركة التي تم خوضها في مار ديل بلاتا يومي الرابع والخامس من تشرين الثاني/نوفمبر 2005 بمناسبة انعقاد "قمة الأمريكتين". كان نضالاً هائلاً ضد "منطقة التجارة الحرة الخاصة بالأمريكتين" (ALCA). كان هنا نضالان، واحد في الشارع وفي الستاد، وآخر في الحرم الذي اجتمع فيه رؤساء الدول.
في مار ديل بلاتا خرج مشروع "منطقة التجارة الحرة الخاصة بالأمريكتين" (ALCA) المشؤوم مهزوماً بشكل نهائي. "منطقة التجارة الحرة الخاصة بالأمريكتين" (ALCA) هي فتح حدود كل البلدان ذات المستوى المتدني جداً من التطور التقني أمام منتجات تلك البلدان التي تتمتع بأعلى المستويات التكنولوجية والإنتاجية، تلك التي تصنع آخر موديل من الطائرات، تلك التي تسيطر على الاتصالات الدولية، تلك التي تريد الحصول على ثلاثة أشياء منّا: مواد أوليّة، قوة عمل رخيصة، وزبائن وأسواق. أنه شكل جديد لاستعمار لا رحمة فيه.
هل تظنون بأنه يمكن لذلك أن يزيد تبعية أمريكا اللاتينية بالنسبة للولايات المتحدة؟
لو تم التهام أمريكا اللاتينية من قبل الإمبراطورية؛ لو ابتلعتنا، كذلك الحوت الذي ابتلع النبي يونس ولم يستطع هضمه، ستضطر لقذفها يوماً ما، ستولد من جديد في هذا النصف من العالم. ولكنني لا أظن بأنه من السهولة بمكان ابتلاعها، وعندي آمال بألا يكون بالإمكان التهامها. أحداث السنوات الأخيرة آخذة بإثبات ذلك: لا يمكن حُكم العالم بجندي وحربة في كل مدرسة، في مكل منزل، في كل متنزَّه.
طالما قلت بأنه يجب أخذ الأمريكيين أنفسهم بالحسبان، المثقفين والشعب الأمريكي. يُمكن خداع ذلك الشعب، ولكنه حين يعرف الحقيقة، كما حصل في حالة الطفل إليان...  لقد ساند هذا الشعب بنسبة 80 بالمائة عودة الطفل الكوبي إليان غونزاليز.
ذلك الشعب يعترض اليوم على الحصار المفروض على كوبا. وذلك الشعب يعترض بأعداد متزايدة على عقيدة الحرب الاستباقية، التدخلية، بالرغم من الضربة الغادرة لمدينة نيويورك في الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001. يجب أخذ ذلك الشعب بالحسبان.
كما يجب أخذ المثقفين الأوروبيين بالحسبان، لأن رجالا مثلكم كانوا وما يزالون يقومون بجهود هائلة لخلق وعي وساهموا بشكل بارز في خلق هذا الوعي الضروري.
بالإضافة لذلك توجد اليوم مجموعة من الحكومات، في فنزويلا، في البرازيل، في الأرجنتين، في أوروغواي وفي بلدان أخرى، تطبِّق إجراءات تقدّميّة. كيف تنظرون حضرتكم إلى ما يقوم بفعله لولا في البرازيل، على سبيل المثال؟
طبعاً أنظر لما يقوم بفعله لولا بأكبر ارتياح. لا يتمتع هو بأغلبية كافية في البرلمان؛ كان عليه أن يلجأ لدعم قوى أخرى، حتى منها محافظة، من أجل إحراز تقدمٍ لبعض الإصلاحات. وسائل الإعلام أحدثت ضجة كبرى لفضيحة فساد أبطالها برلمانيون، ولكنها لم تستطيع إقحامه فيها. لولا هو قائد شعبي. إنني أعرفه منذ سنوات طويلة، لقد تابعنا مسيرته، وتحدثنا معه كثيراً، إنه رجل صاحب قناعات، ذكي، وطني، تقدمي، منحدر من أصول كادحة ولا ينسى أصوله، ولا ينسى الشعب الذي دعمه دائماً. وأعتقد أن كل العالم ينظر إليه هكذا. فالأمر لا يتعلق بالقيام بثورة، يتعلق الأمر بكسب تحدٍّ: القضاء على الفقر. إنه يستطيع تحقيق ذلك. يتعلق الأمر بالقضاء على الأميّة. ويستطيع تحقيق ذلك أيضاً. وأظن أن من واجبنا جميعاً مساندته .
أيها القائد العام، هل تظنون حضرتكم بأن زمن الثورات والكفاح المسلّح قد ولّى في أمريكا اللاتينية؟
لا يستطيع أحد أن يؤكد بأنها ستحدث تغيرات ثورية في أمريكا اللاتينية اليوم. ولكن أحداً لا يستطيع أن يؤكد أيضاً بألا تحدث في أي لحظة في بلد واحد أو في عدة بلدان. إذا ما أجرى المرء تحليلاً موضوعياً للوضع الاقتصادي والاجتماعي في بعض البلدان، لا يمكن أن يراوده أدنى شك بأن الأمر يتعلق بوضعٍ قابل للانفجار. نسبة الوفيات بين الأطفال، على سبيل المثال، تصل إلى 65 بين كل ألف مولود حي في العديد من هذه البلدان؛ هذه النسبة تصل عندنا إلى أقل من 6.5؛ يموت في بلدان أمريكا اللاتينية عدد من الأطفال يبلغ عشرة أضعاف عدد الذين يموتون في كوبا، كمعدّل. سوء التغذية يطال في بعض الأحيان أكثر من أربعين بالمائة من المواطنين، بينما نسب الأمية وشبه الأمم ما تزال مرتفعة، والبطالة تلحق بعشرات الملايين من المواطنين الراشدين في قارتنا الأمريكية، وهناك أيضاً مشكلة الأطفال المهمَلين، الذين يعَدّون بالملايين. رئيس منظمة "يونيسيف" قال لي في أحد الأيام أنه لو كانت أمريكا اللاتينية تتمتع بمستوى الرعاية الطبية والصحية الذي تتمتع به كوبا لأمكن إنقاذ 700 ألف طفل سنوياً.
إذا لم يتم العثور على حل عاجل لهذه المشكلات –و"منطقة التجارة الحرة الخاصة بالأمريكتين" (ALCA) ليست بحل، ولا هي كذلك العولمة النيوليبرالية- يمكن أن تحدث أكثر من ثورة في أمريكا اللاتينية في أقل اللحظات توقعاً بالنسبة للولايات المتحدة. ولن يكون بوسعها تحميل أحد مسؤولية الوقوف وراء هذه الثورات.