تأملات

الحكومة العالمية (الجزء الثاني)

ألف باء تجارة المخدرات

يُجنى الأفيون في مناطق مختلفة من العالم: أمريكا الجنوبية، مثلث الذهب في لاوس، بورما، تايلاند، أفغانستان، باكستان، وآسيا الوسطى، وهي منطقة تُعرف باسم الهلال الذهبيّ. معظم الخشخاش المنثور ينمو في منطقة جبليّة ضيقة يبلغ طولها ستة آلاف كيلومتر، وتمتد من جنوب آسيا حتى تركيّا، مروراً بباكستان ولاوس.

من الواضح طبعاًُ أن أعضاء نادي بيلدربيرغ لا يتكلّفون شخصياً أمر نقل المخدّرات ولا غسل الأموال التي تعود بها الأرباح. هذا الأمر تتكفل به وكالة السي آي إيه.

[...] يشير نيل كلارك إلى ما يلي: "سوروس مغتاظ ليس من أهداف بوش –نشر السلام الأمريكي وجعل العالم أكثر أمناً بالنسبة لرأسماليين عالميين مثله هو-، وإنما من الطريقة الجلفة والفظة التي يستخدمها بوش من أجل تحقيق ذلك.

’خطة مارشال" التي اقترحها للبلقان هي وهم. [...] بعد تمويلها من البنك العالمي والبنك الأوروبية للتنمية، وكذلك من قبل دائنين من القطاع الخاص، ستعود بالفائدة بشكل رئيسي على شركات المناجم والنفط والبناء، وستضخّم الديون الخارجية إلى ما بعد الولوج في الألفية الثالثة".

التدخل العسكري لحلف الناتو

إن تعزيز سلطة حلف الناتو في جنوب أوروبا وحوض المتوسّط أيضاً يشكل خطوة نحو توسيع دائرة النفوذ الجغرافي-السياسي لنادي بيلدربيرغ إلى ما بعد البلقان ليصل إلى منطقة بحر قزوين وآسيا الوسطى وآسيا الغربية.

شبح "ترافيس"

في الأسبوع الأول من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 1999 تلقيتُ ما بدا في البداية بطاقة تهنئة تم إرسالها من لاديسبول، وهي بلدة صغيرة تقع في إقليم لازيو، روما، على ساحل البحر المتوسط.

الثلاثون من آذار/مارس 1980 هو الموعد الذي غادرنا فيه الاتحاد السوفييتي رسمياً. أثناء وجودنا في إيطاليا أقمنا في لاديسبول، وهي بلدة صغيرة تحوّلت إلى مأوانا خلال العام التالي.

خرجت إلى الشارع. كان المطر يهطل رذاذاً. طفلان صغيران كانا يقفزان ويبللان أنفسهما من مستنقع ماء إلى آخر، مخلّفَين آثار  أحذيتهما على الرصيف. اجتزت الشارع الترف تحت الغيوم وفتحت باب الحانة عند زاوية منزلي. 29 تشرين الثاني/نوفمبر 1999. من يدري ما معنى كل هذا؟ عدتُ لقراءة النص. "إنني أقضي لحظات ممتعة. ليتك كنت هنا" التوقيع: فاشودا. من هو هذا الشخص يا ترى؟

"فاشودا ليس بشخص، إنه اسم مكان". كان بوسعي أن أحسّ بطريقة خفقان قلبي. 29 تشرين الثاني/نوفمبر 1999 [...] فجأة انتصبت على معقدي. "فاشودا، ترافيس ريد!!!!"

ترافيس هو شرير كنت قد تعرفت إليه خلال اجتماع لنادي بيلدربيرغ في كينغ سيتي عام 1996. كان لصاً قليل الأهمية، فوضوي وموضع احتقار [...]. كان ترافيس معرضاً للاعتقال، وأن يُفرَج عنه أيضاً، بذات السرعة تقريباً.

وكما علمت لاحقاً، فإن ترافيس ريد كان قد تحول إلى أزعر لكي يعمل مع الخارجين عن القانون.

تم إرساله إلى السودان من قبل عملاء كانوا يعملون للسي آي إيه وللشرطة القومية الكندية (RCMP) على حد سواء. لم يتم أبداً الكشف عن تفاصيل رحلته إلى السودان، ولكن على غرار ما حدث عام 1899، هذا المكان الذي أفلت من يد الله، كان يجذب كل الأشخاص غير الملائمين بسبب أكثر الدوافع ملاءمة.

"إذا أراد ترافيس أن يراني، فإن الأمر سيتحول إلى ورطة كبرى"، هذا ما قلته لنفسي.

من واجبي الاعتراف أنه حين كانت الأمور  تسوء، كنت أثق دائما بالمسؤولين السوفييت السابقين. شيء ما في داخلهم كان يجعلهم عديمي الثقة بالغرب ولم يكونوا يستسلمون لابتياعهم بسهولة، خلافاً لما تحاول أن تشيعه وتحمل على الظن به الصحف الجماهيرية والتقارير الصحافية.

لم يكونوا نوعاً من الناس الذين يروق لك خيانتهم. كنت على إدراك بأنني على مأمن منهم. كان جدّي قد خاطر بحياته في بدايات عقد الخمسينات لكي ينقذ أرواح آباء هؤلاء الرجال، عملاء الـ "كي جي بي".

في السابع والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر، في الساعة الأخيرة من ساعات العصر، رنّ هاتفي المحمول. إنه ترافيس. كان مقيماً في كهف ما في أنحاء روما.

قاطعته قائلاً: "بلازا دي لا ريبوبليكا في الساعة الخامسة والنصف عصراً"

صاح ترافيس: "أنا الذي أضع الشروط".

قلت له ببرود: "ليس لدرجة أن تقتلوني".

لم يحضر ترافيس إلى اللقاء. في حوالي الساعة الثامنة والنصف توجّهنا بسرعة إلى مقر إقامته، هذا إذا أمكن أن نطلق عليه هذا الاسم، والمسدسات بأيدينا.

كهف غرفة واحدة تم نهبه بالكامل. ومع ذلك، لم تكن هناك آثار  عراك ولا بقع دم ولا جثة ترافيس ريد. بقدر ما أعرف، لم يتم الحديث عنه بعد ذلك أبداً.

بين الفينة والأخرى، يظهر شبح ترافيس في أعمق أعماق ذاكرتي، ذكرى لطيفة لضعف وهشاشة النفس البشرية.

بهذا ينهي ستولين الجزء الثالث

الفصل الرابع

نادي بيلدربيرغ والحرب السرية في أفغانستان

القضايا التي تنشب الحروب بسببها تكمن في الإيديولوجية المعكوسة في الكتب المدرسية: تتجه الأمم للحروب لفترات مريعة من حيث طولها الزمني، استناداً إلى أكاذيب، كما أثبتت الحرب العالمية الأولى وكل واحدة من حروب القرن العشرين.

المؤرخ الشهير إدموند مورغان كتب ما يلي: "التاريخ لا يتكرر أبداً. إنما يبدو ذلك فقط لأولئك الذين لا يعرفون التفاصيل".

حوض بحر قزوين وآسيا الوسطى هما المنطقتين الرئيسيتين للطاقة في القرن الحادي والعشرين. ثلثا الاحتياط العالمي من النفط يتواجدان في تلك المنطقة. "[...] تريد أمريكا أن تكون المنطقة تحت السيطرة الأمريكية كلياً"، حسبما يؤكد جيمس دونان في مقالة نشرتها مجلة "Commercial Oil & Gas Journal" في التاسع من تشرين الأول/أكتوبر 2001.

"مادلين أولبرايت [التي كانت آنذاك وزيرة للخارجية في عهد كلينتون وأحد الأشخاص المسؤولين عن حرب كوسوفو] خرجت بالاستنتاج أن ’العمل من أجل قولبة مستقبل المنطقة هو أحد أكثر الأمور إثارة التي يمكننا صنعها‘"، حسبما ورد في عدد أيار/مايو 1998 من مجلة "تايم".

حرب الخليج سمحت للبنتاغون أن يقيم العديد من القواعد العسكرية في العربية السعودية وفي الإمارات العربية المتحدة وفي أماكن أخرى.

وكما وثّق البروفيسور مايكل شوسودوفسكي في "War and Globalization"، فإن حلف "GUUAM" (جورجيا وأوكرانيا وأوزباكستان وأذربيجان وملدوفيا)، الذي شكّله حلف الناتو عام 1999، يقع فوق بحر ثروة قزوين من النفط والغاز. الدولة الأساسية ضمن حلف "GUUAM" هي جورجيا، الدولة العميلة للولايات المتحدة، حيث حلّ ميخائيل ساكاشفيلي في الرئاسة محلّ وزير العلاقات الخارجية السوفيتي السابق إدوارد شيفارنادزي عبر انقلاب رعاه الأمريكيون وتم إظهاره على أنه تمرّد شعبي وعفَوي.

حسب مشروع "Underground" [...] فإن أعضاء سابقين في مجالس السوفييت، من الـ "كي جي بي" ومن المكتب السياسي، يستغلّون الثروة النفطية، "إلى جانب "مجموعة مخيفة من الشخصيات الهامة البارزة خلال الحرب الباردة، آتية بشكل رئيسي من الجهاز الحكومي لجورج [هـ. دبليو] بوش". اللاعبون هم المستشارون السابقين لكل من ريغان وبوش وكلينتون، أمثال جيمس بيكر إيل (وزير الخارجية الأسبق في عهد إدارة بوش الأب)، وديك تشيني (نائب الرئيس) وجون سونونو (الرئيس الأسبق لجهاز موظفي البيت الأبيض).

[...] بيتر سوثرلاند (من "بريتيش بتروليوم") والملكة البريطانية إليزابيث الثانية (مساهِمة رئيسية في "بريتش بتروليوم"، رأس لجنة الثلاثمائة)، اللذان يصارعان من أجل السيطرة على الموارد النفطية وممرّات أنابيب النفط التي تخرج من حوض بحر قزوين. في عام 1998، وبعد الاجتماع السري لنادي بيلدربيرغ في سكوتلاندا، أبلغا الوسائل الإعلامية المستقلّة أن حلف الناتو، واتباعاً منه لتعليمات من النادي الذي أسّسه، أعطى ضوءاً أخضر لروسيا لكي تقصف شيشينيا، علماً منه أنه سترتفع بذلك أكثر التوترات بين هذين البلدين اللذين تعود الأحقاد بينهما إلى ثلاثمائة سنة إلى الوراء.

الأنبوب النفطي الأفغاني لم يكن مجرد نشاط تجاري، وإنما هو جزء أساسي من خطة جغرافية-إستراتيجية أوسع نطاقاً: السيطرة العسكرية والاقتصادية الكاملة على أوراسيا (الشرق الأوسط والجمهوريات السوفييتية سابقاً من آسيا الوسطى). جورج مانبيوت اعتر بذلك في "The Guardian" في الثالث والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر 2001: "ليس للنفط والغاز أي أهمية ولا يمكن نقلهما. الخط الوحيد ذو الأهمية السياسية والاقتصادية على حد سواء هو عبر أفغانستان...".

بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، كانت شركة "بريداس" (Bridas) النفطية الأرجنتينية، التي يقودها رئيسها الجشع كارلوس بولغيروني، أول شركة تستغلّ الآبار النفطية في تركمانستان، حيث يتواجد واحد من أكبر احتياطات الغاز في العالم. [...] أفغانستان هي الطريق الأقصر باتجاه الخليج من أجل نقل موارد الغاز من تركمانستان وأوزبكستان، من شمال وسط آسيا وغرب وسط آسيا.

في ما بعث الحزن والمرارة عند شركة "بريداس"، وجّهت شركة"يونوكال" (UNOCAL) عرضها إلى القادة الإقليميين مباشرة. وشكّلت "يونوكال" مجموعة شركات منافسة خاصة بها، بقيادة الولايات المتحدة، برعاية واشنطن، وشملت "ديلتا أويل" السعودية، بالشراكة مع الأمير السعودي عبد الله والملك فهد.

وحسبما يذكر أحمد رشيد فإن "تأثير شركة ’يونيكال‘ على حركة طالبان استند إلى أن مشروعها كان يعطي فرصة الاعتراف بالحركة من قبل الولايات المتحدة، وهو ما  كانت طالبان تسعى لتحيقه بأي ثمن". [...] في ربيع عام 1996 استدعى إداريون من "يونيكال" الزعيم الأوزبيكي عبد الرشيد دستم (وهو قاتل بالجملة مسؤول عن مجزرة دشت الليلي المرتكبة في شهر كانون الأول/ديسمبر  2001 عندما تم خنق المئات من أسرى حركة طالبان عن سبق الإصرار في حاويات شاحنات معدنية بينما كان جنود أمريكيون ومن حلف الناتو يقتادونهم إلى سجن قندز، أفغانستان) إلى دالاس من أجل مناقشة خط مرور أنبوب النفط بالأراضي الشمالية من بلاده، والخاضعة لسيطرة حلف الناتو.

وحسب وصف رشيد، فإن التنافس بين "يونيكال" و"بريداس" "أخذ يعكس التنافس داخل العائلة الحاكمة السعودية". وفي عام 1997، توجّه مسؤولون من طالبان مرتين إلى واشنطن وبوينوس أيريس ليحظيا بتكريم "يونوكال" و"بريداس".

من جديد، كان للعنف أن يغيّر مجرى الأحداث. فرداً على قصف سفارتي الولايات المتحدة لدى كل من نيروي وتنزانيا (والذي نُسب إلى سامة بن لادن، مع أن مصادر استخبارية فرنسية قالت أن الاعتداء هو من فعل الموساد الإسرائيلي)، أطلق بيل كلينتون صواريخ كروز على متجر فارغ في أفغانستان والسودان في العشرين من آب/أغسطس 1998. وقطعت إدارته آنذاك علاقاتها الدبلوماسية بحركة طالبان وفرضت الأمم المتحدة عقوبات عليها.

خلال الفترة المتبقية من رئاسة كلينتون، لم تعترف الولايات المتحدة ولا منظمة الأمم المتحدة رسمياً بأفغانستان. ولم يحدث أي تقدم في موضوع أنبوب النفط.

في تلك الآونة وصل جورج دبليو بوش إلى البيت الأبيض.

خلال الأشهر الأخيرة من إدارة كلينتون، كانت حركة طالبان تعتبر رسمياً مجموعة إرهابية. بعد نحو عقد من التنافس الوحشي بين مجموعة شركات "يونوكال-سينتغاز" (UNOCAL-CentGas) المدعومة من الولايات المتحدة و"بريداس" الأرجنتينية، لم تكن أي من الشركتين قد تمكنت من التوصل إلى اتفاق لإقامة أنبوب نفط في أفغانستان. [...] جورج دبليو بوش استأنف العلاقات الدبلوماسية مع حركة طالبان. ليس هناك ما يدعو للغرابة، فالرئيس الأسبق جورج هـ. دبليو بوش توجّه في العامين 1998 و2000 إلى العربية السعودية باسم المجموعة التجارية الخاصة "كارليلي غروب"، وهي شركة التعهدات الدفاعية التي تحتل الموقع الحادي عشر بين أهمّها في الولايات المتحدة، حيث اجتمع على انفراد بالعائلة السعودية الحاكمة ومع عائلة أسامة ن لادن، حسب عدد السابع والعشرين من أيلول/سبتمبر 2001 من صحيفة "ذي وول ستريت جورنال".

في واحد من أكثر فصول الأحداث التي سبقت الحادي عشر من أيلول/سبتمبر سوريالية وكافكيّة، نقلت صحيفة "ذي واشنطن بوست" عن ميلت بيردين، عميل السي آي إيه، التي ساعدت على تشكيل قوات المجاهدين الأفغان، في تعبير عن أسفه لعدم أخذ الولايات المتحدة الوقت اللازم لفهم حركة طالبان، تأكيده: "لم نُصغِ أبداً إلى ما حاولوا أن يقولوه لنا [...]. لم نكن نتحدث بلغة مشتركة. نحن كنّا نقول ’سلِّموا بن لادِن‘. وكانوا هم يقولون: ’افعلوا شيئاً يساعدنا على تسليمه‘". ولكن هناك ما هو أكثر من ذلك.

في الواقع العملي، العلاقة بين إدارة بوش و"الإرهابي" وزعيم القاعدة، أسامة بن لادن، لم يسبق لها أبداً أن كانت أفضل مما هي عليه.

الدليل على أن الحرب في أفغانستان، حيث نهم الشركات متعددة الجنسية يختلط بنهم وقسوة كبريات الشركات النفطية ("بي بي"، "شل"، "إكسون"، "موبيل"، "شيفرون"، إلخ) هو بكل بساطة دليل لا يُدحض. إنه لمفزع التفكير أن بإمكان منطقة مفلتة من يد الله، ويسيطر عليها إرهابيون، أن تتحول إلى نقطة تمتزج فيها مصالح إدارة بوش و"يونوكال" ووكالة "السي آي إيه" وحركة "طالبان" والعربية السعودية وباكستان وإيران وروسيا والهند.

تحت عنوان "راعي بقر في البيت الأبيض"، يقول دانيال ستولين:

شكّل بوش جهازه الحكومي من شخصيات من عالم صناعة الطاقة ذوي علاقات وثيقة بوسط آسيا (ديك تشيني، من "هالبورتون"؛ ريتشارد أرميتاج، من "يونوكال"؛ كوندوليزا رايس، من "شيفرون") ووصل إلى السلطة بفضل سخاء مجموعات الشركات ذات الحقوق المكتسبة في المنطقة، مثل "إنرون".

مشاركة عائلة بوش في السياسة النفطية في الشرق الأوسط ووسط آسيا وعلاقاتها الوثيقة بالعائلة السعودية الحاكمة وعائلة بن لادن قائمة منذ عدة أجيال.

كيف اخترع أبناء نادي بيلدربيرغ حرب "يوم كيبور" بهدف تدويل النفط.

[...] لا يدع أعضاء نادي بيلدربيرغ أمراً يفلت من أيديهم. لا يعملون وفق خطة خمسية. إنما هم يخططون لمدىً أطول. في بدايات أعوام الستينات أعدّوا خطة "ب"، وهي خطة تقاسم نفط تشمل الولايات المتحدة وإحدى عشر دولة صناعية أخرى هامة، وذلك بوضعها آليةً يؤكد آلين بشأنها ما يلي: "النفط الذي يتم إنتاجه داخل الولايات المتحدة للمرة الأولى في التاريخ الأمريكي سيتم تقاسمه وتخصيصه في حال حدوث حظر نفطي آخر من جانب الشرق الأوسط".

موجز الفصل الرابع

"تجربة" عام 1973، التي أعدّها أعضاء من نادي بيلدربيرغ، تثبت بوضوح أنه سيتم استخدام النفط كسلاح للسيطرة. ما حدث عام 1973 نبّه "المواطنين الأمريكيين وجعلهم يلاحظون مدى السيطرة التي تستطيع الحكومات الأجنبية ومجموعات الشركات متعددة الجنسيات أن تمارسه على الأمة"، هذا ما كتبه دافيد أ. ريفيرا في "Final Warning: A History of the New World Order".

يتناول في الفصل الخامس

"ماتريكس" (MATRIX): مكتب إدراك المعطيات الشامل

بشكل عام، من الأسهل بكثير التوصل إلى اتفاق إذا لم يكن هناك مستمعون. ليست المسألة مسألة نزعة للسريّة، وإنما هي مسألة القدرة على التحرك بطريقة أكثر فعالية.

نيل كينّوك

مفوّض الاتحاد الأوروبي

وعضو نادي بيلدربيرغ

"مكتب إدراك المعطيات الشامل" (Total Information Awareness, TIA) الخاص بالبنتاغون هو نظام ينطلق من عبارة مشفّرة ويترتب عنه الحلّ التدريجي للحريات الفردية القيّمة في أمريكا والتي يدافع عنها الدستور والتنازل عنها لصالح دولة عالمية، شموليّة. الجزء الأكبر من تفاصيل هذا النظام التجسسي الهائل ما زال لغزاً. بعد اعتداءات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001، تحوّل "مكتب إدراك المعطيات الشامل" (Total Information Awareness, TIA) إلى شبكة مراقبة هي "انعكاس لتوجّه أكبر  ظهر في الولايات المتحدة وأوروبا: الاندفاع الذي لا مناصّ منه ظاهرياً نحو مجتمع يخضع للمراقبة".

المحور الرئيسي لشبكة المراقبة الشاملة هو شكل جديد وما فوق العادي يسمى "استكشاف المعلومات" أو اكتشاف المعارف، والذي يفترض الاستخراج المؤتمت لمعلومات تكهنية خفية انطلاقاً من قواعد معلومات.

عبر وضعها لكفاءة لا تقارَن في معاملة آلاف الملايين من التسجيلات في الثانية حيّز التطبيق، جمعت "Accurint" أكبر تسجيل من المعلومات عن جهات اتصال مفتوحة في العالم. تبحث "Accurint" أكثر من 20 مليون سجلاً تغطي ما يمتدّ من تغيير مكان إقامة حديث العهد وحتى عناوين قديمة تعود إلى ثلاثين سنة إلى الوراء.

[...] حين طُلب منها مزيداً من المعلومات، رفض المسؤولون في الشركة كشف تفاصيل أكثر تحديداً حول طبيعة ومصادر معلوماتها.

استناداً لقول كريستوفر كالابريسي، من "مجلس برامج التكنولوجيا وحريّة اتحاد الحريات المدنية الأمريكي"، فإن "’ماتريكس‘ [...] تجعل كل أمريكي موضع شبهة".

كشفت وكالة "أسوشييتد برس" أنه في شهر كانون الثاني/يناير 2003، أبلغ حاكم ولاية فلوريدا، جيب بوش، نائب الرئيس ديك تشيني، وتوم ريدج، أنه على وشك أداء اليمين على منصبه على رأس وزارة الأمن القومي الجديدة. وأطلع مدير "الأف بي آي" روبيرت مويلر، على مشروع سريّ يمكنه أن يثبت كيف أن بوسع قوات الأمن أن تستخدم برنامجاً معلوماتياً من أجل اعتقال "إرهابيين".

شركة الخطوط الجوية "إيبيريا"

من ناحية أخرى، تعرضت شركة "إيبيريا"، وهي شركة النقل الجوي الإسبانية الرئيسية، لتهمة تزويد حكومة الولايات المتحدة بمعلومات سرية عن مسافريها [...].

"الولايات المتحدة تجبر شركات النقل الجوي على تقديم معلومات عن المسافرين على متن طائراتها"، أندي سوليفان، رويترز، 17 آذار/مارس 2004.

في ذات السياق، طلبت وكالة "ناسا" وقدّمت معلومات سريّة تتعلق بمعطيات خاصة بالمسافرين عن الملايين من مستخدمي شركة "نورثويست إيرلاينز" (Northwest Airlines)، كالأسماء والعناوين ومسارات الرحلات وأرقام بطاقات الاعتماد من أجل دراسة مماثلة لاستكشاف المعلومات. [...]، وهي حوادث تسببت بعشرات النزاعات القضائية. يمثل هذا أيضا انتهاكاً لسياستها نفسها.

"’نورثويست إيرلاينز‘ تسلّم لوكالة ’ناسا‘ معلومات شخصية عن ملايين المسافرين؛ هذا التزويد ينتهك سياسة الخصوصية"، Electronic Privacy Information Center، 18 كانون الثاني/يناير 2004.

"’نورثويست إيرلاينز‘ تقدّم معلومات عن مسافريها إلى الحكومة"، جون سوارتز،  USA Today، 19 كانون الثاني/يناير 2004.

يخصص فصلاً لـ

تفاصيل شخصية على مرأى من الجميع

المفوض ألومنيا، والرئيس بوريل، ورئيس المفوضية الأوروبية، خوسيه مانويل بارّوسو، وهو عضو آخر في نادي بيلدربيرغ، قاموا بحملة لصالح إقرار  الحقوق الأساسية، التي يفترَض أنها مدرجة ضمن الميثاق الأوروبي [...]. ما لم يقله بوريل ولا ألومنيا ولا بارّوسو أبداً للمواطن الأوروبي الطيّب هو أن جميع الحقوق وكل واحد منها، حسب المادة لحادية والخمسين، يمكن إلغاؤه إذا ما استدعت "مصالح الاتحاد" ذلك.

غير أن هناك أكثر من هذا بكثير مما يمكن روايته في ما يتعلق بالتعبير المخزي عن الخيانة من جانب المفوضية الأوروبية بالنسبة لمواطنيها أنفسهم.

السيطرة الأوروبية على الاتصالات السلكية واللاسلكية: التصويت في البرلمان الأوروبي من أجل الموافقة على حجز المعلومات وعلى المراقبة من قبل قوات الأمن

التصويت على حجز المعلومات في الثلاثين من أيار/مايو 2002 (في التشريع الأوروبي السابق، أصوات "الحزب الشعبي الأوروبي" و"الحزب الاشتراكي الأوروبي" شملت 526 نائباً من مجموع 626 نائب).

"Statewatch" و"مراسلون بلا حدود" هما المنظمتان الوحيدتين اللتين أبلغتا عمّا تحوّل إلى قرارات تلحق الأذى بمئات الملايين من الأوروبيين.

بشكل أساسي، التفخيم الكلامي والتحدي من جانب الاشتراكيين بشأن مسائل أمن وطني ودولي إنما هو مهزلة. تحالف كتلتي "الحزب الشعبي الأوروبي" و"الحزب الاشتراكي الأوروبي" في البرلمان الأوروبي أثبت أنهما يؤيدان شروط حكومات الاتحاد الأوروبي، بدلاً من التحرك دفاعاً عن الناس والدفاع عن حقوق المواطنين بالخصوصية والحريات المدنية.

خافيير سولانا مادارياغا، وهو عضو رئيسي في مجموعة بيلدربيرغ والأمين العام السابق لحف الناتو والأمين العام لمجلس الاتحاد الأوروبي والممثل السامي للسياسة المشتركة في الشأن الأمني والدفاعي، في قرار اتخذه "الاتحاد الدولي للصحافيين"، وصفه هذا ببساطة أنه "انقلاب صيفي". تذكر، أيها القارئ، أن شخصيات مثل سولانا لا تعبّر عن مصالحك ولا عن مصالح إسبانيا.

ثم يعلّق ستولين على كل ذلك في 16 صفحة.

يحتوي كتابه على جزء وضع له عنوان "نهايتي".

الذاكرة الإبداعية هي النقيض الأكثر  دهاء للمؤرّخ. ذريعة النسيان تحكم وتشوّه كل ما نقرر أن نتذكره علناً. يبدو أن الوجود والعالم لا مبرر لهما إلا كظاهرة جمالية. جمالية فقط يعني ليس الحياة من أجل الحياة، وإنما تناقض حاد مع التفسير الأخلاقي للوجود وللعالم.

عاموس عوز، وهو على الأرجح أشهر كاتب روائي إسرائيلي، أبدى هذه الملاحظة: "هناك، حيث الحرب تدعى سلاماً؛ هناك، حيث الاضطهاد والملاحقة يسمّيان أمناً؛ والقتل تحريراً؛ وتلوّث اللغة يسبق ويعد العدة لتلوث الحياة والكرامة. في النهاية، تبقى الدولة أو النظام أو الطبقة أو الأفكار على ما هي عليه بينما تتهدم الحياة البشرية".

إذا كانت الديمقراطية هي حكم الشعب، فإن الأهداف السريّة للحكومات ومجموعات القمع الشريرة تتنافى مع الديمقراطية. وعليه، فإن الفكرة بحد ذاتها التي تراود دوائر نفوذ سريّة داخل الحكومة تقوم بحملات في الخفاء ضد البشرية، هي فكرة بعيدة كل البعد عن مغزى الحريّة ويجب محاربتها بقرار حازم، إلا إذا كنّا نريد تكرار الأخطاء القاتلة المرتكبة في ماضٍ ليس ببعيد".

في مجتمعٍ هو أكثر تشرذماً يوماً بعد يوم، هناك بعض العناصر التي تسمح بإبراز ما نتقاسمه، ما هو مشترك بيننا، وتسمح بفعل ذلك بشكل مباشر، بقوة دراماتيكية. كرامة الإنسان وأملٌ حقيقي بالحرية هما أمر  يمكن إدراكه فوراً في أي مكان من العالم ولا يحتاج للترجمة، إنما هو بعض من الجوانب الأعلى قيمة من التقليد العالمي. يستحق كل الدعم الذي يمكن تقديمه له.

وفي الختام، إذا كان انتقاد جوانب متعجرفة وخالية من التأمل ومتمادية عند المجتمع الشمولي يجعل أحداً يهزأ منك في بعض الأحيان وينعتك بـ "معادٍ لكل شيء"، عليك أن تعتبر ذلك وسام شرف. غراهام غرين أصاب الهدف حين قال أن "من واجب الكاتب أن يكون جاهزاً لتغيير فريقه في أي لحظة. فمهمته هي الدفاع عن الضحايا والضحايا يتغيّرون".

دانيال ستولين

يخصّص في النهاية ثماني صفحات ونصف الصفحة لذكرى جدّه.

كانت تلك المرة الأخيرة التي شاهدته فيها حياً. شيخ ذو بنية عادية، في السادسة والتسعين من العمر، يجلس على كرسيّه المهترئ، ينظر من خلال نظاراته المفرطة، ليلتقي بنظرتي، ولكنه بالكاد يقوى على التعرف إلى عيناي. كان حياً لأنه كان يتحرك ويتكلّم، أو على الأصح لأنه كان يبذل جهداً جبّاراً لربط الحروف، التي كانت تسيل في أكثر الأماكن عزلة من أعماق ما تبقى عنده من وعي وكان يرفض بحدة لملمة نفسه لتركيب جملة متماسكة. في الأشهر الأخيرة من حياته المديدة، لم يكن ينقص جدّي، هذا الرجل الذي كان فصيح العبارة وتسحره الفكاهة والنقاش، إلا الكلمات، بالمعنى الحرفي للكلمة. في ما يشبه فعلاً قاسياً ختامياً، خطَف السرطان منه لسانه قبل أن يخطف منه حياته.

وبيدي بطاقة سفري الجوي إياباً إلى أسبانيا، مررت على داره لكي استودعه. خلال زيارتي الأخيرة له لم نقل لبعضنا الشيء الكبير. لم أكن أعثر على الكلمات الملائمة. كنت مقطوع النفَس ويكلفني التنفس جهداً لأنني كنت أعلم بأنني لن أعود لرؤيته أبداً. "وداعاً" كانت تعبيراً بالغ البساطة وبالغ القسوة.

على طاولة غرفة الاستقبال، المسنودة إلى الجدار، كان هناك صورة لجدّاي، التُقطت بعد وصولهما إلى كندا في عام 1983. كان قد مرّ على وفاة جدّتي ما يزيد عن عام واحد بقليل. وجدّي، المصاب بمرض عُضال في تلك اللحظة، لم يتعافى أبداً من فقدان أحدٍ أحبه من عمق أعماقه على مدى أكثر من أربعين سنة.

في محاولة منّي بكل السبل لعدم الشروع بالبكاء، أواصل تذكير نفسي بأن هذه الصفحات هي رفع طلب للنزاهة والشرف على حساب القسوة والقناعة. الموضوع الأساسي ليس موضوع السياسة، ولا هو انتقاد علني للشمولية، وإنما هو على الأصح نبضة قلب رجل، ولهذا أنا أكرّمه. ولهذا ينبغي قراءته.

تم التحقق من الموت السريري لجدّي في الثامن عشر من نيسان/أبريل 1995. يفتُرض أنها ساعات العصر الأخيرة التي كان فيها هو نفسه، كما قال أودين عن اليوم الذي توفي فيه جياتس: "تحوّل هو إلى المعجبين به". تحوّل هو إلى ذكرى، اندثر من عمق أعماق اسمه. إنه أحد ألغاز الموت، الذي يجب أن يرسم حداً أدنى من الفرق بالنسبة للجميع، إلا بالنسبة لأقرب المقربين من هذا الشخص.

كما الباقين منّا، يموت الناس مرّتين كحدّ أدنى: جسدياً وإدراكياً. عندما يتوقف القلب عن الخفقان وعندما يبدأ النسيان. أوفرهم حظاً، أكبر الكبار، هم أولئك الذي يتأجل موعد موتهم الثاني بشكل أكير، وربما إلى الأبد [...]. جاءت مكالمات هاتفية من كل البلدان والأركان التي يمكن تصورها على وجه الأرض، تعبيراً عن التقدير الذي لا يعرف حدوداً وزرعه هو، جدّي، العميل السابق لمكتب مكافحة التجسس "كي جي بي"، عند أولئك الأشخاص الذين أثّر هو في حياتهم".

كان جدّه مجنّداً بين مجنّدين. قضى 25 سنة في الدفاع عن إمبراطورية القيصر ألكسندر الثاني ثم ألكسندر الثالث. تابع جدي التقليد العسكري للعائلة. شارك في الثورة، في الحرب الأهلية الروسية، والحربين العالميتين. وبينما كان يدافع عن مينسك خلال الأسابيع الأولى من الحرب العالمية الثانية، أباد النازيون في كاراسي-بازار، القرم، جميع أفراد عائلته: أحد عشر أخ وأخت ووالدهم وأمهم وجدة لهم في الرابعة بعد المائة من عمرها.

كان يعيش حياة حقيقية. لم يكن يكتفِ بالعيش فقط.

كان جدّي قد تزوّج مرة، في عام 1930. وكان قد رُزق بثلاثة أبناء. حينها حلّت الحرب. حارب في روسيا البيضاء، دافع عن بريست، ولكنهم أرغموه على الانسحاب مع ما تبقّى من الجيش الأحمر بسبب التقدم الألماني. في لحظة ما، في خضم ما حدث من كرّ وفر، فقد أثر عائلته. أم وثلاثة أبناء في الثامنة والخامسة والثالثة من العمر لم يكن بوسعهم أن يغادروا بالسرعة التي غادر بها الجيش الأحمر أو الجنود النازيون. أسَرهم النازيون وأرسلوهم إلى معسكر اعتقال وأبادوهم.

الحرب العالمية الثانية، كما يثبت في هذا الكتاب وكما عبّرتُ بإسهاب في كتابي الأول عن نادي بيلدربيرغ، تم تمويلها بدهاء من قبل عائلات روكفيلر وليوب وواربيرغ. الأمير بيرنهارد مؤسس نادي بيلدربيرغ، كان له ضلع أيضاً في ذلك. كان نازياً. معظم أبناء العائلة الملكية البريطانية كانوا متعاطفين مع النازيين، على غرار الجزء الأكبر من "Eastern Establishment" الأمريكي (ليبرالي)، هذه التركيبة الثرائية التي تسيطر على الحياة الاقتصادي والسياسية والاجتماعية في ذلك البلد.. من أوجد هتلر، الوحش، هم أنفسهم أولئك الذين يشاركون اليوم سراً في اجتماعات نادي بيلدربيرغ ومجلس العلاقات الدولية الأمريكي واللجنة الثلاثية. التاريخ، بالنسبة لهؤلاء الناس، هو لوحة بيضاء يقضون حاجتهم عليها على حساب عذاب الآخرين. هل يمكن لأحد أن يحمّلني ذنب كل ما أشعر به من احتقار لنادي بيلدربيرغ ولنظرائه ؟

بالنسبة لي، ما زال جدّي يشكل حجر أساسي –رفيق سفري-، حتى بعد وفاته. يبلغ من الغياب ما يبلغه من الحضور.

زمن وفضاء، خدع العالم الجريح في كل مكان، الكم الهائل من النفايات التي نسمّيها تاريخ، والتي تمثل نجاحاتهم أيضاً. إنها نجاحاتهم. وكما الوقت، يحافظون على السحر  الذي يجعله يندثر.

أتذكره بشكل خاص في يوم عيد ميلاده. ولكن هذه السنة بالنسبة لي هي سنة مختلفة. العمر هو تراكم من الحياة ومن الخسائر. العمر المتقدم هو سلسلة من الخطوط المتقاطعة. لقد اجتزت عتبة. من الآن فصاعداً، أنا وحيد...

أدرجت في هذا الجزء الثاني من التأمل عدداً كبيراً من السطور النهائية لكتابه. إنها تفسّر احتقاره لمؤسسة "نادي بيلدربيرغ" الضغينة.

إنه لمريع التفكير أن ذكاء ومشاعر أطفال وشبان الولايات المتحدة يتم تعويقها بهذه الطريقة.

يجب الكفاح الآن من أجل منع اقتيادهم إلى محرقة نووية، واستعادة كل ما يمكن استعادته من صحتهم البدنية والذهنية، وإيجاد السبل التي تجعل أبناء البشر في مأمن إلى الأبد من مثل هذا القدر المريع.


فيدل كاسترو روز

18 آب/أغسطس 2010

الساعة: 5:54 عصراً

تاريخ: 

18/08/2010