خطابات و تداخلات

نص الخطاب الذي ألقاه القائد العام فيدل كاسترو روز في مناسبة الذكرى الثلاثين لرحيل كميلو سيينفويغوس، في لاوتون، مدينة هافانا، في الثامن والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر 1989.

التاريخ: 

28/10/1989

أيتها الرفيقات، أيها الرفاق الثوّار:

أردنا إحياء هذه الذكرى الثلاثين لرحيل جسد كميلو سيينفويغوس بطريقة متواضعة، أي بالطريقة التي يمكنني القول بأنها تليق به. أعرف أنه لو كان حيّاً اليوم، وهو الذي ظلت صورته وهو يحطّم أسوار ثُكنة عسكرية من أجل تحويلها إلى مدرسة محفورة في أذهاننا، لكان يشعر بالسعادة بثورته وبشعبه، ولفِعل ما نفعله نحن اليوم جميعاً؛ وما تمنّى أن يفعله هو على مدار ثلاثين سنة، وأن يصنعه على مدار السنوات الثلاثين هذه، إنجاز الثورة، على جانب شعبه.

أنا على ثقة بأنه كان سيشعر بالسعادة، أنا على ثقة بأنه كان سيشعر بالحماس، لأنني أظن أنه في هذه اللحظات بالذات يسطر شعبنا واحدة من أنصع صفحات تاريخه وأمجدها، وكميلو كان رجلاً يحبّ المهام الصعبة؛ يمكننا القول أنه كان رجلاً يحب المصاعب، ويعرف كيفية مواجهتها وكان قادراً على صنع مآثر في أحلك الظروف.

لهذا الاحتفال رمزيَّة كبيرة، حيث نفتتح تكريماً لذكراه مدرسة من هذا النوع. ماذا تعني مدرسة من هذا النوع؟ أظن أنها تعني واحداً من أكثر إنجازات الثورة إنسانيّة. حلم أسلافنا بيوم يكون فيه بوطننا معلمون لكل الأطفال، مدارس لكل الأطفال، كتب لكل الأطفال، أحذية لكل الأطفال، غذاء لكل الأطفال؛ ولكن عندما يُقال مدارس لكل الأطفال، يفكّر المرء بالألف باء، يفكّر المرء بمدرّس يعلّم القراءة والكتابة، يفكّر المرء بالأطفال كما لو كان كل الأطفال يتمتعون بذات الظروف، كما لو كان جميع الأطفال متساوين تماماً. من الناحية القضائية، من الناحية القانونيّة، هم متساوون تماماً؛ لكن، وللأسف، أطفال كثيرون يأتون إلى العالم مصحوبين بمشكلات أو يصابون بمشكلات بعد ولادتهم، ولم يكن هناك مدارس لهؤلاء الأطفال. لم تعد المسألة مسألة توفّر معلم أو كتاب أو مدرسة، وإنما معلماً متخصصاً في تعليمه، مدرسة مصمَّمة خصيصاً لهذا النوع من التعليم.

هناك أهداف هامّة أخذت بالتحوُّل إلى جزء من الماضي: هدف محو الأميَّة، هدف تأمين معلّم لكل طفل، تأمين مدرسة لكل طفل، الكتب لكل طفل، الملبس والحذاء لكل طفل، والغذاء والإمكانيات والأبوين ذوي الوظيفة؛ هدف الوصول إلى مجتمع بلا أطفال متسوِّلين؛ هدف الوصول إلى مجتمع بلا أطفال مضطرّين لفعل ما نشاهد أطفالاً آخرين يفعلونه في العالم كل يوم، ممّن يبلعون حتى النار لكي يكسبوا سنتات قليلة.

ذلك المجتمع أصبح جزءاً من الماضي في خضم إنجاز هذه السنوات الثلاثين من الثورة وقد بدأ بالانتقال إلى الماضي في وقت مبكّر جداً. تلك الحقبة التي لم يكن فيها معلّمون في الريف ولا في الجبال؛ تلك الحقبة التي لم يكن لدينا فيها ما يكفي من المعلمين المتخرّجين، أخذت بالتحوّل إلى جزء من الماضي. ربما في تلك الآونة لم يكن أحد يتكلّم عن مدارس خاصة، فمن الذي كانت ستخطر على باله المدارس الخاصّة في وقت لم يكن عند كثيرين من الأطفال معلّمين ولا مدارس من أي نوع كان، في وقت لم يكن لديهم لا الغذاء ولا الحذاء.

لا أذكر أنه عندما بدأنا الكفاح الثوري كان يُحكى عن مدارس خاصة، ومع ذلك فإنه مع تقدّم بلدنا، ومع تحقيقه لأهداف هامّة، أخذ يكتشف أهدافاً أخرى –ولا يمكنني أن أقول ذلك بطريقة أخرى، وبقدر تقدُّم التعليم عندنا، تم اكتشاف الحاجة للمدارس الخاصَّة.

لا حاجة للغوص في هذا الموضوع، باعتبار أننا رأينا صحافتنا في هذه الأيام قد كتبت عمّا تعنيه هذه المدارس الخاصة بالنسبة للأطفال الذين يولدون متخلّفين عقلياً، على سبيل المثال. وكيف يمكن ترك هؤلاء الأطفال يواجهون مصيرهم، وكيف يمكنهم أن يتعلّموا في المدارس التقليديّة، ما داموا بحاجة لعناية خاصة، تعليم خاص، تأهيل خاص، وإلا فإنهم ينفرون من المدرسة، يتركونها، لا يتلقون أي فائدة منها أبداً. إما أنهم أطفال يولدون متخلّفين وإما يعانون من هذا التخلف في نموهم النفسي، والأمر ليس سواء؛ إما أنهم أطفال يولدون مكفوفين أو بكم، وإما أطفال يولدون مصحوبين بصعوبات سمعية، مع أنهم ليسوا بُكماً كليّاً؛ وإما أطفال ولدوا مصحوبين بصعوبات بصرية، مع أنهم ليسوا مكفوفين. هم يحتاجون لعناية خاصة من أجل مواجهة المشكلة، بل ومن أجل حلِّ كثير من هذه المشكلات، حيث لا بد من القول بان هذه المدارس هي مدارس من ناحية ومراكز صحية من ناحية أخرى، باعتبار أنها تساعد على التعافي الجسدي، حتى في أنواع مختلفة من الأمراض؛ إما أطفال يعانون صعوبات جسدية، ولدت معهم أو أصيبوا بها؛ وإما أطفال يعانون من اضطرابات مسلكيّة، وهم موجودون. ماذا سيحلّ بهم مستقبلاً لولا هذه المدارس؟ فهم ليسوا ثلاثة، ولا أربعة، ولا ألف، إنهم عشرات الآلاف من الأطفال، عشرات الآلاف!

من واجبي الإشارة في يوم كهذا أن هذه المؤسسات لم تكن موجودة عندما انتصرت الثورة عام 1959. هناك بعض المعطيات العائدة لتلك السنة تتحدث عن 14 مدرسة خاصة وعن 134 تلميذاً مسجّلين، أقدّر أن عدد معلّميها تراوح بين 15 و20؛ التخصص في هذا النوع من التعليم لم يكن موجوداً. بعد مضي 30 سنة، تتمتع البلاد اليوم بوجود 466 مدرسة خاصّة. عندما رحل كميلو كان يوجد 14؛ يوجد اليوم 466. عندما رحل كميلو كان هناك 134 طفلاً مسجّلين في هذا النوع من التعليم؛ واليوم يوجد 22 ألفاً و900. عندما رحل كميلو كان هناك نحو 20 مدرساً، ويوجد اليوم 14 ألفاً و900 أستاذاً ومعلّماً في هذا النوع من التعليم فقط. ولكن، لإعطاء فكرة عن مضمونه، من الـ 52 ألفاً و900، هناك حوالي ثلاثين ألفاً هم تلاميذ مسجّلون بسبب تخلّفٍ عَقلي.

لاحِظوا كم كانت تبلغ حاجة المجتمع. حاوِلوا أن تتصوروا ما كان سينتهي إليه مصير هؤلاء الأطفال وهؤلاء الفتيان في الماضي، وفكِّروا بما يعنيه وجود ثلاثين ألف طفل متخلّفين عقلياً في مجتمعنا اليوم مسجَّلين في هذه المدارس الخاصّة. وبما يتطابق مع مجتمع بالغ التضامنية، بالغ الإنسانيّة، بالغ العدالة كمجتمعنا، لا يُترك أي طفل من هؤلاء تحت رحمة القدر، وما تعلّمنا إياه التجربة هو أن معظم الذين خرجوا من هذه المدارس هم ملتحقون اليوم بالعمل أو يجتازون علوماً أخرى، وليس إلا في حالات استثنائية، تلك الحالات النادرة التي لا يستطيعون فيها حتى ممارسة وظيفة معيّنة، أي أنهم لم يلتحقوا بالإنتاج أو بالخدمات.

أطفال مصابون بتخلّف في نموّهم النفسي بين هؤلاء الـ 52 ألفاً، يصل عددهم إلى حوالي عشرة آلاف، ممن يتوجّب عليهم أن يتعلّموا في مثل هذه المدارس؛ الباقون يعانون أنواعاً مختلفة من المشكلات، تبدأ من الاضطرابات السلوكيّة وصولاً إلى مشكلات بصر ورؤية وإعاقات جسديّة.

هذا لا يعني بأن الثورة قد نسيت بعضاً من هؤلاء الأطفال عندما لم تكن المدارس متوفّرة. فقد أُعطيت أولويَّة بطبيعة الحال للحالات الأكبر عدداً، كالمتخلّفين عقليّاً؛ ولكن في بلدنا –ومن واجبنا أن نقول ذلك، ولا أعرف أن كان أمر مماثل يحدث في بلد آخر- الأطفال المعاقون جسديّاً يتلقّون الدروس اليوم في منازلهم. وأمر آخر لا أعرف إن كان موجوداً في بلد آخر، وهو أن الأطفال المقيمين لفترات طويلة في المستشفيات يتلقّون الدروس في المستشفيات. أعرف أنه في مدينة هافانا وحدها المئات منهم يتلقّون الدروس في المستشفيات عندما تكون إقامتهم فيها طويلة. ليسوا مهمَلين وسيواصل المعلّمون ذهابهم إلى المستشفيات في هذه الحالات، ولكننا نعكف اليوم على بناء منشآت للمعاقين جسديّاً.

لو قارنّا الوضع الحالي مع الوضع الذي كان قائماً يوم توفي كميلو، نجد بأننا قد حققنا تقدماً ملحوظاً، فكما ذكرت، من 134 ألف كانوا مسجلين آنذاك، لدينا اليوم 52 ألفاً و900. ولكننا نحتاج من الأماكن عدداً أكبر بكثير. لدينا أماكن ملائمة تستوعب أكثر من 50 بالمائة من الأطفال الذين يحتاجون لهذه المؤسسات، ما زلنا بحاجة لثلاثين أو 35 ألف مكان، وبالرغم من وجود مشكلات، بالرغم من وجود صعوبات، وبالرغم من حالة الأزمة التي تعم العالم الثالث، بالرغم من المشكلات التي يعيشها العالم، ينهمك بلدنا حالياً، بين برامج أخرى كثيرة، ببناء 204 مدارس خاصة جديدة، وهي التي تعتبر ضروريّة لتلبية كل احتياجات البلاد.

هذا البرنامج يسير قدماً. لقد تم حتى الآن افتتاح المدارس الأولى؛ في العاصمة كان النقص يبلغ 24، وقد تم افتتاح تسعة منها، ويقوم عمال العاصمة ببذل جهد كبير في سبيل إنجاز المدارس الخاصة الأربع وعشرين في الحادي والثلاثين من كانون الأول/ديسمبر.

خطة هذه السنة في مجمل أنحاء البلاد إنجاز نحو أربعين مدرسة من هذا النوع. إننا نحرز تقدماً، وأصبح لدينا برنامجاً محدداً، نعرف كل مكان في البلاد يجب إقامة مدرسة من هذا النوع فيه، أي مدرسة خاصّة؛ ولكن ما زالت تنتظرنا الحاجة لتوفير القدرة الاستيعابية لـ 30 ألف أو 35 ألف طفل. عندما بدأنا البرنامج كان عدد المتبقّين أربعين ألفاً. وقد أحرزنا تقدماً، وهذا يعتمد على الوتيرة التي نعمل بها، ولكن سرعان ما سيكون لدى العاصمة، حيث بدأ تنفيذ هذا البرنامج أولاً وحيث لم تكن الاحتياجات المتراكمة كثيرة، المدارس الخاصة الأربع وعشرين التي كانت ناقصة، وذلك في 31 كانون الأول/ديسمبر. (تصفيق)

بوسعي أن اتساءل إن كانت توجد عاصمة في العالم تستطيع أن تقول أن لديها جميع المدارس الخاصة التي تحتاجها. في بلدان العالم الثالث، لا يُمكن حتى الحلُم بذلك؛ هناك حيث نسبة الأميّة تمتد من 30 وحتى 70 بالمئة، لا يمكن حتى الحلُم بذلك! فهناك لم يتمكنوا بعد حتى من تحقيق الأهداف التي حققناها نحن منذ زمن طويل. ولكن في البلدان الرأسمالية المتقدّمة، لا يمكنهم أن يحلُموا بذلك أيضاً. نعرف كيف تسير عليه الأمور في العالم الرأسمالي، حيث لا تتوفّر هذه الخدمات إلا لقطاعات ضيقة من المواطنين حصراً، ولا أحد يشغل باله في ذلك.

ليست بقليلة الأشياء التي يحققها شعبنا ولا يتمتع بها أي بلد رأسمالي متقدّم. البرامج الطبية نفسها في بلدنا هي مثال على ذلك. فمستويات الوفيّات بين الأطفال لدينا قد تقلّصت إلى ما دون مستواها في كثير من البلدان الرأسمالية المتقدّمة. البرامج الصحية الكوبية لا يملكها أي بلد آخر: برامج العناية الطبية التناسلية قبل الولادة، لجميع الأمهات الحوامل، وبرامج البحث المتعلقة بالتحسُّس عند كل طفل يولد، والتي جاء بعضها كمحصّلة لأبحاثنا العلمية الذاتية، هي في جزء منها برامج لا يملكها اليوم أي بلد متقدّم، حيث لا يتم تطبيقها بشكل عام إلا على جزء من الأطفال.

لهذا الأمر أسبابه المنطقية: فالمجتمع الرأسمالي هو مجتمع استغلالي بطبيعته، أنانيّ بطبيعته، وبطبيعته يستغل الإنسان ولا يهتمّ ببرامج من هذا النوع.

عاصمة الجمهورية تسجّل علامات فارقة في مجال الصحة العامة، مع انها ليست صاحبة النسبة الأدنى من الوفيّات بين الأطفال. فمحافظة سيينفويغوس تسجّل في هذه اللحظات نسبة تصل إلى حوالي ست وفيّات من الأطفال بين كل ألف مولود حي؛ وهي سيينفويغوس، واحدة من محافظات ما يسمّى داخل البلاد. هذه النسبة هي من بين أدناها في العالم. عاصمتنا تسجّل نسبة تصل إلى حوالي 10، وواشنطن حوالي 33، وفق معطيات حديثة العهد، وعليه فإن بوسعنا القول أن عاصمة الإمبراطوريّة الغنية والقويّة التي تحاصرنا، التي تخنقنا، التي تفعل كل ما بوسعها فعله من أجل منعنا من السير إلى الأمام، من أجل منعنا من التقدم، عاصمة هذا البلد بالغ الثراء، الذي يستغل العالم، لديه من الوفيات عن كل ألف طفل يولدون أحياء ثلاثة أضعاف الذين يموتون في عاصمة جمهورية كوبا الاشتراكية (تصفيق).

برنامج المدارس الخاصّة هذا تقدّم بسرعة أكبر في العاصمة. يجب أن يسير بأكبر سرعة ممكنة في باقي أنحاء البلاد. يجري البناء في كل مكان، في جميع المحافظات. وفي سنتياغو دي كوبا أيضاً بطبيعة الحال؛ ويثبت أبناء سنتياغو يوماً بعد يوم قدرة ممتازة على البناء، وهم منهمكون في سلسلة من المشاريع الاقتصاديّة في هذه اللحظات، ومشاريع اجتماعيّة وأخرى لها صلة بالمؤتمر الرابع: مطار، فندق، مسرح، ساحة.

ولكن، لا تظنّنّ أنهم يكرّسون كل جهودهم لذلك، وإنما جزءاً منها. فهم يقومون أيضاً ببناء مدارس خاصّة. هي واحدة من المحافظات التي ما زالت بحاجة لكثير منها. نتمنّى أن يتمكّن أبناء سنتياغو من العثور على طاقات إضافية من أجل منح العناية التي يستحقها هذا البرنامج.

إذا ما بنينا أربعين سنوياً، فإننا سنتمكن خلال خمس سنوات من استكمال البرنامج. سنرى في نهاية السنة كم عدد ما لدينا وما ستكون عليه خطة السنة القادمة.

ولكنني أتساءل: هل هناك بلد ما من العالم الثالث لديه مثل هذا البرنامج؟ هل هناك واحد؟ هل هناك بلد رأسمالي ما لديه مثل هذا البرنامج؟ ولا واحد، في أي مكان. وأتساءل: هل هناك شيء في العالم أكثر إنسانيّة من هذا ومما نقوم به تجاه كل أطفال البلاد وما نفعله تجاه كل مواطني البلاد؟ هل هناك شيء أكثر إنسانية من تقليص نسبة الوفيّات بين الأطفال من 60 أو 70 أو 80 أو أكثر كما هو الحال في بلدان كثيرة إلى 11 أو أقل من 11؟ تصل المؤشرات حتى الآن إلى حوالي 11، أي أقل بنقطة واحدة عن العام الماضي، حيث بلغت 11,9 بين كل ألف مولود حي. في أمريكا اللاتينية يقال بأنه يموت سنوياً بسبب أمراض قابلة للعلاج أو كان بالإمكان منعها، ما بين 700 ألف و800 ألف طفل كان بالوسع إنقاذهم ولم ينجوا. في كوبا لا يحدث شيء مثل هذا.

هل تستطيع الإمبراطوريّة والنظام الذي يتسبّب بكل ذلك أن يتحدث للعالم عن حقوق إنسانية؟ حقوق إنسانية داخل نظام حيث جزء كبير من السكان لا يملك حتى فرص عمل، وحيث تُجبَر النساء على ممارسة الدعارة، وحيث الأطفال مهملون؟ مذهلةٌ هي أعداد الأطفال المهملين في أمريكا اللاتينية، بالملايين، ملايين كثيرة. كيف يمكن لهذا النظام أن يبعث الأمل عند الإنسان؟ كيف يمكن لهذا النظام أن يتحدث عن التقدير للإنسان؟

لهذا يبلغ كل ما يبلغه إيماننا بالاشتراكيّة، وتبلغ كل ما تبلغه ثقتنا بالاشتراكيَّة، وتبلغ كل ما تبلغه قناعاتنا الاشتراكيَّة (تصفيق).

في تلك الأيام التي توفّي فيها كميلو، كانت حملات معاداة الشيوعيَّة في أوجّها، كسلاح، كأداة أساسية للإمبريالية ضد الثورة من أجل زعزعة الثقة، وزرع الانقسام والشك. وتلك المشكلات التي نشأت في كماغويه جاءت كمحصّلة لتلك المشاعر المناهضة للشيوعيَّة وللاشتراكية في نفوس عناصر منحدرين من الطبقة البرجوازية أو البرجوازية الصغيرة، ممن انخرطوا في تلك الحملة لأن هذا ما كان عليه فكرهم المُهيمِن وحاولوا إحداث ثغرة في الثورة، انقساماً في الثورة. هي أحداث كماغويه التي تم استذكارها في هذه الأيام، عندما حاول سيّد –لا يستحق الأمر ذكر اسمه ولا الإشارة إليه بين أسماء من يتعيّن علينا ذكرهم في مثل هذا اليوم، إذ لا يستحق الأمر ذكر أسماء مثل هؤلاء الأشخاص إلى جانب اسم كميلو، لأن كميلو يساوي مليون مرة ما يساويه هذا السيّد (تصفيق)-وكانت رايته بكل بساطة معاداة الشيوعية، حاول باسم معاداة الشيوعيَّة التحريض على التمرُّد.

لم تكن تتوفر لديهم أي إمكانيات لتحقيق النجاح، لأن الشعب لا يمكن خداعه بكل هذه البساطة. ومع أنه أمكن لأحد أن يضلّل في تلك الآونة قلّة لم تكن على نحو كافٍ من النضوج بعد، وبدون القدر الكافي من الثقافة والتربية السياسيّة؛ فإنه كان سيتم سحقهم، ولكن ربما كان سيترتب عن ذلك سفك دماء في قلب الثورة.

لقد تم في هذه الأيام استذكار مسيرة ذلك اليوم، الحادي والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر، إلى جانب شعب كماغويه. لأن الهدف لم يكن السحق بالقوّة؛ فنحن كنّا جاهزين لتحويل تلك الثكنة إلى رُكام، ولكننا أردنا السيطرة عليها مع الجماهير، مع الشعب. كان من السهل علينا إرسال بضع وحدات مزوّدة بمدافع الهاون وقذائف البازوكا وما يلزم من الدبّابات لسحق تلك الثُّكنة، ولكن الهدف كان السيطرة على المتمرّدين بقوّة الجماهير.

كان ذلك اليوم أحد أيام كميلو المجيدة، أُثبت مجدداّ ما كان عليه كميلو. لقد تمت رواية ما حدث –قرأتُ بعض التأملات وبعض المعطيات-، وأتذكّرها جيداً جداً.

الهجوم الثوري المضاد دُشِّنَ بمهاتفة الرفيق خورخي إنريكي ميندوزا، الذي كان متواجداً في كماغويه؛ فأُعطيت له التعليمات بالاستيلاء على إحدى المحطات الإذاعيّة وكشف النقاب منها عمّا يحدث، وذلك بدعم من كتيبة من الجيش الثائر كانت تتواجد في أنحاء المدينة. وهذا ما فعلوه. أردنا أن نرى ردة فعل المتآمرين إن كانوا سيهبّون لاستعادة المحطة الإذاعيّة أم لا. والحقيقة أن معنوياتهم بدأت بالانهيار.

وصلنا نحن عند الصباح، لا أذكر إن كان ذلك في طائرة واحدة أم طائرتين –لا بد من رؤية بعض الشهود على ذلك الحدث من أجل روايته بدقّة. ولا أذكر أن كان كميلو قد وصل قبلي، أو وصلتُ أنا بعد كميلو بدقائق، ولا أذكر إن كنّا قد ذهبنا بطائرتين أم ثلاث؛ ولكن فور ورود نبأ التمرّد في الليلة السابقة، أبلغت المحطة الإذاعية سكان كماغويه بخيانة ذلك السيّد، وكان الشعب جاهزاً ومتحداً في مواجهته.

فور وصولنا إلى المدينة التمّ حشد هائل، وبرفقة هذا الحشد توجّهنا على الثُّكنة، توجهنا مع الشعب. ما كان لتلك المظاهرة أي معنى لو أنه تمت السيطرة على المتآمرين أو أنه تم سحقهم. كان شعب كماغويه يتقدّم أعزلاً باتجاه ثكنة عسكرية.

بماذا تمثّلت مأثرة كميلو؟ كميلو ابتعد عنّا ولا أعرف كيف –يحتاج الأمر لإعادة كل هذه التفاصيل -لا بد من وجود رفاق أحياء يتذكّرون التفاصيل-، توجّه إلى الثكنة، ودخل إليها وجرّد المتآمرين من أسلحتهم، أخضعهم؛ دخل برفقة عدد قليل من الرجال، وبقوّة شخصيّته ومعنوياته المرتفعة وبحضوره وشجاعته، أحبط عزيمتهم. لم يحتج الأمر لوصول الشعب إلى الثُّكنة (تصفيق).

أين يكمن حسّه بالمسؤوليّة، وأين هو الدليل على مشاعره، وأين تكمن حسنة ذلك الحدث؟ اعتقد هو، كما أمكننا أن نعتقد نحن، أنه ربما سيسقط عدد كبير من القتلى، أنه ربما تحدث مواجهة دمويَّة. فمن كان يضمن مائة بالمائة أنهم سيستسلمون؟ وكانت فكرتنا الاستيلاء على الثكنة بقوّة الجماهير، من أجل تعليم الخونة مرة واحدة ونهائية ما يعنيه الوقوف في وجه مصالح الشعب، مهما بلغ الثمن (تصفيق).

كان من الممكن ألا يحدث شيء، كان من الممكن ألا يتجرأ المتآمرون على إطلاق النار على الشعب، ولكن ربما أنقذ ما فعله كميلو أرواحاً كثيرة؛ لأنه كان من الممكن أيضاً أن يحدث أي شيء آخر، وهو استبقه لمنع حدوث وضع وخطر من هذا النوع. إنه نموذج على الثقة بالنفس التي كان يتحلّى بها، على بطولته، على جسارته وعلى قدرته على التصرّف بصورة استثنائية في ظروف معيَّنة.

لكن ما كانت تشهره تلك المجموعة وزعيمها، ما كانت ترفعه هو راية معاداة الشيوعيَّة. ولهذا تكتسب معنى عميقاً كلمات كميلو تلك التي نسمعها هذا اليوم، عندما ألقى بيوت شعر بونيفاسيو بيرني وعندما طرح بأن على الثورة أن تستمر حتى النهاية.

ما الذي قصده كميلو بقوله عند الانتهاء من سحق بؤرة تمرد معادية للشيوعيّة بأن على هذه الثورة أن تستمر حتى النهاية؟ النهاية هي الاشتراكيّة والشيوعيَّة، هذه هي النهاية التي نصبو لتحقيقها (تصفيق مطوَّل).

كان كميلو يدرك تماماً معنى الثورة: ليست هباء السيرة الثورة لعائلته، ولم يكن عاملاً بسيطاً هباء، وليس هباء أن رضع الأفكار وهو في المهد، وليس هباء المزاج الثوري الذي كان يتمتّع به، وليست هباء روحه الثورية العظيمة.

من السهل قول ذلك الآن؛ لكن لا بد من التمعّن في ما عناه ذلك في تلك الآونة، في وقت كان ما يزال يوجد في بلدنا الكثير من الأحكام المسبقة لدى سنّ القوانين الثورية والمزيد من هذه القوانين، وكان الشعب يصفّق لها، ولكن لم يكن بالوسع ذكر كلمة اشتراكيّة.

لاحِظوا أن كميلو توفي عام 1959، وكان في 16 نيسان/أبريل 1961 أن تم إعلان الطابع الاشتراكي للثورة أمام الشعب المسلَّح. والشعب المسلّح هو الذي رفع البنادق ودعم بكلّ قواه فكرة الثورة الاشتراكيَّة بعدما تم تذليل الكثير من العقبات وبعدما تبلور وعي ثوري أكثر نضوجاً، في وقت لم يعد فيه مجرّد حماس وحمية ثورية حصراً، في وقت لم يكن فيه مجرّد حقد على الدكتاتوريّة، وإنما ما هو أكثر من ذلك: هدف تاريخي عظيم. وفي خليج الخنازير قاتل رجالنا ونساؤنا من أجل الاشتراكيّة؛ وفي خليج الخنازير قدّموا دماءهم من أجل الاشتراكية. كان قد مرّ وقتها نحو سنة ونصف السنة على وفاة كميلو ولم يكن بوسعنا التمتع بحضوره جسدياً. من المفيد تذكُّر كل ذلك.

في تلك الأيام العصيبة، صبّ العدو جام غضبه عبر كل نوع من الافتراءات، من خلال الإظهار وكأن كميلو قد قضى اغتيالاً، وأن كميلو قد فُقد جرّاء مشكلات وصراعات؛ بل وأنهم قالوا في إحدى المرّات أنه بسبب معارضة كميلو لخط الثورة، وكل هذا النوع من المشينات. كانت عصيبة جداً تلك الأيام، ولم يضيّع العدو الفرصة –وهو لا يضيّعها أبداً- في بث سمّه وزرع كل نوع من بذور الشقاق.

أعادوا تكرار ذلك عندما حدث ما حدث لتشي (غيفارا). عندما قضى تشي غائباً لمدة طويلة من الزمن ولأسباب تتعلق بأمنه الشخصي من أجل إخفاء سرّه ونواياه، لم يكن بالإمكان نشر الرسالة التي كتبها قبيل مغادرته، فكان علينا أن نتحمّل أيضاً وابلاً من الافتراءات من هذا النوع.

وهذا ما فعلوه أيضاً في تلك الأيام العصيبة التي فُقد فيها كميلو، عندما لم تصل طائرته إلى وجهتها، فنشأت حالة من الذهول المريع، ألم لا يفوقه ألم في صدور كل رفاقه، الذين انهمكنا بكل ما أوتينا من قوة في البحث عنه على مدار أسبوع كامل تقريباً، على أمل أن يكون في جزيرة صغيرة نائية، في مكان منعزل، في ناحية ما.

من المفيد استذكار هذه المسائل، إذ أن السبب الرئيسي لتلك الواقعة هو المشكلة التي أحدثها العناصر المعادون للشيوعيَّة في كماغويه. في تلك الظروف، ونظراً للمسؤوليات التي كان يتولاّها، اضطر كميلو للتوجه عدة مرات إلى تلك المحافظة، وبجرأته المعهودة، لم يكن يحسب حساب النهار ولا الليل ولا حالة الطقس، وغادر إلى العاصمة في طائرة صغيرة. فنحن في تلك الحقبة لم نكن نملك الخبرة، ولم يكن لدينا طائرات آمنة، ولم يكن لدينا شيء، وبهذه الطريقة قضى العديد من الرفاق، حيث أنه وقع أكثر من حادث جوي؛ إنما هو أشبه بالمعجزة أننا لم نفقد عدداً أكبر من الرفاق الذين قضوا بهذه الطريقة في السنوات الأولى التالية لانتصار الثورة!

وتاريخ كميلو لا يكتسب كنهه كلّه بسبب ما فعله فقط، وبسبب مآثره القتالية البطولية فقط، وإنما بسبب أفكاره ومفاهيمه وأهدافه عميقة الجذور الثورية. ولهذا قلت أن كميلو كان من شأنه أن يشعر بالسعادة في يوم كهذا، وإن كانت هناك معركة بالانتظار، فإن سعادته ستكون أكبر؛ وإذا كانت هناك صعوبات سيكون أسعداً؛ وإن كان هناك تحدٍّ، فإنه سيكون أسعد؛ وإن كانت ما تزال هناك مظالم يتوجّب تصحيحها، فإنه سيكون أسعد؛ وإن ظل كفاح شعبنا البطولي والتاريخي في وجه الإمبراطورية على وهجه، كان كميلو سيكون أسعد!

أنا على ثقة بأن طريق شعبنا، مسيرة شعبنا ثابتة الخطى، بدون استسلام ولا تردُّد، وإنجازاته في خضم الاعتداءات والحصار، وآفاقه المستقبلية، أنا على ثقة بأنه كان من شأنها أن تبعث عند كميلو حماساً ما فوق العادي.

عندما نتذكّره هذا اليوم بكل حب، لا بد وأن نتذكر ذلك: غاب في وقت مبكِّر، كم من الأشياء أمكنه أن يفعلها خلال هذه السنوات! ولكن الأهم أن الأمور التي كافح من أجلها بشغف ووهب حياته لها إنما يجري تحقيقها وتحققت، وأن يكون هذا الشعب هو نفسه الذي توجّه إليه بالكلمة هناك، في القصر القديم، عندما قال بأن الجبهة لا تنحني إلا أمام الشهداء، لنقول لهم بأن الثورة قد تحققت.

نستطيع أن نقول اليوم بأننا ننحني أمام الشهداء لنقول لهم بأن الثورة قد تحققت، ولكن في الوقت نفسه من واجبنا أن نواصل الاستعانة بالشهداء! (تصفيق) يمكننا أن نركع أمام العشرين ألف شهيد الذين تحدث عنهم كميلو، الذين وهبوا حياتهم للثورة، والذين يجب أن نضيف لهم الآلاف ممّن وهبوا حياتهم من أجل توطيد دعائم الثورة، من خلال مقارعتهم للعصابات، مقارعتهم للإرهابيين، مقارعتهم للمرتزقة، والذين قضوا خلال أدائهم لمهام أممية مجيدة (تصفيق مطوّل).

كم كان سيبلغ فخر كميلو بمشاركته في أي من هذه المهام أو قيادته لها! وهو الذي قال بأن كل الثوار، في أي مكان من العالم، هم أخوته.

لكن قلت لكم أنه ليس بوسعنا فقط أن نركع أمام شهدائنا لنقول لهم بأن الثورة قد تحققت، وإنما أن نواصل استعانتنا بشهدائنا لكي يرافقوننا في هذا الكفاح الذي لم يتكلل، دفاعاً عمّا تم تحقيقه، ومن أجل تحقيق أهداف جديدة للثورة في المعارك التي ما زالت تنتظرها (تصفيق)؛ لأن الشهداء يرافقوننا -–هذا ما رآه وقاله كميلو بهذه الكلمات الرائعة.

لهذا تكلّمت اليوم عن رحيله الجسدي، فهذا هو شيء وشيء آخر هو حضور النموذج، الإلهام، القيم الأخلاقية التي ورثناها عن رجال ككميلو وتشي غيفارا! (تصفيق).

ولهذا هو قال وكرر فكرة بيرن: أن شهداءنا، برفع أذرعتهم، سيكونون قادرين بعد على الدفاع عن الوطن! وفي المرحلة التي نعيشها، في عملية تعزيز ما تم تحقيقه وفي مهمة تحقيق ما زال بالانتظار، سيواصل شهداؤنا، عبر رفع أذرعتهم، الكفاح والدفاع عن الوطن! (تصفيق)

لا يتم هذا اليوم تكريم كميلو في هذا الحيّ البروليتاري الذي ولد فيه وتُفتتَحٌ هذه المدرسة فيه فقط، وإنما يتم تكريم كميلو على طول وعرض البلاد؛ فقد تم اليوم افتتاح نصب جميل تخليداً لذكراه في جاغواخاي. يوم أمس تم افتتاح أكثر من عشر مؤسسات، حضانات أطفال، مدارس، مجمعات طبية، في محافظة سنتياغو دي كوبا. لقد تم تكريمه في كل مكان، تم في كل مكان وضع زهور تكريماً لذكراه.

وهذا اليوم، في عاصمتنا، لم يتم افتتاح هذه المدرسة فحسب، وإنما كذلك كلية طبّ جميلة (تصفيق). يمكننا أن نلحظ هنا حضور جزء من الشبان، ممن استطاعوا المجيء، الذين سيدرسون فيها، الذين يدرسون في تلك الكليَّة، وهي كليَّة "خوليو تريغو". لقد جرى هناك تكوين مجمّع شفائي بكل ما للكلمة من معنى. فهناك مستشفى "أباليه"، وهناك المستشفى العلاجي-الجراحي "خوليو تريغو"، وهناك مستشفى الولادة "لابريدو"، الذي يشكّل جزءاً من المجمَّع الشفائي ومن مستشفى "خوليو تريغو". يوجد هناك عشرات وعشرات من عيادات طبيب العائلة، والعديد من المجمّعات الطبية، وذلك في بلديّة كان يسكنها أفقر مواطني العاصمة: أرّوجو نارانخو.

ماذا كانت عليه أرّوجو نارانخو؟ ماذا كانت؟ إحدى ضواحي العاصمة يسكنها أفقر سكّان العاصمة. يقال أن أرّوجو نارانخو كانت تزوّد المدينة بعمال البناء، مساكن لأي كان، إلا لهم هم: منازل للأثرياء، للبرجوازيين، قصور، وهم يعيشون في مناطق هامشيَّة.

يعيش في هذه البلدية نحو 200 ألف نسَمة، وقد تم حتى الآن خلال مدة قصيرة من الزمن إقامة المستشفى العلاجي-الجراحي، ومستشفى التوليد، عدد لا يُحصى من عيادات طبيب العائلة، وكليّة الطب "خوليو تريغو"، التي تم افتتاحها هذا اليوم، وهي منشأة رائعة في هذه البلدية، التي يمكننا القول أنها كانت بلديَّة خادِمة، لا تُساهم فقط بجهودها في أعمال البناء هذه، وإنما أسهمت بعدد كبير من عمّال البناء في فرق البناء الصغيرة. هي البلدية الأولى اليوم في مكافحة الأحياء الهامشيّة، التي كان يوجد الكثير منها هناك.

لكنني رأيت أشياء في هذه البلدية خلال هذه الأيام أمكن لها أن تجعل كميلو يشعر بالسعادة؛ فهناك، على سبيل المثال، تقوم أول قرية أقامها عمّال فرق البناء الاجتماعية. كان أبناء ارّوجو نارانخو أوّل من نظّم فرق البناء الاجتماعية الصغيرة من أجل القضاء على الأحياء الهامشيّة، وقد شيّدوا حتى الآن مئات المساكن، وفي تلك المنطقة من محيط العاصمة كثيرةٌ هي الاحتياجات من المساكن.

وهناك سطع نجم قادة شعبيّين، حيث يقوم رجال ونساء بقيادة المجتمع في هذه المهمة بالغة الثورية. تجوّلت قبل أيام قليلة في تلك الأماكن حيث كانوا يشتغلون، وسوف أذكر مثالاً: فرق البناء الاجتماعية الصغيرة في لاس غواسيماس، والتي تشمل أشخاصاً من مناطق هامشيّة مختلفة. بعضهم هم عمّال تم تفريغهم في مراكز عملهم لكي يشتغلوا في القضاء على هذا النوع من الأحياء؛ لكن كثيرين منهم هنّ سيدات منازل، وكثيرون هم من الشباب الذي لم يكونوا يزاولون العمل، ويوجد في لاس غواسيماس فرقة بناء اجتماعية صغيرة مكونة من 700 عامل. لم يعد هذا الاسم ينطبق عليها، ولكنها تحمل هذا الاسم من أجل تمييزها عن نوعي مجموعات البناء.

لكن، لاحِظوا مدى الدهشة التي يبعثها الأمر. هم يتلقون رواتبهم كما في فرق البناء الصغيرة: ما يتلقّونه كما لو كان من مركز عمل؛ أو الذين يُدفع لهم راتباً لكونهم لم يكونوا يزاولون عملاً في السابق، كعمّال بناء، يوازي عشر ساعات. وهؤلاء الذي يقومون هناك ببناء مساكن لهم ومدارس وحضانات أطفال ومعامل وعيادات طبيب عائلة ومتاجر، إلى آخره، يعملون 14 ساعة يوميّاً. أكان كميلو سيعجب أم لا لرؤية شعبه قادراً على تحقيق هذه المأثرة؛ وأن يرى هناك أبناء وطنه الذين يعيشون هناك منظَّمين لبناء مساكن حديثة جداً؟ أكان سيعجب أم لا لمعرفته أنهم يعملون 14 ساعة؟ أكان سيعجب أم لا لمعرفته أن نسبة التغيّب عن العمل هي 0,2 بالمائة؟ نقصد الغياب بدون تبرير، ولا يشمل حالات المرض، ما يعني انه من بين كل 500 عامل يتغيّب واحد عن العمل، وهو أمر أشبه بالمعجزة، أمر أشبه بالمستحيل، أشبه ما يكون بغير قابل للتحقيق.

بعد ذلك بيوم أو يومين تمكّنتُ من المشاركة، إلى جانب سكان حيٍّ "شهير" آخر من أرّوجو نارانخو، وهو قيد التحوُّل أيضاً، لا غويرا، في استعراض فني رفيع الجودة بكل ما تحمله الكلمة من معنى إلى جانب السكان الأعضاء في فرق البناء الصغيرة، حيث مثّلوا كفنانين بين مجموعة من أفضل فنّانينا، والباقون يتفرّجون على العرض بصمت يشبه صمت اليوم، باهتمام يشبه اهتمامكم، وقد أقاموا تلك الحفلة الثقافية وسط ساحة محاطة بالأبنية التي شيّدتها أيديهم. هذا القوم، هذا القوم الكادح، إنما هو يحقق اليوم مآثر حقيقية من أجل تحويل العاصمة، في الوقت نفسه الذي يتحول فيه هو، لأنه هنا، حتى في مطعمهم الجماعي، لديهم طاولة من أجل تعليم أعضاء فرق البناء الصغيرة آداب السلوك على المائدة.

وفي هذه الأيام شاهدتُ أموراً أخرى أيضاً. كنت مهتماً بمعرفة الكيفية التي تسير عليها صناعة مواد البناء، مع إدراكي لما نواجهه من قيود في غمرة التمتّع بقوة عمل هائلة، وشعرت بارتياح خاص لدى رؤيتي لأول مجموعة صناعية وقد تحوّلت إلى فصيلة. إنهم عمّال معمل، أو معمل مركّب لصناعة مواد البناء، معمل مركّب من نوع جديد، عكفنا على بناء العديد منها، وجميعها تقريباً على وشك افتتاحها. لكنها أصبحت أشياء بالغة الجديّة، هي أشياء مدهشة. هذا المعمل المركّب الذي أتحدث عنه لديه أربعة خطوط من كتل الاسمنت المسلّح، معمل قطع صغيرة من سكك الحديد، وهي قطع ليست كبيرة، ولكنها عمليَّة جداً، يتم استخدامها بإنتاجية كبيرة في بناء الأرضيات، بالترافق مع نوع من الكتل يسمّونه "قبة صغيرة"، والخط الخامس هو لإنتاج قضبان الحديد؛ وخط لإنتاج لوحات من البلاط الملوّن، حيث يقومون بإنتاج مواد للسلالم بألوان رائعة –أمكن لهذه المدرسة أن تمتلك لوحات منها لو أنها لم تُبنَ قيل بدء إنتاج هذا المعمل-، وخط سابع هو لإنتاج البلاط. سبعة خطوط.

وانطلاقاً من نموذج فصيلة "بلاس روكا" –وليسوا عمالاً مختارون، هم من أبناء المنطقة، كلّهم تقريباً يقيمون في سان ميغيل ديل بادرون؛ وبالمناسبة، كثيرون منهم هم في الأصل من أوريينتي (الشرق)، اكتشفتُ ذلك من سحنتهم ومن نظرتهم عندما رأيتهم، أو هم منحدرون من شرقيين أتوا إلى منطقة أرّويو نارانخو، سان ميغيل ديل بادرون، إلى آخره-، وضعوا نصب أعينهم تحقيق مآثر عمل من هذا النوع.

أنا في الحقيقة لم يكن لدي فكّرة بالغة السموّ عن القدرات على العمل لدى أبناء المحافظات الشرقية، لأنه بكل ما تبلغه شدة الشمس وارتفاع الحرارة هناك، يتجه المرء للاعتقاد بأن ابن الشرق يحب الجلوس في ظل شجرة؛ ولكن الحقيقة أنهم اتخذوا القرار بمضاعفة ساعات المناوبة تقريباً لتصل إلى 14 ساعة. هناك شاهدناهم، تحدثنا إليهم. كان ذلك بمبادرة منهم. معظمهم من الشبّان.

لا يتوفر لهم بعد تموين الفصائل، بل هم على الأصحّ يطمحون لتكوين فصيل؛ فهم ليس لديهم بعد، على سبيل المثال، الملابس المناسبة تماماً للعمل، أو الأحذية الملائمة، أو أشكال العناية التي تتلقاها الفصائل. يعملون بإنتاجيّة هائلة. شرح لي مدراء المصنع أنهم ينجزون في نوبة واحدة ما ينجزه بعض المصانع في نوبتين. طبعاً، المصنع حديث، فيه معدات أوتوماتيكيّة كثيرة، من نوع العمل الذي يمكن القيام به؛ ولكن، في جميع الأحوال، مدهش هو جهدهم ومبادرتهم وإنتاجيتهم.

في تلك الأيام نفسها قررت أن أجول مصانع جديدة مختلفة لمواد البناء، من تلك التي أنجزت أو هي قيد البناء. سوف أعطيكم فكرة: القدرة التي كانت متوفرة عندما انبعثت حركة فرق البناء الصغيرة هي 11 مليون حجر باطون. الإنتاج هذه السنة سيصل إلى حوالي 25 مليون؛ وبعد السادس والعشرين من تموز/يوليو من العام القادم، بعدما يبدأ تشغيل ستة خطوط جديدة، ستتوفر لدينا قدرة فعليَّة، وليس نظريَّة، لإنتاج 55 مليون حجراً في السنة (تصفيق). خمسة وخمسون مليون حجر باطون! بواسطة آلات حديثة جداً. أي أنه منذ عام 1987، عندما استؤنفت حركة فرقة البناء الصغيرة بقوة، وحتى عام 1990، خلال ثلاث سنوات، يكون إنتاج حجارة الباطون قد تضاعف خمس مرات؛ ستتوفر حجارة الباطون لبناء جدران عشرات الآلاف من المساكن.

ليس هذا فحسب. مصنع البلاط القاشاني في سان خوسيه، الذي كان ينتج خمسين مليون قطعة، ستكون لديه القدرة في بدايات السنة القادمة على إنتاج 150 مليون بلاطة قاشاني. هناك ثمانية معامل مركّبة من هذا النوع، تنتج حجارة الباطون والقبب الصغيرة وقضبان الحديد والبلاط الملوّن والبلاط العاديّ والموزاييك –الذي لم أذكره. مصانع الموزاييك هذه ليست بالغة الحداثة، إنها من صنعنا نحن، ولكنها عالية الإنتاجية؛ مع أنه عمل شاقٌّ نسبياً، وعلينا أن نبدأ بجعل الإنتاج أكثر إنسانية وأكثر حداثة. ما زال جارياً بناء بعضها، وعندما تصبح جاهزة كلياً، سوف تنتج، ما بين خطوط البلاط العادي وخطوط الموزاييك، أرضيّات لعشرات الآلاف من المساكن سنويّاً.

بموازاة ذلك تم العمل بالحجارة والرّمْل، ويجري العمل والاستثمار في إنتاج الأنابيب الصحيّة المعدنية والأنابيب البلاستيكيّة ونوافذ الألمنيوم ونجارة الخشب، وفي مصانع الاسمنت الأبيض، الذي ربما تم استخدامه في بناء هذه المدرسة. لقد بدأ في مصانعنا للبلاط والاسمنت الأبيض استخدام الاسمنت الأبيض الكوبي الذي ينتجه المصنع الجديد، بقدرة تصل إلى 100 ألف طن سنويّاً، القائم في محافظة سانكتي سبيريتوس، والذي سيسمح لنا بالتمتع بكل المواد اللازمة لطلاء مئات الآلاف من المساكن سنويّاً، بغض النظر عن الجهد الذي تبذله الصناعة الثقيلة لإنتاج الطلاء الزيتي بمواد أوليَّة محليَّة.

ذكرتُ لكم أنني زرتُ في هذه الأيام العديد من هذه المعامل المركبَّة؛ بعضها بدأ الإنتاج، وبعض آخر قيد البناء، ولاحظت حماساً كبيراً للعمل بين العمّال؛ ولكنّهم يريدون قبل كل شيء أن يتحولوا إلى فصائل صناعيَّة. هذه الصناعة مفيدة، وليس كل الصناعات متساويَة في فائدتها. في صناعة الموزاييك نفسها يحتاج الأمر للتفكير، بسبب وزن القوالب التي يستخدمونها في إنتاج الموزاييك؛ نحن نفكّر الآن في كيفية تخفيف وزنها انطلاقاً من مواد معيّنة أقل وزناً بكثير من الفولاذ. أي أنه ليس من السهل جداً تطبيق نظام، خطة، برنامج، روحية الفصيلة، على كل المصانع بالتساوي، لأنها جميعاً ليست متشابهة، وهو أمر أصعب بكثير داخل معمل ذي عملية إنتاج متواصلة؛ ولكن في صناعات من هذا النوع، لا تُعرف القيمة، وكم يبلغ التوفير بالنقل، وكم يبلغ التوفير في مطاعم العمّال، وكم يبلغ التوفير في تموين هؤلاء العمّال الذين يقرّرون إنتاج ما يوازي نوبتي عمل، ويقررون ذلك بشكل عَفَوي، استلهاماً منهم بروحيّة فصائل البناء التي أصبحت قائمة.

قلت لنفسي: كم كان سيسعد كميلو لرؤية هؤلاء الشبان الذين نشأوا في ظل الثورة، المتولدين من الثورة، المتربّين على الثورة! فبعضهم يدقّق في مشكلات بعض الخارجين عن السكَّة، ومن المنطقي أنه.. هل يمكن أن يكون لدينا مجتمع بدون خارجين عن السكّة؟ إنما هو حلم، وخاصّة إذا فكّرنا بأنه كان هناك احتياجات عند عشرات الآلاف من الأطفال لمدارس خاصَّة، وهذه المدارس لم تكن موجودة.

ما الذي كان يحدث لفتى ترك المدرسة لأي سبب من الأسباب وكرّس وقته للتسكّع في الشارع، اين كان ينتهي به الأمر، وماذا كان يحصل له في النهاية؟

نحن نقوم الآن ببناء هذه المدارس؛ إذا لم تتم إقامتها، المجتمعات التي لا تقيم مدارس من هذا النوع سيتعيّن عليها أن تقيم سجوناً للفتية، الذين لا مفرّ أمامهم في الحياة غير التحوّل إلى معادين للمجتمع، خارجين عن القانون، أو السعي بيأس للعيش بأي طريقة من الطرق.

لن نقع في الوهم. ما دامت الثورة بدأت عام 1959، كم جيل من المواطنين في هذا البلد احتاجوا لهذا النوع من المدارس ولم تتوفّر لهم؟ لدينا منحرفين عن السكّة، وحثالة، نعلم ذلك؛ بعض من الذين درسوا تختلط عليهم الأمور وينجرّون إلى نظريّات معيَّنة وروايات عابرة معيّنة موجودون أيضاً، وهذا نوع آخر من أنواع الانحراف.

لكن، الحقيقة، ما نراه نحن في الجمهور الواسع من شبابنا، في كل مكان، مشجِّع. ونحن على قناعة أنه بقيادة يجب أن تكون أكثر فعّاليّة يوماً بعد يوم يمكنهم أن يصلوا بعيداً جداً.

لقد أسعدنا أن نرى جهود هؤلاء العمّال. على سبيل المثال، بودّي أن أعرف إن كانت الفرق الصغيرة التابعة لمراكز عمل، وفرق البناء الصغيرة الاجتماعية؛ وفرق الصيانة الصغيرة الاجتماعيّة؛ والفرق الصغيرة الصناعية وعمال بناء سيكونون كافين خلال النصف الثاني من عام 1989 لاستخدام كل حجارة الباطون وكل حجارة الفخّار التي يمكن خروجها من هذه المعامل. أنا لم أذكر معامل حجارة الفخّار، ومن بينها واحد عصري قادر على إنتاج 30 مليون حجراً في السنة، وهو قيد الإنجاز في هذه الأيام.

قلت: لقد عانينا حتى الآن لأنه ليس هناك ما يكفي من المواد، وأتساءل: هل يستطيع عمال البناء، وهل تستطيع الفرق الصغيرة صُنع واستخدام كل المواد التي يمكن أن تخرج من هذه المعامل، ومن مصانعنا لقضبان الحديد وللإسمنت، مع الأخذ بعين الاعتبار عملية إعادة البناء التي ستجري في مصنع مارييل؟ إنه لأمر مُفرح الاعتقاد أنه في الموعد المذكور، العام القادم، يمكن لهافانا أن تغلي بأعمال البناء؛ وليس أنها لا تغلي منذ الآن بأعمال البناء، ولكنها ستغلي أكثر بكثير، لأن عمال البناء وضعوا نصب أعينهم حتى إنجاز الكثير من هذه الخطوط الجديدة بحلول السادس والعشرين من تموز/يوليو القادم.

حسب تقديري لكمّية المواد التي ستكون متوفرة لدينا خلال هذا النصف من السنة، اعتباراً من شهر أيلول/سبتمبر، أظن أننا سنبذل جهداً عظيماً في هذه المعركة الرائعة من أجل تحويل العاصمة وتحويل البلاد، لأن ما يتم فعله في العاصمة يجري تنفيذ تماماً في باقي أنحاء البلاد.

أعتقد أنه يوجد اليوم جيل جديد يكرّم ذكرى كميلو كما يجب.

هذا ما فكرت فيه أيضاً عصر هذا اليوم لدى افتتاح كليَّة الطب. كنت أتحادث مع الأساتذة والطلاب عن المنشآت الموجودة هناك، عن جودة هذه المنشآت، التي يتوفر بينها حتى قاعتا مسرح صغيرتان وأخرى كبيرة تتسع لـ 400 مقعد، جرى بناؤها بذوق رفيع، سيتم تزويدها بالمكيّفات في موعد قريب جداً، ومنشآت رياضية، وقاعة جمباز حديثة جداً، ومختبرات حديثة جداً، وأساتذتها ذوو خبرات واسعة.

تحدثتُ اليوم إلى العشرات من طلاب هذه الكليّة، وأستطيع أن أؤكد لكم أن هذا التواصل هو شيء مشجّع بالفعل، عندما يرى المرء ما عليه شبابنا هذا اليوم.

أين تقع كليَّة الطب؟ في أروجو نارانخو. كما سبق وذكرت، في الماضي كان يوجد واحدة في الرابية الجامعية بالعاصمة، واليوم يوجد أكثر من عشرين كليَّة. يوم توفي كميلو، أظن أنه كان هناك كليَّة طب واحدة، واليوم يوجد أكثر من عشرين، ليس أقل من واحدة في كل محافظة وفي العاصمة حوالي ثمانٍ، إن لم أكن مخطئاً، بما فيها الكليات الجديدة التي افتتحناها.

كانت سابقاً في الرابية الجامعيّة لمن يحظون بامتياز إنهاء مرحلة الدراسة الثانوية والعثور على سكن في حال كان الطالب من المناطق الداخلية –لم تكن متوفرة المساكن الطلابية في السابق-، فكان يتخرج عدد قليل من الأطباء. نحن لدينا الآن أكثر من 25 ألف طالب في كليات الطب، والتي تشمل طب الأسنان، كما تشمل الإجازة بالتمريض (تصفيق).

يا له من انطباع عظيم! هذا الأمر يرمز لأشياء كثيرة. دخلت غرفة صف، وكان هناك أستاذ في علم الأشعة، وكل واحد من الطلاب جميعاً أمامه شاشته الضوئية كوسيلة مساعِدة في التعليم. لدى تحدثي معهم، رأيت أن بعضاً منهم يبدون أمريكيين لاتينيين، لأن الأسهل من اكتشاف ابن الشرق هو اكتشاف بيروفي أو بوليفي، وسألت: كم طالب أجنبي لديكم؟ لاحِظوا هنا مدى النبالة، الروح التضامنيَّة عند شعبِنا: يتلقى العلوم في تلك الكليّة ثمانون طالب أجنبي، نحو 10%، إن لم أكن مخطئاً؛ شاهدتُ هناك طلاباً من جنسيّات مختلفة: أمريكيين لاتينيين، من سورية، من السودان، من غينيا الاستوائية. لاحِظوا نُبل هذه المهمّة! وأنا أتساءل: هل كان سيروق لكميلو أم لا أن يرى هذه الرمزية لأممية شعبنا ولروحه التضامنية في تواجد أبنائه، في كليّة واحدة، مع ثمانين طالباً من بلدان أخرى؟ (تصفيق)

يلفت هذا الانتباه، ولكن هناك شيء آخر يلفت الانتباه أيضاً. سألت: كم طالب طبّ يوجد هنا من أرّوجو نارانخو؟ وقيل لي: " اثنان من بين كل ثلاثة طلاب هما من أرّويو نارانخو". اثنان من بين كل ثلاثة هما ابنا عاملين أو مقيمين في أرّويو نارانخو. هل هي أم لا قفزة عملاقة أن ترى هناك أبناء القاطنين، المقيمين في أرّويو نارانخو؟ يذهبون إلى الكليّة في بلديتهم، ليس عليهم أن يذهبوا إلى المدرج الجامعي. سألتهم: كم من المسافة تبعد منازلكم؟ "قريبة، محطة واحدة، أو اثنتين أو ثلاث بالأوتوبيس". قلت: وكم المسافة الفاصلة بين المحطة والأخرى، 500 متر أم ألف متر؟ قالوا: "قريبة، قريبة من هنا". أساتذة جامعيّون، بعضهم أيضاً من أرّوجو نارانخو، عمال المركز، فنّيون متوسّطون؛ الحقيقة أن كل ذلك له رمزيّته في يوم كهذا.

كم كنّا بعيدين عن الحلم بهذه الأمور قبل ثلاثين سنة من اليوم! كنّا نحلم، نعم، ولكن من على مسافة بعيدة جداً.

صحة هؤلاء الشبان تلفت الانتباه، فهو أمر يثير الإعجاب؛ لقد نموا بالواقع بحالة صحيّة سليمة. نضارتهم وموهبتهم وتفانيهم في الدراسة هي ظواهر أكثر شيوعاً يوماً بعد يوم.

أظن أن هذه الكليَّة ستكون كليَّة عظيمة، لا شك في ذلك. اطلعت على بعد الدفاتر ولاحظت أنهم يدرسون بالفعل، من الملاحظات التي سجّلوها. تتوفر لديهم جميع الوسائل اللازمة. إنه في الواقع لأمر يبعث الارتياح أن تعرف بأن كل هذه الإمكانيات بمتناول أيدي شبابنا.

هناك شيء طريف أيضاً: معظم طلاب الطب هؤلاء هم من الإناث. ما رأيكم؟ في نسبة عالية جداً، الطلاب هم من الإناث. إنه مؤشر على تغيّر كبير في بلدنا، بين الماضي والحاضر، بين الرأسمالية والاشتراكيّة.

وهناك أمر آخر أيضاً يلفت الانتباه، ومشجّع جداً، وهو أن المدرسة لا تضم طلاّب الطب وطبّ الأسنان فقط، وإنما طلاب الإجازة بالتمريض أيضاً، وهو اختصاص جديد استحدثته الثورة. تواجدت هناك المجموعتان: مجموعة طلاّب الطب بثيابهم البيضاء، ومجموعة طلاب الإجازة في التمريض بثيابهم الزرقاء، ولكنهم يتقاسمون مقاعد الدراسة الجامعية.

تخيّلوا ما يعنيه أن تكون خدماتنا الطبية في المستقبل تحت رعاية أطباء مختصّين من مختلف الاختصاصات، من بينهم أخصائيّو الطب العام التكاملي، ومجازات بالتمريض، خرّيجات كليَّة جامعيَّة (تصفيق)؛ ما يعني بأن جميع مصانعنا، مدارسنا، حضاناتنا، وكل مجتمعاتنا ستكون مغطّاة، في مستقبل ليس ببعيد، بأطباء وممرضات عائلة. مما لا شك فيه بأنها قفزات عملاقة، وأنا أحاول تناول هذه القضايا بروح موضوعيَّة.

أتساءل: في أي بلد آخر من العالم يحدث ذلك الآن؟ لدينا شعبُ موحد، عامل، ينذر نفسه كلياً لمهمّة مواجهة المشكلات، ينذر نفسه كلياً لمهمة التقدم ملتحماً بشكل وثيق بالحزب والثورة.

تعرفون، أيتها الرفيقات وأيها الرفاق، أنه لا توجد أماكن كثيرة في العالم يتوفّر فيها ذلك، باعتباركم تعرفون تماماً أننا نعيش في عالم تحدث فيه أشياء غريبة كثيرة، أشياء معقّدة كثيرة، وأشياء غير مفهومة كثيرة.

ولذلك فإنه في هذا اليوم، الثامن والعشرين، واستذكاراً لكلمات كميلو، علينا أن نقول: لا بدّ من تخندقنا في الخط الثوري. علينا أن نتخندق في خط مبادئنا، علينا أن نتخندق في قناعاتنا المتينة والثابتة، علينا أن نتخندق بالأفكار الماركسية-اللينينيّة أكثر من أي وقت مضى، علينا أن نتخندق في أفكار الاشتراكيّة والشيوعيّة أكثر من أي وقت مضى (تصفيق).

لن يستطيع أحد خداع شعبنا، ولن يستطيع أحد تضليل شعبنا.

أرى هناك بعض الرايات الحمراء؛ واليوم، في هذه الذكرى الثلاثين لرحيل كميلو، كميلو هذا الذي قال بأن شعبنا لا يستسلم أبداً، أقول هنا بأن هذه الرايات الحمراء رايات الثورة لن تسقط أبداً من على هذه الصواري، وأن هذه الرايات الحمراء رايات الثورة لن تُستبدَل بالرّايات البيضاء والصفراء رايات الثورة المضادة (تصفيق مطوَّل وهتافات باسم "فيدل").

نحن لن نرتدّ أبداً عن لقب اشتراكيين وشيوعيين المشرِّف (تصفيق). حزبنا المجيد، حزب العشرين ألف شهيد الذين تحدث عنهم كميلو وحزب الذي وهبوا حياتهم لاحقاً دفاعاً عن المبادئ، دفاعاً عن الوطن، دفاعاً عن الأمميَّة، هذا الحزب المجيد، لن يحمل أبداً اسماً آخر غير اسم الحزب الشيوعي الكوبي (تصفيق وهتافات).

لن تتخلّى هذه الثورة أبداً عن ذلك التعريف المجيد الذي أُطلق أمام قبور أوائل شهداء المعركة في وجه مرتزقة خيرون (خليج الخنازير)؛ ولن تتخلّى أبداً عن تعريفها التاريخي والمجيد كثورة اشتراكية كوبية. وإذا ما استبدلناه يوماً ما فسيكون بالثورة الشيوعيّة الكوبية (تصفيق).

واضح أيها السادة أننا نعيش حقبة لا تصدَّق.

ما الذي أمكن لكميلو أن يقوله لو أنه قرأ فجأة برقية مفادها أنهم يحددون لنا من الولايات المتحدة الإجراءات التي علينا اتباعها لكي نكون ثواراً جيّدين، اشتراكيين جيّدين وشيوعيين جيّدين؟ وأي إصلاحات برجوازية ورأسمالية علينا تطبيقها لكي يعتبرونا ثواراً جيّدين، اشتراكيين جيّدين وشيوعيين جيّدين؛ فقد أصبح يوجد اليوم نوعان من الثوار، نوعان من الاشتراكيين، نوعان من الشيوعيين: الجيّدون والسيئون، حسب تعريف الإمبريالية. ونحن، في ما يشرّفنا، بين السيئين (ضحك). نحن سيئون لأننا غير قابلين للتقويم، لأننا لا نفعل ما تقول لنا الإمبريالية بأن من واجبنا فعله، لأننا لا نعكف على مغازلة رأسمالية هذا البلد واللعب معها، لأننا رأينا وعشنا بعضاً من عواقب هذا اللعِب، لأننا شفينا تماماً من الخوف ونحن في طريق العودة عن أصناف ضعف الإرادة، وأصبحت لدينا قناعة أكثر ثباتاً، أكثر متانة من أي وقت مضى، على قناعة أكبر بما تقدر عليه الاشتراكية. من بين كل المجتمعات التي عرفها الوجود في التاريخ، ليس هناك واحد يستطيع أن يتشبّه به؛ على قناعة أكبر من أي وقت مضى بأنه لا يمكن التراجع ولو بمقدار مليمترٍ واحد؛ وأكثر قناعة من أي وقت مضى بأن ما يتعيَّن فعله في ظروفٍ كهذه هو التقدم إلى الأمام. لا بدّ من فعل ما فعله كميلو في ثُكنة كماغويه: الاستباق؛ وربما نحن نستبق منذ الآن، أو لعل الزّمن يريد أن يتخلّف، ونحن لا نريد أن نتخلّف.

نعيش زمناً غريباً. لا بدّ من قراءة الصحافة البرجوازيّة، برقياتها، خطاباتها المنتشية بأن الاشتراكية قد انتهت، وبأن ذلك كان حلُماً، وهماً، وأن على البشر أن يعودوا إلى عار الرأسمالية وقرفها.

حتى لغويّاً. اليوم يسمّون مؤيّدي الإصلاحات الرأسمالية تقدميين؛ هي اللهجة التي تستخدمها البرقيات الصحفية الدوليّة؛ لا بد من استخدام مصطلح جديد. البرقيّات الصحفية الدوليّة، التي تحتكر الوسائل الإمبريالية والرأسماليّة معظمها، تستخدم بدهاء لغة خاطئة تجاه المدافعين عن الماركسيّة-اللينينيّة: المدافعين عن الاشتراكيّة، المدافعين عن الشيوعيّة، الذين لا يستسلمون، الصامدين، الذين لا تتزعزع أفكارهم، المؤمنين بأفكارهم، أكثر الناس تقدّماً وتقدميّة في العالم؛ الذين لا تنثني عزيمتهم أمام الابتزاز الإمبريالي، الذين لا تنثني عزيمتهم أمام الإيديولوجيا الإمبريالية، الذين لا تنثني عزيمتهم أمام الملاحقة الإمبريالية، فيسمّونهم متصلّبين. عاش التصلُّب! (هتافات مستجيبة بـ "عاش!") عاش التصلّب عندما يتعلّق الأمر بالدفاع عن المبادئ الثوريّة وليس المرونة التي تخضع لأفكار الإمبريالية وإملاءاتها! (تصفيق)

ويطلقون عليهم تسميات أخرى: محافظين، أورثوذوكسيّين. لاحظوا الطريقة في تزوير الكلمات والتلاعب بمعانيها.

منذ متى والرأسماليّة تقدميَّة؟ منذ متى واستغلال الإنسان لأخيه الإنسان تقدميّاً؟ منذ متى وهذه القذارة تقدميّة؟ كما قال ماركس: عندما يندثر استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، وتندثر الملكية الرأسمالية لوسائل الإنتاج، تكون البشرية قد خرجت من عصر ما قبل التاريخ، أي أنها تدخل التاريخ. ونحن قد دخلنا التاريخ.

إذا أراد آخرون أن يعودوا إلى ما قبل التاريخ، فهي قضية ذوق، فليذهبوا للترويح عن أنفسهم قليلاً هناك، وبعدها، ربما يعودون، وحتى باندفاعة أكبر، لأنه ليس لديهم ولا حتى فكرة عمّا ينتظرهم هناك. هذا يحدث لبعض الناس الذين لا فكرة لديهم عمّا هي الرأسماليّة، ولا فكرة! لقد وصلنا نحن إلى التاريخ ولن نتراجع أبداً إلى عصر ما قبل التاريخ، لن ننجر للتضليل.

إذا كانوا هم يظنّون أن الاشتراكيَّة قد انتهت وأنها أصبحت شيئاً من الماضي؛ وإذا كانوا يظنّون أن الرأسماليّة هي المستقبل، سيظل هناك شيوعيّون يدافعون عن أفكارهم، سيظل هناك شيوعيّون يدافعون عن قضيّتهم النبيلة والعادلة والإنسانية.

كل ما تحدثتُ عنه هذا اليوم كان من المستحيل حتى الحلُم به في الرأسماليّة. لقد عشنا وقائع الاشتراكيّة هذه، مهما كانت الصعوبات التي ما زلنا نواجهها، ومهما كانت المشكلات؛ لأن الاشتراكيّة لم تخترع التخلّف الاقتصادي، الاشتراكيّة لم تخترع الاستعمار، الاشتراكيّة لم تخترع الاستعمار الجديد، وهو ما زال يعانيه بعد جزء هائل من العالم؛ الاشتراكيّة لم تخترع التبادل اللامتكافئ؛ الاشتراكيّة لم تخترع جوع آلاف الملايين من البشر في جميع القارّات؛ إنما هو من اختراع الرأسمالية، وهو ثمرة الرأسمالية. وكلّ مشكلات عالم اليوم، سباق التسلّح، الخطر النووي، تلوُّث البيئة، تسمّم الهواء والأنهار والبحار، هو ثمرة فوضى الرأسماليّة واستغلالها وانعدام حسّها المسؤول.

نحن الاشتراكيّون نكافح هذه المشكلات: نكافح الاستعمار الجديد، نكافح التخلّف الاقتصادي، نكافح الفقر، نكافح التبادل اللامتكافئ: نكافح الاستغلال الذي تُخضِع البلدان الرأسمالية المتقدّمة شعوبنا له؛ لم نخترع الفقر ونكافحه بلا هوادة، ونحن قادرون على صنع المعجزات كالمعجزات التي يحققها شعبنا اليوم، بجهود كالجهود التي يبذلها شعبنا اليوم بمواردّ أقل من أي وقت مضى، بعملة صعبة أقلّ من أي وقت مضى. نعم، نحن نتعلّم اليوم بالفعل صُنع الأشياء بطريقة أفضل، إننا نتعلّم الادّخار. في السابق كانوا يستخدمون متراً مكعباً واحداً من الخشب لصنع عشرين متر مكعّب من الاسمنت المُسلَّح، واليوم نصنع خمسين متراً من الإسمنت المسلح، ونعمل على الوصول إلى مائة متر. في السابق كانوا يستخدمون حتى أكثر من 700 كلغ من الإسمنت لكل متر مكعّب من الاسمنت المسلّح واليوم نستخدم أقل من 450.

إننا نتعلم كيفية فعل الأشياء، لم يعد فقط تعلّم كيفية النشر أو الإزالة أو الكبّ؛ إننا نصنع اليوم قوالب، إننا نطبّق تقنيّات، وبذات الموارد نقوم اليوم بمضاعفة الإمكانيات ثلاث مرّات.

هذا ما نفعله اليوم، أتساءل أنا في أي بلد آخر يقومون بفعله. برنامج قوامه 204 مدرسة خاصة لتحتضن مائة بالمائة من الأطفال في المدارس الخاصة، أين يقومون بتنفيذ مثيل له؟ والجهود التي نبذلها الآن، ليس في هذا المجال فقط، وإنما فيها جميعاً، وعلى الأخص في الزراعة، في إنتاج المواد الغذائية، حيث يجري العمل بشكل مكثّف، في التطويرات الصناعية المتاحة لنا، في التطورات العلميَّة.

من يعرف واقع العالم، يدرك أن ما يفعله شعبنا اليوم هو مأثرة. هذه المأثرة ندين بها للاشتراكيّة، هذه المأثرة ندين بها لوحدة شعبنا، هذه المأثرة ندين بها للروح الثوريّة التي يتحلّى بها شعبنا.

ربما تكون بانتظارنا صعوبات كبيرة، نعم، ربما تكون بانتظارنا، وكبيرة جداً. لقد سبق وشرحت في السادس والعشرين من تموز/يوليو في كماغويه، بأن مثل هذه الأمور ربما تحدث. لكن ذلك لا يثبط عزيمتنا، ونحن نعمل بنفَس مواجهة كل الصعاب، نعمل بنفَس بناء كل هذه المدارس، ربما في خمس سنوات، على سبيل ذكر مثال، أو ست سنوات كحد أقصى؛ ولكن إن لم نستطِع بناءها في خمس سنوات، سنبنيها في عشر، ولكننا سنبنيها.

لدينا خططاً طموحة لبناء المساكن، نريد الوصول إلى مائة ألف بأسرع وقت ممكن. إذا ما قطعوا جهدنا، عملنا؛ إذا ما نشأت مشكلات كبيرة ولم نستطِع الوصول إلى مائة ألف، يمكننا أن نصل إلى 80 ألفاً، إلى 70 ألفاً، أيّا منها. علينا أن نتحلى بروح عازمة على مواجهة أي نوع من الصعاب. ولكن يجب أن نكون واعين، واسعي الاطلاع، متابعين باهتمام لكل ما يحدث في العالم. وأنا أقول: فليحدث ما يحدث! سنواصل السير إلى الأمام، سنواصل كفاحنا من أجل الاشتراكية ومن أجل الشيوعيَّة؛ فليحدث ما يحدث في العالم! لا أظن بأننا سنبقى وحيدين؛ ولكن، حتى لو بقينا وحيدين وكنّا الأخيرين، لن تثبط عزيمنا ولو لثانية واحدة، ولو للحظة واحدة. هذا ليس موجوداً في تاريخنا، هذا ليس موجوداً في فلسفتنا؛ هذا ليس موجوداً في فلسفة كميلو؛ هذا ليس موجوداً في فسلفة تشي غيفارا، هذا لم يكن موجوداً أبداً في فلسفتنا نحن الذين أنزلنا من على يخت "غرانما". كم بقينا وقتها؟ وهل سلّمنا مرة بالهزيمة؟ من يستطيع أن يقول لنا بأننا بعيدين عن تحقيق أهدافنا ما دمنا قبل بضع عشرات من السنين كنّا أبعد عن تحقيقها بكثير؟ وعندما بقينا لوحدنا في حقول قصب السكر، عندما تشتّتت قوّتنا، وعندما أعدنا تكوين مجموعتنا من جديد، ما الذي أثبط عزيمتنا؟ لا شيء، بدا كفاحنا وكأنه خارج عن المنطق، ولكن كفاحنا لم يكن بالنسبة لنا خارجاً عن المنطق؛ كان عقلانياً، كان لا بدّ من المضيّ إلى الأمام، وقد مضينا حتى هنا، حتى هذه اللحظة نفسها. ويعرف شعبنا، ويعرف على الأخصّ أولئك أبناء الأكثر من ثلاثين سنة من العمر، ما حدث عندما وقعت أزمة أكتوبر (أزمة الصواريخ) ويعرفون أن ذلك لم يُفزع أحداً. وعندما وجّهوا نحو بلدنا الله أعلم كم من صاروخ نووي، ذلك الأمر لم يُفزع أحداً؛ لم يرفّ حتى جفن أحد هنا أمام تلك المخاطر المريعة.

كم من مشكلة واجهتها الثورة: الحصار الإمبريالي منذ أكثر من ثلاثين سنة، التهديدات، المضايقة، في كل يوم، وها نحن هنا، من دون تراجُع، من دون تردد؛ أي أنه من المنافي لتقاليدنا ومن المنافي لفلسفتنا أن تثبط عزيمتنا أمام أي نوع من الصعاب. أن بالإمكان حدوث حصار شامل؟ حسناً، إنه من أسوأ الأمور التي يمكن حدوثها، ونحن جاهزون ذهنياً، وبالإضافة لذلك، صفوفنا منظَّمة من أجل تحمّل هذه الظروف، بل وأسوأها، وهي الحرب المباشِرة.

منذ مدة طويلة من الزمن ونحن جاهزون لمواجهتها، ونحن نستعدّ أكثر يوماً بعد يوم، فنحن لم نعد حفنة من الرّجال، نحن ملايين الرجال والنساء في كل أنحاء البلاد، منظَّمين وجاهزين للدفاع عن أنفسنا في وجه أي عدوان إمبريالي.

لن نقوم بفعل أشياء تجعل الإمبرياليين يقولون بأننا شيوعيين جيّدين، اشتراكيّين جيّدين؛ لن نعكف على تقديم تنازلات من أي نوع كانت، لا تحلمنّ الإمبريالية حتى بنيتنا تقديم أي تنازل من أي نوع كان! وإذا كانوا سيواصلون اعتبارنا شياطين، فليواصلوا اعتبارنا شياطين، فنحن لا نؤمن بالذئاب التي تتقمص أدوار جدّات.

على شعبنا أن يمعن التفكير جيداً حول كل ما يقرأه وما يحدث اليوم.

ليس من السهل إجراء تحليل دقيق، بحذافير ودلالات كل حالة، لكل هذه المسائل، وذلك بالنظر إلى الحساسيّة التي تتسّم بها دائماً العلاقات بين البلدان والدّول، علينا أن نتحلّى بالحكمة والصبر. لا ينبغي أن تكون هناك حاجة لأن تُعرض عليكُم مفصّلة ومحلَّلة تفصيلياً كل الأفكار التي يُمكن استنتاجها مما يحدث اليوم في العالم، لكي تحكموا أنتم على الأمور. لا بدّ من التمعُّن، إنه زمن التمعُّن، ولكنني أثق بالشعب؛ بكفاءته، بحدسه، بالموهبة التي لم تنقصه أبداً.

في تلك الأيام من الإرباك التي أرادوا فيها إفزاع العالم كلّه باسم الشيوعيّة، أو شن حملات على ذلك الشيء المريع الذي كانت عليه الشيوعيّة، لم يتردد أبناء كماغويه؛ رغم أن الصحافة البرجوازية في تلك الحقبة كانت تهاجم تلك المجموعة، لم يتردد واحد فقط من أبناء كماغويه صباح ذلك اليوم عندما وصل كميلو إلى كماغويه، وتحرّك الشعب برمّته بقوة رجل واحد نحو الثُّكنة؛ إن هذا هو الزمن الذي نحتاج فيه لتلك الوحدة المتّقدة والنابضة بالحماس؛ إنه الزمن الذي يلزم فيه حدس كميلو الرائع ذاك؛ إنه الزمن الذي تلزم فيه شجاعة كميلو الرائعة تلك، وقناعة كميلو الثابتة تلك.

أذكر عبارةً قلتُها على أثر وفاته: "يوجد في قلب الشعب كثر من كميلو". فقد خرج كميلو من الشعب، أتيحت له الفرصة لتعزيز وتطوير ملكاته ما فوق العاديّة؛ ولكن عندما أرى شبابنا يشغّلون مخرطة، يشغّلون فرناً للصهر، عندما أراهم في مختبر، عندما أراهم يعملون 10 و12 و13 و14 ساعة، تتأكد لي أكثر فأكثر تلك القناعة العميقة بأن هناك كثرٌ من كميلو.

وعندما أفكّر في هذه اللحظات في أن العمل يجري في بلدنا بحماس، بثقة، بأمان، بدون خوف من أحد ولا من شيء، بدون عزيمة محبطة لأنه يمكن أن تنشأ صعوبات من أي نوع؛ عندما أدرك بأن شعبنا قادر على تحقيق أي هدف، تحقيق أي غاية، وعلى تحدي أي خطر؛ عندما أدرك بأن شعبنا قادر على الدفاع عن الاشتراكية والشيوعيّة والماركسيّة-اللينينيَّة حتى آخر قطرة من دمه، أقول بنفس قناعة تلك السنة: كل الشعب الكوبي اليوم هو كميلو!

الوطن أو الموت

سننتصر!

(تصفيق حاد)

الطبعات الاختزالية – مجلس الدولة

VERSIONES TAQUIGRAFICAS - CONSEJO DE ESTADO