خطابات و تداخلات

نص الخطاب الذي ألقاه القائد العام فيدل كاسترو روز في مراسم تشييع ضحايا قصف مواقع مختلفة من الجمهورية، التي أقيمت عند تقاطع شارعي "23" و"12"، قبالة مقبرة "كولون"، في 16 نيسان/أبريل 1961

التاريخ: 

16/04/1961

أيها الرّفاق في "الجيش الثائر" و"الميليشيات الوطنية الثورية"؛

أيها الكوبيون جميعاً؛

إنها المرة الثانية التي نلتقي فيها في هذه الزاوية نفسها. كانت الأولى بمناسبة ارتكاب ذلك العمل التخريبي الذي أودى بحياة ما يقرب من مائة عاملٍ وجندي.

في تلك المناسبة، كان لا بد من شرح حيثيات تلك الجريمة المرتكبة بحق شعبنا جرّاء سلسلة من التكهنات والتفسيرات؛ فكان ضروريّاً في تلك المناسبة الإثبات بأنه ما كان بالإمكان ارتكاب ذلك العمل التخريبي انطلاقاً من أراضينا، أي أنه لم يكن ممكناً الإعداد له داخل أراضينا نظراً لظروف المراقبة الدقيقة التي تم في ظلها تفريغ تلك السفينة. لم يكن من الممكن الافتراض أنه نجم عن حادث، لأن ذلك النوع من الحمولة التي كان يجري تفريغها، لم يكن فيه ما يُمكنه الانفجار نتيجة ارتطام أو سقوط.

تحتّم عرض السوابق التي تدلّ على المسؤولين عن ذلك الفعل الإجرامي؛ تحتّم التذكير بمدى الاهتمام الذي أبدته حكومة الولايات المتحدة، وجميع الخطوات التي اتخذتها، لمنع تلك الأسلحة التي كنتم أنتم تحملونها قبل قليل من الوصول إلى أيدينا.

منذ بداية الحكم الثوري، أول جهد قام به أعداء الثورة استهدف منع شعبنا من تسليح نفسه. أولى الخطوات التي اتخذها أعداؤنا كانت تهدف إلى إبقاء شعبنا أعزل، وأمام فشل الضغوط السياسية لمنعنا من الحصول على تلك الأسلحة، وأمام فشل الجهود الدبلوماسية الأولى، لجأوا إلى التخريب، ولجأوا إلى استخدام إجراءات العنف لمنع تلك الأسلحة من الوصول إلى أيدينا، وعرقلة اقتنائنا لتلك الأسلحة، وبالتالي، النجاح في جعل حكومة البلد الذي جاءت منه تلك الأسلحة تلغي إلغاء مبيعاتها منها لبلدنا.

كلّف ذلك العمل التخريبي أرواح العديد من العمال والجنود، وعندما أكدنا في تلك المناسبة أن لدينا الحق في الاعتقاد بأن الجناة في ذلك العمل التخريبي هم المهتمّون بعدم حصولنا على تلك الأسلحة، تذكرون كيف أن الولايات المتحدة احتجّت، وقالت أنه اتهام مجحِف، وكيف سعت للتأكيد أمام العالم أن لا علاقة لها بانفجار باخرة "لا كوبري".

ومع ذلك، ظلّينا وظلّ شعبنا على قناعة عميقة بأن الأيدي التي ارتكبت ذلك العمل الهمجي والإجرامي هي أيدي عملاء حكومة الولايات المتحدة السريين.

كنّا في بداية الطريق، وكان صعباً على كثيرين في هذا البلد، وحتى خارج هذا البلد، أن يصدّقوا بأن من شأن حكومة الولايات المتحدة أن تصل إلى كل ذلك؛ كان صعباً التصديق بأنه يُمكن لقادة بلد ما أن يقدموا على خطوة من هذا النوع. ربّما رأى بعضهم بأن الحكومة الثورية كانت متمادية بعدم ثقتها، وبأن الكوبيين يغالون بخشيتهم، يغالون بشكّهم؛ كان ما يزال ممكناً أن يشكك جزء من الشعب بهذه التأكيدات؛ ولم نكن قد تمكنّا بعد من اكتساب الخبرة القاسية التي اكتسبناها خلال هذين العامين ونصف العام؛ لم نكن نعرف أعداءنا جيداً بعد؛ ولم نكن نعرف سلوكياتهم جيداً بعد؛ ولم نكن نعرف بعد ما هي عليه وكالة الاستخبارات المركزية لحكومة الولايات المتحدة؛ ولم تكن قد أتيحت لنا الفرصة بعد للتحقق، يوماً بعد يوم، من أنشطتهم الإجرامية ضد شعبنا وثورتنا.

لم يكن ذلك مجرد حدث منعزل. فمنذ ما قبله بأمد وكان بلدنا يتعرض لمسلسل من الاعتداءات، كانت بلدنا موضع سلسلة من غارات طائرات قرصنة ألقت في أحد الأيام منشورات، وأحرقت في يوم آخر حقولاً لقصب السكر، وثالثاً حاولت إلقاء قنبلة على أحد مصانعنا للسكر.

في تلك المناسبة، وعلى وجه التحديد بسبب انفجار القنبلة التي كانوا بصدد إطلاقها، انفجرت طائرة القرصنة بطاقمها، وسقطت قطعاً متناثرة على أراضينا؛ حينها، لم تستطع حكومة الولايات المتحدة أن تنكر، على غرار ما كانت تفعل سابقاً، بأن تلك الطائرات قد انطلقت من سواحلها. وأمام رفات أولئك الطيارين والوثائق السليمة التي تم العثور عليها، وأمام أرقام الطائرة التي سقطت على أراضينا، لم تستطع حكومة الولايات المتحدة أن تنفي الحقيقة، وحينها قررت أن تقدّم، أو بالأحرى، أن تعتذر لنا وأن تقدّم تفسيراً لما حدث.

بالطبع، كان صعباً على الجميع أن يفهم تمكن طائرة، وطائرات كثيرة، من مغادرة ودخول أراضي الولايات المتحدة، من دون أن تلاحظها سلطات ذلك البلد، من دون أن تسجّلها المعدات الحديثة التي يملكونها في ذلك البلد لكشف الطائرات. لكن في تلك المناسبة اعتذروا لنا وقدموا لنا إيضاحات.

ومع ذلك، لم تتوقف الطلعات الجوية. استمرت هذه الغارات لفترة طويلة، وفي إحدى المرات كلفت إحدى تلك الغارات بلدنا عدداً كبيراً من الضحايا. غير أنه لم يكن لأي من هذه الأحداث طابع الهجوم العسكري؛ لم يتجاوز أي من هذه التوغلات كونه عملاً استفزازيّاً من قبل طائرات قرصنة، والتي أحرقت ذات يوم حقول القصب، وحاولت في يوم آخر إلقاء قنابل، وسعت في آخر لإلقاء مناشير، وباختصار، جعلوا بلدنا ضحية مضايقات ممنهجة، وحاولوا إلحاق أضرار اقتصادية، ولكن بطريقة ما كان ليبدو عليها أبداً طابع الهجوم العسكري.

انفجار "لا كوبري" هو عمل تخريبي دبّره عملاء وكالة الاستخبارات اليانكية. وهجمات طائرات القرصنة كانت هجمات متفرقة. لم يتم قط تنفيذ عملية لها كل ما تتسم به عملية عسكرية بحتة من مواصفات.

في الأيام الأخيرة، قبل أسابيع، توغلت سفينة قرصنة في ميناء سانتياغو دي كوبا، وقصفت المصفاة القائمة هناك، وتسببت في الوقت نفسه بسقوط ضحايا بأعيرة نارية بين جنود وبحارة كانوا متمركزين عند مدخل الخليج.

كان الجميع يدرك أن عملية من هذا النوع، بسفن من هذا النوع، لا يمكن تنفيذها إذا لم تكن بالسفن التي قدمها الأمريكيون والمزوّدة من قبلهم في مكان ما من منطقة البحر الكاريبي.

هذه الحادث جعل بلدنا في وضع خاص: جعلنا نعيش، ونحن في أوج القرن العشرين، مثلما اضطرت للعيش مدن وقرى هذه القارة في القرنين السادس عشر والسابع عشر، مثلما اضطرت للعيش المدن والبلدات في عصر القراصنة. جعل بلدنا في وضع خاص اضطرت مصانعنا ومواطنونا ومدننا بسببه للعيش تحت رحمة طائرة تحرق حقول قصبنا، وإلا طائرة تحاول إلقاء قنبلة على مصانعنا للسكر، أو طائرة تنزل ضحايا بين مواطنينا، أو سفينة تنتهك حرمة موانئنا وتقصف بوقاحة -وهو شيء لم يسبق أن حدث أبداً، شيء لم يحدث أبداً خلال ما مضى من هذا القرن في هذه القارة.

لأن هذه القارة نعم كانت تعرف ما هي المدافع البحرية. كانت هذه القارة تعرف ما هو تعرُّض المدن للقَصف، وكانت هذه القارة تعرف ما هي عمليات إنزال قوات أجنبية. وكانت قد عرفتها في المكسيك، وعرفتها في نيكاراغوا، وعرفتها في هايتي، وعرفتها في سانتو دومينغو، وعرفتها في كوبا، لأن كل هذه الشعوب كانت تعرف ما هي أساطيل ومدافع الولايات المتحدة، وأتيحت الفرصة لجميع هذه الشعوب لكي تعرف تدخلات مشاة البحرية الأمريكية.

ما لم تتح الفرصة لأي شعب في هذه القارة لمعرفته هو هذا النوع من المضايقات جواً وبحراً، كان هذا النوع من عمليات القرصنة جواً وبحراً؛ ما لم تتح الفرصة لهذه القارة لمعرفته – وهي القارة التي عرفت تدخلات، وعرفت جيوشاً مرتزقة نظمتها الولايات المتحدة - ما لم تتح الفرصة لأي شعب في هذه القارة لمعرفته هو مثل هذا العمل المنهجي من قبل الخدمات السرية لحكومة الولايات المتحدة، هذا النشاط الممنهَج للتخريب والتدمير على يد كيان ذي جبروت لديه كل الموارد الاقتصادية وكل وأحدث وسائل التخريب والتدمير؛ ما لم يكن يعرفه أبداً أي شعب من هذه القارة هو النضال ضد وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، العازمة بأي ثمن، وتنفيذاً لتعليمات حكومتها، على عرقلة المسيرة السلمية والدؤوبة التي يقوم بها بلد، وعلى التدمير المنهجي لثمار عمل شعب، وعلى التدمير المنهجي للموارد الاقتصادية، والمرافق التجارية، والصناعات، وما هو أسوأ: الأرواح الغالية للعمال والفلاحين والمواطنين المجتهدين والصادقين في هذا البلد.

لم يكن أي شعب في قارتنا الأمريكية يعرف هذا النوع من الصراع، ولا غارات طائرات القرصنة، ولا غارات سفن القرصنة، ولا عمليات تخريب ذات طابع دولي ينظمها كيان ذو جبروت لديه، كما قلت، موارد اقتصادية وتقنية جبارة للقيام بذلك.

كان بلدنا قد أصبح الوحيد في العالم الذي يمكن لمدنه وبلداته أن تتعرض للمضايقة من قبل طائرات القرصنة، الذي يمكن لسفن القرصنة أن تهاجم موانئه. وعلى حدّ علمنا، لم تكن هناك ولا توجد في الوقت الراهن حالة واحدة لدولة ليست هي في حالة حرب مع دولة أخرى، ولا يوجد فيها حرب أهلية، وعليها أن تتحمل هذا النوع من هجمات طائرات وسفن القرصنة، وعلاوة على ذلك، حملة تدمير منهجية لثروات وأرواح الكوبيين كالتي تشنها هذه الهيئة السرية لحكومة الولايات المتحدة.

لكن على الرغم من كل هذا، لم يتسم أي من الأحداث السابقة بطابع العدوان العسكري التقليدي، كالذي اتّسمت به واقعة يوم أمس؛ فالأمر لم يتعلق بتحليق طائرة قرصنة، ولم يتعلق بغزو سفينة قرصنة: لم يكن أقل من هجوم متزامن على ثلاث مدن مختلفة في البلاد، في الوقت نفسه، عند الفجر؛ كانت عملية مكتملة قواعد العمليات العسكرية.

نُفذت ثلاث هجمات متزامنة عند الفجر، في نفس الوقت، في مدينة هافانا وسان أنتونيو دي لوس بانيوس وسانتياغو دي كوبا؛ ثلاث نقاط متباعدة فيما بينها، وعلى الأخص إحداها عن النقطتين الأخريين. بطائرات قصف من نوع B-26، مع إطلاق قنابل ذات قوة تدميرية عالية، وإطلاق صواريخ ورشقات نارية على ثلاث نقاط مختلفة من التراب الوطني. كانت عملية عسكرية مكتملة الشروط والقواعد.

بالإضافة لذلك، كان هجوماً مفاجئاً أيضاً؛ مشابهاً لتلك الأنواع من الهجمات التي اعتادت الحكومات الفندالية النازية والفاشية على اعتمادها في الاعتداء على الأمم. لم تكن أصول إعلان الحرب معروفة لدى الحكومات الفاشية في أوروبا. كانت الهجمات المسلحة لجحافل هتلر على شعوب أوروبا هجمات من هذا النوع: هجمات دون سابق إنذار، هجمات دون إعلان حرب، هجوم مباغت، هجوم غادر، هجوم مفاجئ. وهكذا تم غزو بولندا وبلجيكا والنرويج وفرنسا وهولندا والدنمارك ويوغوسلافيا ودول أوروبية أخرى على حين غرة. وعندما قررت الحكومة الإمبريالية اليابانية في خضم الحرب الولوج فيها، لم تعلن الحرب، ولم تعطِ إشعاراً مسبقاً. في فجر يوم أحد – إن لم تخنّي الذاكرة- 7 أو 8 كانون الأول/ديسمبر 1941، هاجمت سفن وطائرات يابانية ذات صباح قاعدة "بيرل هاربور" البحرية بطريقة مفاجئة، ودمّرت سفن وطائرات الولايات المتحدة في المحيط الهادئ بالكامل تقريباً. الجميع يتذكر ذلك التاريخ، والجميع يتذكر موجة السخط التي أحدثتها عند شعب الولايات المتحدة، والجميع يتذكر الاستياء الذي بعثه في ذلك البلد، وما أحدثه ذلك الهجوم من غضب في بقية العالم والذي تم شنّه بشكل غادر ومُباغِت. تحرك شعب الولايات المتحدة في وجه هذا العدوان، ولم يرغب شعب الولايات المتحدة أبداً في نسيان تلك الطريقة الغادرة والجبانة التي تعرضت بها سفن وطائرات بلاده للهجوم فجر أحد أيام كانون الأول/ديسمبر 1941.

أصبحت تلك الواقعة رمزاً للخيانة. ترسّخت تلك الواقعة في تاريخ الولايات المتحدة كواقعة تعني خيانة وخسة وجبن. تذكّر "بيرل هاربور" الولايات المتحدة بالخيانة. تذكّر "بيرل هاربور" الشعب الأمريكي بالنذالة والجبن والخيانة. "بيرل هاربور" هي واقعة يصنّفها تاريخ الولايات المتحدة ورأيها العام بأنها واقعة عار، واقعة خيانة، واقعة جُبن.

بالأمس ... لا ننوي إجراء مقارنات مع ما ذكرت، لأنه عندما قاتل اليابانيون ضد الأمريكيين، كان تناحراً بين دولتين إمبرياليتين، كان تناحراً بين دولتين رأسماليتين، كان تناحراً بين حكومتين مستغِلتين، كان التناحر بين حكومتين استعماريتين، تناحراً بين حكومتين تحاولان الهيمنة على الأسواق والمواد الخام واقتصاد جزء كبير من العالم.

وكان الصراع قائماً بين هاتين الحكومتين، رغم أنه لم يكن عند الإمبريالية الأمريكية خصائص العدوانية التي عند الإمبريالية اليابانية آنذاك، ولم تكن إمبريالية ذات خصائص حربية كخصائص الجنوح للحرب عند الإمبريالية اليابانية؛ إنما كان الصراع آنذاك صراعاً فيما بين قوى إمبريالية متناحرة، ومن بين تلك الإمبرياليات، كانت الإمبريالية الأمريكية الأقل جنوحاً للحرب والأقل عدوانية على الصعيد العالمي -بالنسبة لأمريكا اللاتينية، طالما كانت إمبريالية عدوانية وجانحة للحروب، ولكنها كانت عدوانية قوة عظمى ضد شعوب ضعيفة وعزلاء- على الصعيد العالمي، كانت الإمبريالية الأمريكية أقل عدوانية وأقل جنوحاً للحرب من الإمبريالية الألمانية والإمبريالية الإيطالية ومن الإمبريالية اليابانية. في هذه الحالة، لا يتعلق الأمر بالصراع بين قوتين مستغِلتين، لا يتعلق الأمر بتناحرٍ بين إمبرياليتين.

وإذا كان الهجوم على "بيرل هاربور" هجوماً مُداناً من حيث طريقة حدوثه، على نحو مفاجئ ومخالف لأبسط الأعراف وتقاليد العلاقات بين الشعوب، فإن الصراع في هذه الحالة التي تخصّنا هو صراع بين حكومة إمبريالية وحكومة ثورية، هو صراع بين إمبريالية عدوانية وتجنح للحرب وبين ثورة اجتماعية تدمر، على وجه التحديد، جميع أشكال الاستغلال؛ أي ليس فقط استغلال بلد لبلد، وإنما استغلال جزء من الشعب لجزء آخر منه.

نختلف نحن عن الولايات المتحدة في أن الولايات المتحدة هي بلد يستغل الشعوب الأخرى، في أن الولايات المتحدة هي دولة استولت على جزء كبير من موارد العالم الطبيعية، وتشغّل في خدمة طبقتها من أصحاب الملايين عشرات وعشرات من ملايين العمال حول العالم. ونحن لسنا بلداً نستغل شعوباً أخرى. لسنا بلداً استولينا، أو نسعى للاستيلاء على الموارد الطبيعية لشعوب أخرى. نحن لسنا دولة تشغّل عمّال شعوب أخرى لمنفعتنا الذاتية.

نحن على العكس من ذلك: نحن بلد يكافح لكي لا يضطر عماله إلى العمل لمنفعة طبقة أصحاب الملايين الأمريكيين (تصفيق)؛ نحن أقمنا دولة تكافح اليوم لإنقاذ مواردنا الطبيعية، وقد أنقذنا مواردنا الطبيعية من أيدي طبقة أصحاب الملايين الأمريكية.

لسنا دولة، بحكم نظامها، تعمل فيه أغلبيةٌ من الشعب، أغلبيةٌ من العمال، من جماهير البلد المكونة من العمال والفلاحين، لمنفعة أقلية مستغِلة ومتميزة من أصحاب الملايين؛ نحن لم نؤسس دولة يتسبب نظامها بالتمييز والتجاهل بحق شرائح واسعة من السكان، مثل شريحة الزنوج في الولايات المتحدة. نحن لم نؤسس دولة بحكم نظامها تعيش أقلية من الشعب بشكل طفيلي، على حساب عمل وعرق الغالبية العظمى من الشعب.

نحن، بثورتنا، لا نقضي فقط على استغلال بلد لبلد آخر، وإنما كذلك على استغلال بعض أناسِ لأناس آخرين! (تصفيق).

نعم! لقد أعلنا في جمعية عمومية تاريخية إدانة استغلال الإنسان للإنسان (تصفيق). أدنّا استغلال الإنسان للإنسان، وسنقضي على استغلال الإنسان للإنسان في وطننا! (تصفيق وهتافات: "فيدل! فيدل!")

نختلف نحن عن الولايات المتحدة في أن هناك حكومة من طبقات صاحبة امتيازات وجبروت أسست نظاماً يسمح لهذه الطبقة باستغلال الإنسان داخل الولايات المتحدة نفسها، وباستغلال هذه الطبقة للإنسان خارج الولايات المتحدة.

من الناحية السياسية، تشكل الولايات المتحدة اليوم نظاماً لاستغلال بلداناً على يد بلد، نظام يقوم على استغلال الإنسان من قبل أناس آخرين.

ولهذا، فإن التناحر بين اليابان والولايات المتحدة كان تناحراً بين نظامين متشابهين. الصراع بين الولايات المتحدة وكوبا هو صراع على مبادئ مختلفة، أي أنه صراع بين من يفتقرون لأية مبادئ إنسانية وبين من رفعنا راية الدفاع عن المبادئ الإنسانية (تصفيق وهتافات: "سننتصر! ").

بعبارة أخرى، إذا كان الهجوم على "بيرل هاربور" يشكل جريمة، فقد كان جريمة بين إمبرياليين، كانت جريمة بين مستغِلين، أرادت فيها حكومة مستغِلة القضاء على نظام استغلالي آخر، أرادت فيه إمبريالية القضاء على إمبريالية أخرى. لكن جريمة الأمس كانت جريمة المستغلين الإمبرياليين ضد شعب يريد التخلص من الاستغلال، ضد شعب يريد تحقيق العدالة، كانت جريمة بين مستغلي الإنسان ومن يريدون إلغاء استغلال الإنسان! (تصفيق وهتافات: "سننتصر!")

إذا كان شعب الولايات المتحدة قد اعتبر الهجوم على "بيرل هاربور" جريمة وعملاً غادراً وجباناً، فإن من حق لشعبنا أن يعتبر الهجوم الإمبريالي يوم أمس أكثر من إجرامي، وأكثر من غادر، وأكثر من خياني. وألف مرة جبان! (تصفيق وهتافات: "نعم لكوبا، لا لليانكيين!"). وإذا كان شعب الولايات المتحدة يعتبر أن من حقه الحُكم على الحكومة التي أعدت ونفذت ذلك الهجوم كحكومة حقيرين وبائسين، فإن من حق شعبنا أن يحكم على الحكومة التي أعدت ذلك الهجوم على بلدنا بأنها ألف مرة حقيرة وبائسة! (تصفيق وهتافات: "بيم، بوم، برّا، تسقط كايمانيرا!") إذا كان من حق شعب الولايات المتحدة أن يصف ذلك الهجوم المفاجئ، أي هجوم دولة قوية على دولة قوية أخرى، هجوم دولة لديها الكثير من السفن والكثير من الطائرات على دولة أخرى لديها أيضاً الكثير من السفن والكثير من الطائرات، بأنه جبان، فإن من حقنا نحن أن نصف هجوم بلد لديه الكثير من السفن والكثير من الطائرات ضد دولة لديها القليل جداً من السفن والقليل جداً من الطائرات جباناً ألف مرة! (تصفيق وهتافات: "سننتصر!")

ومع ذلك، عندما هاجم اليابانيون "بيرل هاربور"، واجهوا المسؤولية التاريخية عن أفعالهم. عندما هاجم اليابانيون "بيرل هاربور"، لم يحاولوا إخفاء حقيقة كونهم مدبّري ومنفّذي ذلك الهجوم؛ واجهوا العواقب التاريخية والعواقب الأخلاقية لأفعالهم. غير أنه عندما تحضّر دولة عظمى وغنية، في هذه الحالة، عدواناً مفاجئاً وجباناً على البلد الصغير، البلد الذي يفتقد للوسائل العسكرية للرد على العدوان؛ مع أنه، نعم، مقاومته حتى آخر قطرة دم! ... (تصفيق وهتافات: "الوطن أو الموت!")

بكل تأكيد، الحكومة الإمبريالية للولايات المتحدة تتصرف على هذا النحو معنا لأننا لسنا دولة قوية؛ بكل تأكيد تتصرف بهذه الطريقة معنا لأنها تعلم أننا لا نستطيع الرد عليها كما تستحق الأعمال الإجرامية والجبانة التي ترتكبها ضدنا (تصفيق)؛ بكل تأكيد، لو كنا دولة قوية عسكرياً، لما تجرّأت الحكومة الإمبريالية الأمريكية أبداً على ارتكاب مثل هذه الأعمال ضدنا! (تصفيق وهتافات: "قتلة!")

عندما هاجم اليابانيون "بيرل هاربور"، تحمّلوا المسؤولية، وهو ما لم يفعل هؤلاء السادة، هؤلاء السادة يدبّرون الهجوم، وينظمون الهجوم، ويسلمون الطائرات، ويسلمون القنابل، ويدربون المرتزقة، ويدفعون أجور المرتزقة، ويشنون الهجوم! من دون أن تكون لديهم الشجاعة في مواجهة المسؤولية التاريخية والأخلاقية عن أفعالهم! (تصفيق وصرخات: "إنهم جبناء! إنهم جبناء!")

قامت الحكومة الإمبريالية اليابانية بفعلها ولم تحاول إخفاء مسؤوليتها؛ خلافاً لذلك، رئيس الولايات المتحدة (هتافات: "برّا!")، مثل "قطة ماريا راموس"، التي "تلقي بالحجر وتخفي يدها" (صيحات: "برّا!"). الرئيس كنيدي، مثل "قطة ماريا راموس، يرمي الحجر ويخفي يده!" هذه هي الكلمات التي يمكن أن تلخص سياسة حكومة الولايات المتحدة.

ومع ذلك، كم هي مفيدة هذه الأفعال لكي ندرك! كم هي مفيدة هذه الأفعال في تعريفنا بحقائق العالم! كم هي مفيدة هذه الأعمال في تثقيف شعبنا! الدروس تكلّف غالياً، والدروس تكلّف آلاماً، والدروس تكلّف دماً، ولكن كم تتعلم الشعوب من هذه الأفعال! كم يتعلم شعبنا! كم يتعلم شعبنا وكم يكبر شعبنا أمامها!

لم يأت من فراغ إدراكنا لأمورٍ كثيرة في هذه اللحظات لا تدركها شعوب أخرى؛ ولم يأت من فراغ كوننا أحد الشعوب الأكثر تعلّماً، خلال أقصر فترة زمنية، في تاريخ العالم.

وهذه الأحداث التي وقعت أمس سوف تعلّمنا؛ هذه الأحداث المؤلمة التي وقعت يوم أمس سوف تكشف لنا، وسوف تُظهر لنا، ربما بشكل أوضح من أي من الأحداث الأخرى التي وقعت حتى الآن، ماهية الإمبريالية.

ربما لديكم فكرة عن ماهية الإمبريالية؛ ربما تساءلتم مرات كثيرة من قبل ما هي الإمبريالية وما تعنيه هذه الكلمة.

هل الإمبرياليون يعنون حقاً شيئاً بالغ السوء؟ أليس هناك يا ترى الكثير من العاطفية في كل الاتهامات التي توجَّه إليهم؟ هل كل ما سمعناه عن الإمبريالية الأمريكية ناتج عن تحزُّب أو تعصُّب؟ هل هي صحيحة يا ترى كل الأمور التي يتم تأكيدها عن الإمبريالية الأمريكية؟ (هتافات: "نعم!") هل هي صحيحة يا ترى كل الأفعال الوقحة التي تُنسب إلى الإمبرياليين الأمريكيين؟ (هتافات: "نعم!") هل الإمبرياليون الأمريكيون هم يا ترى شرّيرون وملعونون بالدرجة يؤكدونها عنهم؟ (هتافات: "نعم!") هل الإمبرياليون الأمريكيون هم يا ترى على كل ما يوصفونهم به من دمويّة ونذالة وجُبن؟ (صيحات: "نعم!") أم أنها مبالغة؟ (صيحات: "لا") أم هي تحزّب وتعصُّب؟ (صيحات: "لا!") أم هي عاطفية مفرطة؟ (صيحات: "لا!")

لكن، هل يمكن للإمبرياليين أن يفعلوا الأشياء التي يُزعم أنهم يفعلونها؟ هل صحيح كل ما يتم تأكيده عن أعمالهم الفندالية في النظام الدولي وعن استفزازاتهم؟ هل هم من تسببوا بالحرب الكورية؟ (هتافات: "نعم!")

كم كانت تصعب معرفة ما يحدث في العالم عندما لم يكن يصل بلدنا أخباراً من غير المصادر الأمريكية! كم من خديعة وكم من أكذوبة ذهبنا ضحيتها يا ترى! وإذا ما كان هناك أدنى شك يراود أي شخص، وإن كان لدى أحد في هذا البلد من ذوي النوايا الطيبة - وأنا لا أتحدث عن الطفيليين البائسين، أنا أتحدث عن الرجال والنساء المؤهلين للتفكير بنزاهة، وإن لم يكونوا يفكرون مثلنا- إذا ما راود أدنى شك أحد، وإن كان أحد يظن أنه قد تبقت ذرة من النزاهة عند السياسة اليانكية؛ وإن كان أحد يظن أنه قد تبقت ذرة من الأخلاق عند السياسة اليانكية؛ وإن كان أحد يظن أنه قد تبقت ذرة من الوجل أو النزاهة أو العدالة عند السياسة اليانكية؛ إن كان أحد في هذا البلد؛ في هذا البلد المحظوظ الذي أتيحت له الفرصة لكي يرى، في هذا البلد المحظوظ الذي أتيحت له الفرصة لكي يتعلّم، مع أنها دروس دمويّة، ولكنها دروس في الحرية ودروس في الكرامة ... (تصفيق).

إذا كان أحد في هذا البلد، الذي كان له امتياز رؤية شعب بأكمله وقد أصبح شعباً من الأبطال وشعباً من الرجال ذوي الهمم المرفوعة والشجعان (تصفيق)؛ إذا كان أحد في هذا البلد، الذي يكبر فيه حجم الجدارة والبطولة والتضحيات يوماً بعد يوم، ما زال عنده بعض الشك؛ إذا كان أحد الذين لا يفكرون مثلنا يعتقد أنه يرفع علماً مجيداً أو يدافع عنه، يعتقد أنه يرفع راية عادلة أو يدافع عنها، ولأنه يعتقد ذلك هو يوالي اليانكيين ويدافع عن حكومة الولايات المتحدة؛ إذا كان ما يزال أحد من أصحاب النوايا الطيبة من بين هؤلاء في بلدنا، فليدقّق في الوقائع التالية التي سنعرضها لكي ينجلي كل شك.

يوم أمس، كما يعلم الجميع، دخلت طائرات قصف مقسمة إلى ثلاث مجموعات، عند الساعة السادسة صباحاً، التراب الوطني قادمة من الخارج وهاجمت ثلاث نقاط في التراب الوطني؛ وفي كل واحدة من هذه النقاط، دافع الرجال عن أنفسهم ببطولة، وفي كل واحدة من هذه النقاط سالت دماء المدافعين الزكيّة (تصفيق)، وفي كل واحدة من هذه النقاط كان هناك الآلاف، وإلا مئات ومئات من الشهود على ما حدث هناك. علاوة على ذلك، كان عملاً متوقعاً. كان شيئاً نتوقعه في كل يوم، كتتويج منطقي لحرق حقول قصب السكر، ومئات الانتهاكات لأجوائنا، وغارات القرصنة الجوية، وهجمات القرصنة على مصافينا لتكرير النفط على يد قطعة بحرية تسللت فجراً. وكان ذلك كمحصّلة لما يعرفه الجميع؛ كان محصّلة لخطط العدوان التي دأبت الولايات المتحدة على حياكتها بالتواطؤ مع حكومات موالية لها في أمريكا الوسطى؛ وكان محصّلة القواعد الجوية التي يعرفها كل الناس ويعرفها العالم كله، لأنه قد نشرتها حتى الصحف الأمريكية ووكالات الأنباء الأمريكية، وقد كلّت الوكالات الصحف نفسها من الحديث عن جيوش المرتزقة التي ينظمونها، وعن المطارات التي جهّزوها، وعن الطائرات التي أعطتهم إياها حكومة الولايات المتحدة، من المدربين اليانكيين، وعن القواعد الجوية التي تم إنشاؤها في الأراضي الغواتيمالية.

كان هذا معروفاً لكل شعب كوبا، وهذا كان معروفاً للجميع. وقع الهجوم يوم أمس بحضور آلاف وآلاف الرجال، وماذا برأيكم قال حكام الولايات المتحدة عن هذا الحدث غير المعهود؟ لأن الأمر لم يعد يتعلق بانفجار "لا كوبري"، الذي تم تنفيذه كعمل تخريبي ماكر وخفي، إنما تعلق الأمر بهجوم متزامن على ثلاث نقاط من التراب الوطني، برشقات نارية، بقنابل، بصواريخ، بطائرات حربية رآها الجميع. تعلق الأمر بعمل مُعلَن، عملاً متوقعاً، عملاً كان الجميع يعرف به قبل حدوثه.

ولكي يشهد التاريخ، لكي يتعلم شعبنا مرة واحدة وإلى الأبد، ولكي يستطيع أن يتعلم ذلك الجزء من شعوب قارتنا الأمريكية الذي يمكن أن تصل إليه هذه الشهادة، ومع أنه ليس أكثر من شعاعٍ من نور الحقيقة، سأشرح للشعب، سأعرض عليكم الطريقة التي يتصرّف بها الإمبرياليون (تصفيق).

هل تظنّون بأن العالم سيعرف بأمر الهجوم على كوبا، هل تعتقدون بأن العالم كان سيعرف بما حدث، هل تعتقدون أو تصورتم بأنه كان بالإمكان محاولة إطفاء صدى القنابل والصواريخ الإجرامية التي ألقوا بها على وطننا في العالم؟ أن يخطر على بال أحد في العالم؟، أن يحاول أحد ما خداع العالم كله، أن يحاول إخفاء الحقيقة عن العالم كله، ويحاول خداع العالم كله؟ حسناً، لم يكتفوا يوم أمس بمهاجمة أرضنا، في هجوم مخادع وإجرامي معدّ مسبقاً، كان الجميع على علم به، وبطائرات يانكية، وبقنابل يانكية، وبأسلحة يانكية، وبمرتزقة تموّلهم الوكالة. لم يفعلوا ذلك فحسب، ولم يكتفوا بتدمير ممتلكاتنا الوطنية، ولم يكتفوا بفني أرواح شبّان، كثيرون منهم لم يبلغوا العشرين من العمر بعد (هتافات)، وإنما قامت حكومة الولايات المتحدة يوم أمس أيضاً بمحاولة خداع العالم. حاولت حكومة الولايات المتحدة أمس خداع العالم بأشد الطرق التي يُمكن تصوّرها دناءة ووقاحةً (تصفيق).

وإليكم البراهين، ها هي البراهين على كيفية عمل الإمبريالية، على كل الآلية العملية للإمبريالية، على كيف أن الإمبريالية لا ترتكب جرائم ضد العالم فحسب، بل تخدعه أيضاً. لكنها تخدع العالم ليس فقط بسرقة نفطه ومعادنه وثمار جهد الشعوب، وإنما تخدع العالم أخلاقياً، بتوجيهها له أكاذيب وأمور أبشع مما يُمكن تصوّره.

وهنا البراهين. سوف نقرأ أمام شعبنا ما قالته الإمبريالية للعالم، سوف نظهر ما بلغ العالم يوم أمس، ما قالوه للعالم، وما جعلوا ربما عشرات وعشرات من ملايين الناس يصدّقوه، ما نشرته يوم أمس آلاف وآلاف من الصحف، ما بثته آلاف وآلاف المحطات الإذاعية والتلفزيونية يوم أمس، عمّا حدث في كوبا، ما عرفه العالم، أو جزء كبير من العالم، جزء كبير جداً من العالم، من خلال الوكالات اليانكية.

برقيات صحفية لوكالة "أسوشييتد برس" (هتافات توبيخيّة):

"ميامي، 15 نيسان/أبريل، هبط طيارون كوبيون ممن فرّوا من سلاح الجو التابع لفيدل كاسترو في فلوريدا بقاذفات يعود عهدها إلى الحرب العالمية الثانية بعد تفجيرهم منشآت عسكرية كوبية انتقاماً من خيانة أحد الجبناء بينهم".

أكرر: "ميامي، 15 نيسان/أبريل، وكالة أسوشييتد برس"- تم توزيعه في كل أنحاء العالم، ونشرته آلاف الصحف ومحطات الإذاعة والتلفزيون. "هبط طيارون كوبيون" - طيارون كوبيون، هذا هو ما قالوه للعالم، هذا هو ما قالوه للعالم بعد أن نظموا المطارات في غواتيمالا، وأرسلوا الطائرات، وأرسلوا القنابل، وأرسلوا الرشاشات ودربوا المرتزقة، وأعطوا الأوامر للمرتزقة، وهو ما يعرفه الجميع. هذا ما يقولونه للعالم بعدما انتهكوا المجال الجوي مئات المرات، حيال ما يشكل أكبر فضيحة لهم، حيال حادثة هي أغرب ما تكون، وحيال عملٍ كان سيشكّل بحد ذاته فضيحة عالمية. ماذا فعل اليانكيّون؟ ماذا فعلت الحكومة اليانكيّة؟

"ميامي، 15 نيسان/أبريل، هبط طيارون كوبيون ممن فرّوا من سلاح الجو التابع لفيدل كاسترو في فلوريدا بقاذفات يعود عهدها إلى الحرب العالمية الثانية بعد تفجيرهم منشآت عسكرية كوبية انتقاماً من خيانة أحد الجبناء بينهم. إحدى القاذفات من طراز ب-26 التابعة لسلاح الجو الكوبي هبطت في مطار ميامي الدولي، وقد أصيبت بنيران المدفعية المضادة للطائرات ونيران المدافع الرشاشة، ولا يعمل إلا أحد محركَّيها. وهبطت طائرة أخرى في القاعدة الجوية التابعة للبحرية الحربية في كي ويست. قاذفة ثالثة هبطت في بلد أجنبي آخر -لا تذكر اسم البلد- غير الذي كانت تخطط الطائرات الثلاث–اسمعوا جيداً- أصلاً للتوجه إليه بعد الهجوم، وفقاً لمصادر كوبية محلية مختصة. ويتم تداول روايات غير مؤكدة أن طائرة أخرى، طائرة صغيرة أخرى، قد تحطمت في البحر بالقرب من جزيرة تورتوغا (تصفيق). على كل حال، تقوم البحرية الحربية الأمريكية بالتحقيق في القضية. والطيارون الذين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم ... (هتافات) نزلوا من طائراتهم وهم يرتدون ملابس التدريب، وطلبوا على الفور اللجوء في الولايات المتحدة (هتافات).

وصرح مدير دائرة الهجرة في ميامي -لاحِظوا- إدوارد آرينز، أن هذه الطلبات قيد البحث. الطيار ذو الشاربين الذي هبط في ميامي أبلغ موظفي الهجرة أنه وثلاثة طيارين آخرين في سلاح الجو الكوبي قد بدأوا التخطيط منذ عدة أشهر للفرار من كوبا كاسترو. وأضاف أنه بسبب خيانة جالو، كان أن قرر هو والاثنان الآخران تلقينه درساً بقصف منشآت القاعدة الجوية ورشقها بالنيران وهم في طريقهم نحو الحرية. قال إنه قد هاجم قاعدته هو، وهي قاعدة سان أنطونيو دي لوس بانيوس، وأن الطيارين الآخرين قد هاجما قواعد أخرى. وأبدى هذا الطيار استعداده للتحدث مع المراسلين، لكنه أحنى رأسه ووضع نظارة شمسية عندما حاول المصورون التقاط صور له.

"وشرح بأنه –لاحِظوا كِبر هذه الأكذوبة وما يرافقها من سخافة-، شرح بأنه والطيارين الآخرين قد تركوا عائلاتهم في كوبا وأنه يخشى انتقام كاسترو من أقاربه". أي أنهم يعترفون بأنهم قد سرقوا الطائرات، وبأنهم قد فرّوا، وبأنهم لا يذكرون أسماءهم لكي لا تُعرف أسماء من سرقوا الطائرات والذين فرّوا. ويقولون إنهم كانوا طيارين في سلاح الجو. لا جدال في أن الأمريكي الذي حرر هذا كان مخموراً تماماً صباح أمس (تصفيق).

"ميامي، وكالة أسوشييتد برس"- شرح طيّار القاذفة التي هبطت في ميامي بأنه أحد طياري القاذفات من طراز ب-26 الاثني عشر الذين ظلوا في سلاح الجو الكوبي بعد هروب دياز لانز وعمليات التطهير التي أعقبت ذلك. وكان دياز لانز قائداً لسلاح جو كاسترو، لكنه فرّ في أوائل عام 1959، بُعيد تولي كاسترو للحكم. وأضاف أن مهمته لهذا اليوم كانت القيام بدورية روتينية في منطقة قاعدته، وأن الطيارَان الآخران المتمركزان في كامبو ليبرتاد، على أطرافها، قد اختلقا أعذاراً للإقلاع. كان من المقرر أن يقوم أحدهما برحلة إلى سانتياغو دي كوبا اليوم، وقال الآخر إنه يريد فحص مقياس الارتفاع في طائرته. بعد خمس دقائق من بلوغ السادسة صباحاً أصبح هو في الجو. وأضاف: ’أبكر رفيقاي عليّ بالإقلاع من أجل مهاجمة المطارات التي رتبنا لمعاقبتها. بعد ذلك، وبسبب وشوك وقود طائرتي على النفاد، اضطررت للتوجه إلى ميامي، لأنني لم أكن في وضع يسمح لي بالوصول إلى وجهتنا المتفق عليها. ربما توجّه الآخران لرشق مدرج آخر قبل أن يبتعدا، ربما على شاطئ باراكووا حيث توجد مروحية فيدل‘. ولم يكشف الطيار عن الوجهة المتفق عليها".

برقيات وكالة "أسوشيتد برس":

"ميامي، 15، أسوشيتد برس -ما قالوه للعالم- ميامي 15، أسوشيتد برس. فر ثلاثة طيارين عسكريين كوبيين اليوم إلى الولايات المتحدة خشية تعرضهم للخيانة في خططهم للهروب من حكومة فيدل كاسترو بعدما قصفوا ورشقوا بالنيران المطارات في سانتياغو وهافانا.

إحدى القاذفتين ثنائيتي المحرك، اللتين يعود عهدهما إلى الحرب العالمية الثانية، هبطت في مطار ميامي الدولي، وعلى متنها ملازم بالتحكم بالطائرات. وعرض الطريقة التي خطّط هو وثلاثة آخرون من الاثني عشر طياراً للطائرات من طراز ب-26، وهم ما تبقى في سلاح الجو الكوبي، على مدار أشهر للفرار من كوبا.

الطائرة الأخرى، وعلى متنها رجلان، هبطت في قاعدة كي ويست الجوية البحرية. وقد تم التحفظ على أسماء الطيّارين، بينما احتجزت سلطات الهجرة الطيّارين وصادرت الطائرتين.

وقد حيّى نحو مائة من الكوبيين اللاجئين المحتشدين في المطار وصفّقوا عندما تم اقتياد الطيار إلى مكتب الجمارك ومن ثم نقله إلى مكان لم يتم الكشف عنه".

لاحِظوا ما يلي: "وأعلن مدير دائرة الهجرة الأمريكية، إدغارد أهرينز –أعلن مدير دائرة الهجرة في ميامي- التصريح التالي الذي أدلى به الطيّار في سلاح الجو الكوبي –أي أنهم لا يؤكدون فقط بأنه كوبي، وإنما هم يقولون بوقاحة بأنهم لا يعلنون الاسم، ولا يُعلنون أسماءهم لكي لا يُعرف من هم. وليس فقط محاولة الحمل على إخفاء اسم السيد الذي ارتكب للتَّو جريمة، وإنما، بالإضافة لذلك، يعلن مدير الهجرة التصريحات. لاحظوا إلى أي مدى تصل وقاحتهم، لاحِظوا الدرجة التي يصل إليها صلف موظفي ومسؤولي الإمبريالية؛ لاحِظوا كيف أن الأمر يصل بهم لاختراع حتى تفاصيل رواية مبتورة لا يصدّقها حتى ... القط (تصفيق)؛ لا تصدّقها حتى "قطة ماريّا راموس". يقول الطيّار –لاحِظوا الرواية التي يُعلن عنها، لتقميص الخبر بتفاصيل، لاستكمال الخدعة، بكل التفاصيل، لاحظوا القصة التي يخترعونها.

"أنا واحد من الاثني عشر طيّاراً لطائرات من طراز ب-26 الذين ما يزالون في سلاح جو كاسترو منذ فرار دياز لانز، القائد السابق لسلاح الجو الكوبي، وعمليات التطهير التي تبعته. على مدار عدة أشهر قمنا بالتخطيط أنا وثلاثة من رفاقي للطريقة التي نستطيع بها الهرب من كوبا كاسترو. يوم أمس الأول علمتُ أن أحد الثلاثة، الملازم ألفارو غالو –حتى الاسم، يأخذون اسم أحد طياري القوات المسلحة الثورية؛ إلى أي مدى تصل الوقاحة والصلف والعتيّ!- علمتُ أن أحد الثلاثة، الملازم ألفارو غالو، وهو قائد طائرة من طراز ب-26، رقم ف.ا.ر-915 – الحاصل هو أن الطيّار موجود في سنتياغو، صادف أن موقعه سنتياغو- كان قد تحدث مع أحد عناصر راميرو فالديس، رئيس جهاز الاستخبارات الأمنية. نبّهت الاثنين الآخرين، وقررنا حينها أنه ربما قام ألفارو غالو، الذي طالما تصرف هكذا بطريقة جبانة، بخيانتنا. ولهذا قررنا أن نتحرك فوراً. يوم أمس صباحاً أوعز إليّ القيام بدوريّة روتينية انطلاقاً من قاعدتي، سان أنتونيو دي لوس بانيوس، فوق جزء من بينار ديل ريّو وأنحاء جزيرة بينوس. أبلغت رفيقاي في كامبو ليبرتاد، ووافقا على أن من واجبنا أن نتحرك. كان يتعيّن على أحدهما أن يطير إلى سنتياغو؛ والآخر تذرّع بحجة وجوب فحصه لمقياس الارتفاع؛ كان من المفترض أن يغادرا عند الساعة السادسة صباحاً –لم يكن يوجد في كامبو ليبرتاد أي طائرة من طراز ب-26، وإنما كانت هناك طائرات معطّلة. أصبحتُ أنا في الجوّ عند السادسة وخمس دقائق. بسبب خيانة ألفارو غالو، كنّا قد اتفقنا على تلقينه درساً، وعليه فقد طرت عائداً إلى سان أنتونيو، حيث تجثم طائرته. لدى انسحابي تعرضت لنيران أسلحة قصيرة المدى، فقمت بمناورة للهروب. كان رفيقاي قد انطلقا قبل ذلك من أجل مهاجمة مدرّجات كنّا قد اتفقنا على مهاجمتها. بعد ذلك، وجرّاء انخفاض كميّات الوَقود، اضطررت للدخول إلى ميامي، باعتبار أنه لم يكن بوسعي الوصول إلى الوجهة التي كنّا متفقين على الوصول إليها. ربما ذهبا هما لرشق مدرّجات أخرى بالنيران قبل الانسحاب، مثل شاطئ باراكووا، حيث يخبئ فيدل مروحيّته.

أي أن هذا هو ما نقلوه للعالم. ليس فقط "يونايتد برس إنترناشونال" و"أسوشيتد برس" مَن نقل للعالم أن "طائرات كوبية"، وأنهم قد "فرّوا بالطائرات وقصفوا"، وإنما هم نشروا في العالم هذه القصة من نسج الخيال. وماذا تظنون أن قرأ عشرات الملايين من الأشخاص أو سمعوا يوم أمس من آلاف وآلاف الصحف المختلفة ومحطات الإذاعة والتلفزيون حول العالم؟ وماذا تظنونهم قالوا في أوروبا، في أماكن كثيرة من أمريكا اللاتينية، في أماكن كثيرة من العالم؟

لم يكتفوا بتأكيد ما سبق فقط، وإنما هم نسجوا قصة متكاملة، بتفاصيل وأسماء، عن كيفية تخطيط وتنفيذ كل شيء. لا، في هوليوود لم يسبق لهم أن وصوا إلى هذا الحد، يا سادة.

حسناً، هذا ما تقوله "يونايتد برس إنترناشونال"، وما تقوله "أسوشيتد برس"، وهذا ما يقوله المرتزقة، وهو التصريح الذي يدلي به مدير دائرة الهجرة، بينما يقول بأنه لا يذكر الأسماء لكي لا يتم كشف أمرهم، بعد تأكيده بأنهم قد انتهوا للتو من مصادرة الطائرة.

وهل ينتهي الأمر هنا؟ هنا، الأمر لا ينتهي هنا، فالسلسلة تتواصل. الآن تصريحات لميروه كاردونا... (هتافات توبيخية)، ولكن قبل أن أقرأ تصريحات ميره كاردونا، سوف أعرض، على سبيل المثال، برقية صحفية وُزّعت في المكسيك، ما تقوله وكالة "أسوشيتد برس" في المكسيك؛ أي كنموذج عمّا يقولونه في كل العالم، ما تنشره أغلبية الصحف، الصحف الرجعية في المكسيك، لكي تروا كيف يعمل جهاز الكذب والخداع العالمي.

"مكسيكو، 15، أ. ب. تلقّفت أغلبية الصحف نبأ قصف قواعد كوبية من قبل طائرات كوبية فارّة بتعبيرات عن الارتياح، حيث انضمت إلى مجموعات الكوبيين المنفيين في قولهم أن القصف هو بداية تحرك للتحرر من الشيوعيّة. وقد أطبقت الحكومة الصمت، بينما أيّدت مجموعات من الطلاب اليساريين والشيوعيين تصريح السفير الكوبي، خوسيه أنتونيو بورتووندو، بأن الهجمات الجوية هي هجمات جبانة ويائسة نفذها الإمبرياليون. ولوحظ نشاط واسع بين الكوبيين المنفيين. وعلّق مصدر كوبي بالقول أن الحكومة الكوبية في المنفى سوف تنتقل إلى كوبا بُعيد أول موجة من الهجوم على نظام فيدل كاسترو الكوبي من أجل تشكيل حكومة انتقالية، والتي من المتوقّع أن تحظى على وجه السرعة باعتراف بلدان أمريكية لاتينية كثيرة مناهضة لكاسترو. أمادو هيرنانديز فالديس، من ’الجبهة الثورية الديمقراطية الكوبية‘ هنا قال أن لحظة التحرير تقترب؛ وذكر بأنها أربع القواعد الكوبية التي هاجمتها الطائرات الكوبية الثلاث الهاربة: ’كامبو ليبرتاد‘، القريبة من هافانا؛ و’سان أنتونيو دي لوس بانيوس‘، و’مركز سنتياغو للطيران‘ و’غوانيتو‘، في بينار ديل ريّو". هذا هو ما ينشرونه من مكسيكو، على غرار كل عواصم العالم، العالم الإمبريالي أو المُستغَل من قبل الإمبرياليّة.

تصريحات ميروه كاردونا، لكي تكون مكشوفة، وتكشف عن أي نوع من الأفراد وأي نوع من الطفيليات هم هؤلاء السادة، لكي تعرفوا أي نوع من العناصر هم هؤلاء المتطفّلون.

كلا الوكالتين نشرتا النبأ التالي:

"تصريح صادر عن الدكتور ميروه كاردونا –هذه برقيّة لوكالتي ’أسوشييتد برس‘ و’يونايتد برس إنترناشونال‘-: تم توجيه ضربة بطولية لصالح الحرية الكوبية صباح هذا اليوم على يد عدد من ضبّاط سلاح الجو الكوبي. قبل الانطلاق بطائراتهم نحو الحرية، حاول هؤلاء الثوريّون الحقيقيّون تدمير أكبر عدد ممكن من طائرات كاسترو العسكرية. يعلن ’المجلس الثوري‘ بفخر بأن خططته قد نُفّذت بنجاح وأن المجلس قد تواصل مع هؤلاء الطيّارين البواسل وشجّعهم. العمل الذي قاموا به هو نموذج عن حالة اليأس التي يُمكن جرّ أبناء وطننا من كل الشرائح الاجتماعيّة إليها في ظل دكتاتورية كاسترو التي لا ترحم. وبينما يحاول كاسترو وأتباعه إقناع العالم –اسمعوا جيداً- وبينما يحاول كاسترو وأتباعه إقناع العالم بأن كوبا مهدَّدة بالغزو من أراضٍ أجنبية، تم توجيه هذه الضربة من أجل الحرية، كما ضربات أخرى سابقة، من قبل كوبيين مقيمين في كوبا ممن قرروا الكفاح في وجه الدكتاتوريّة والاضطهاد أو القضاء في محاولتهم. لأسباب أمنية لن يتم الكشف عن مزيد من التفاصيل".

ميروه كاردونا هو بالذات رئيس الحكومة المؤقتة التي أرسلتها حكومة الولايات المتحدة مع طائرة تحمل الحقائب الجاهزة للهبوط في شاطئ خيرون (خليج الخنازير) حالما تأمن رأس الجسر.

لاحِظوا كيف تعمل الإمبرياليّة، لاحظوا قلّة احترامها للعالم. الجميع كان يعرف بأن الطائرات كانت لديهم هناك، وبأنهم قد رسموا علم كوبا والرموز الكوبية على هذه الطائرات؛ فقد تم نشره في عدد لا يُحصى من المرّات؛ فكيف لهؤلاء السادة، بالجملة، أن يحيكوا أكاذيباً بكل هذا الحجم وبكل هذه الوقاحة وأشد سخافة مما يُمكن أن يخطر على بال أحد.

لكن القضية لا تنتهي هنا؛ فالآن سوف نميط اللثام عن دجّال الإمبريالية هذا لدى الأمم المتحدة، الذي انتقل من موقعه كرجل مرموق، ليبرالي، يساري، إلى آخره، إلى آخره، السيد ألداي ستيفينسون، وهو نموذج آخر في الوقاحة. يتواصل الخداع، أي يتواصل خداع العالم: وكالتا "يونايتد برس إنترناشونال" و"أسوشيتد برس" نجحتا في نشر القصة المنسوجة، آلاف الصحف الرجعية... وهما نفسيهما نشرتاها، وتلقفت الصحف الرئيسيّة بسعادة نبأ فرار هؤلاء الطيّارين.

كمّ الأكاذيب لم يكن كافياً بعد.

جاء دور السيد مندوب "قطة ماريّا راموس" لدى منظمة الأمم المتحدة. "نفى سفير الولايات المتحدة تأكيدات رووا وأكد على تصريح الرئيس جون ف. كندي بأنه لن يتم تحت أي ظرف من الظروف – أكرر- تحت أي ظرف من الظروف تدخل القوات العسكرية للولايات المتحدة في كوبا. وعرض ستيفينسون على اللجنة صوراً مصدرها ’يونايتيد برس إنترناشونال‘ تظهر فيها طائرتان هبطتا اليوم في فلوريدا بعدما شاركتا في الإغارة على ثلاث مدن كوبية".

فيقول ستيفينسون: "يظهر على ذنبها شعار سلاح كاسترو الجوي –وقال وهو يُظهر إحداها- عليها النجمة والأحرف الأولى من اسم كوبا؛ إنها واضحة للعيان. سأعرض هذه الصورة بطيبة خاطر. أضاف ستيفينسون أن الطائرتين المذكورتين كان يقودهما ضباط من سلاح الجو الكوبي، وعلى متنهما رجال فرّوا من نظام كاسترو. لم يشارك أي أمريكي في حادثة اليوم –شدّد-، إنها طائرات تابعة لكاسترو نفسه وانطلقت من مطاراته.

"الوزير الكوبي قال بأن الغارات المنفذة فجر هذا اليوم هي بدون شك مقدّمة لمحاولة غزو واسعة النطاق تنظّمها وتغذّيها وتموّلها واشنطن. وقال رووا أن الحكومة الكوبية لا تتهم إلا حكومة الولايات المتحدة بارتكاب هذا العمل، كما تتهمها أمام الرأي العام العالمي بالسعي لاستخدام القوة لحل خلافاتها مع الدول الأعضاء".

تتاح لنا هنا، كما قلّما أتيحت أمام أي شعب، فرصة التعرف من الداخل ومن الخارج ومن الجوانب ومن الأسفل، على ماهيّة الإمبرياليّة؛ لدينا الفرصة الآن لنلاحظ كيف تعمل كل الآلة المالية والدعائية والمرتزقَة والأجهزة السريَّة والمسؤولين، الذين يخدعون العالم بنفس مطمئنة وعلى نحو غير مسبوق. الآن تصوروا: كيف تمكنّا نحن من معرفة ما يحدث في العالم؟ كيف تمكنّا نحن من معرفة ما يحدث في العالم ما دامت هذه هي الرواية والتفسير الذي جعلوا عددا من الأشخاص في العالم لا يعرفه أحد يصدّقونه!

أي أنهم ينظّمون الهجوم، يدبّرون الهجوم، يدرّبون المرتزقَة، يسلّمونهم طائرات، يسلّمونهم قنابل، ويعدّون المطارات، ويعرف ذلك العالم كلّه، ويحدث الهجوم، ثم يؤكدون بنفس مطمئنَّة، أمام العالم –وهو عالم هم يعرفون بأنه سينهض غاضباً أمام انتهاك بكل هذه الوحشية، بالغ الجبن، بالغ الانتهاك لحقوق الشعوب، بالغ الانتهاك للسلام! (تصفيق)

وهؤلاء الإمبرياليين البائسين، بعدما يُلبسون أثواب الحداد لأكثر من ست عائلات، بعد قتل عدد من الشبّان، ممن ليسوا أصحاب ملايين طفيليّين، فهؤلاء الشبّان الذين أتينا لتشييعهم ليسوا بطفيليّين من أصحاب الملايين، ليسوا مرتزقة باعوا أنفسهم بذهب أي أجنبي، ليسوا بلصوص، إنما هم أبناء أعزاء لشعبنا! (تصفيق مطوَّل): شبّان عمّال، أبناء عائلات فقيرة، ولهم الحق في الحياة أكثر من أصحاب الملايين، ولهم الحق في الحياة، أكثر من الطفيليّين! ولهم الحق في الحياة، أكثر من المتطفّلين! (تصفيق). لأنهم لا يعيشون على حساب عمل الآخرين، مثل أصحاب الملايين اليانكيين؛ لا يعيشون من الذهب الأجنبي، كالمرتزقة والمتطفّلين الذين باعوا أنفسهم للإمبريالية (هتافات: "برّا...")؛ لا يعيشون من الرذيلة، لا يعيشون من السرقة، ومن حقهم أن تُحترَم حياتهم، وليس من حق أي إمبريالي بائس أن يرسل طائرات، ولا قنابل، ولا صواريخ، لقتل هذه الأرواح الشابة والعزيزة في بلدنا! (تصفيق).

والموافقون على مثل هذه الجريمة، الموافقون على مثل هذا العمل الوحشي، من يبيعون أنفسهم بشكل بائس ويؤيدون نشاطات هؤلاء المجرمين، والمتآمرون على الوطن، في الشارع، في الكنائس، في المدارس، أينما كان، يستحقون أن تتعامل معهم الثورة كما يستحقون! (تصفيق وهتافات: "مشنقة..! مشنقة..!").

هذه هي جرائم الإمبريالية، هذه هي أكاذيب الإمبريالية، ثم يأتونك رؤساء المجالس الأسقفية ليباركوا الأكذوبة! (هتافات: "برّا..!")، يأتونك رجال الدين الرجعيّون لتقديس الأكاذيب!

الإمبرياليّة توجِّه الجريمة، تنظِّم الجريمة، تسلّح المجرمين، تدرّب المجرمين، تموّل المجرمين، يأتي المجرمون ويقتلون سبعة من أبناء عمّال، ويهبطون بطمأنينة في الولايات المتحدة، وحتى في وقت يعرف فيه كل العالم بأمر كل مغامراتهم، يعلنون بأنهم طيّارين كوبيين، ويحيكون قصة كاذبة من نسج الخيال ويوزعونها في العالم، ينشرونها في كل الصحف والمحطات الإذاعيّة والتلفزيونيّة الرّجعيّة ووسائل المتطفّلين في العالم، ثم يأتي بعدها رؤساء المجالس الأسقفيَّة ليباركوا الكذبة ويقدّسوها (هتافات توبيخية وشعارات: "برّا..!)، وهكذا يتم التشارك مع الجريمة، يتم التشارك في الجريمة وفي الأكذوبة، كل الثلّة من المرتزقة والمستغِلّين والكاذبين الموجودين في العالم! (تصفيق)

هل يوجد كوبي شريف واحد لا يفهم ذلك؟ هل يوجد كوبي شريف واحد يشك في ذلك؟ إذا كان هناك من كوبي شريف واحد يشك في ذلك، وإذا لم يكن هذا كافياً، وإنما انطلاقاً من فهمه لهذه المسلكية يكون قادراً على الاستيعاب، ها هي قواعدنا، ها هي قواعد سان أنتونيو و"ف.ا.ر" وسنتياغو دي كوبا. ليتوجهوا إلى هناك، ليذهبوا إلى هناك ويتحققوا بأنفسهم، إن كان هناك حقيقة واحدة مما قالوه؛ فليتحققوا هناك كيف أن رجعيّين وإمبرياليّين ورجال دين دجّالين يغشّون ويخدعون العالم، كيف هم يغشون ويخدعون الشعوب، وكيف أن الوقت قد حان لتنفض الشعوب نفسها من استغلال وغش وخداع الإمبرياليين وكل دجّال يوجد في العالم، مهما كلّف ثمن الخلاص من هذه الهيمنة! (تصفيق مطوَّل).

والآن، حسناً، هل يُمكن خداع العالم بهذه الطريقة؟ أنا أتصوّر أن يكون لدى السيّد رئيس الولايات المتحدة ولو ذرّة من الوجل، وإذا كان لدى السيد رئيس الولايات المتحدة ذرّة من الوجَل، فإن الحكومة الثوريّة الكوبية تتحدّاه أمام العالم، الحكومة الثوريّة الكوبية تتحدّاه أمام العالم، إن كان لديه ذرّة من الوجَل، أن يعرض أمام الأمم المتحدة الطيّارين والطائرات التي يقول بأنها قد غادرت من الأراضي الوطنيّة! (تصفيق مطوَّل).

وكوبا سوف تطالب الأمم المتحدة بأن يتم هناك عرض الطائرات والطيّارين الذين يقولون بأنهم قد فرّوا من سلاح الجوّ؛ وسوف نرى إن كانوا يستطيعون مواصلة الاختباء!

وإذا لم يعرضوهم، لماذا لا يفعلون؟ طبعاً من حق رئيس الولايات المتحدة الا يواصلوا تسميته كذّاباً. هل يريد السيد رئيس الولايات المتحدة ألا يكون من حق أحد أن يسمّيه كذّاباً؟، فليعرض أمام الأمم المتحدة الطيارَين والطائرات التي يتحدث عنها! (تصفيق)

آه..! إذا لم يعرض رئيس الولايات المتحدة أمام الأمم المتحدة هذين الطيّارين ليثبت –وكيف سيتمكن من الإثبات!- أن هذين السيدين الطيّارين كانا هنا وفرّا من هنا، فإن ليس الحكومة الثورية الكوبية وحدها، وإنما العالم بأسره سيكون من حقّه أن يسمّيه كذّاباً (تصفيق)؛ العالم بأسره، وليس فقط الحكومة الكوبية، وإنما كل شعوب العالم، سيكون من حقها أن تعلن بأن حكومة الولايات المتحدة، لا يحق لها ولا الحد الأدنى من التقدير ولا من الاحترام في العالم! (تصفيق).

عندما تم إسقاط طائرة التجسس من طراز "يو-2" فوق الاتحاد السوفييتي، أول بيان صدر عن حكومة الولايات المتحدة ذكر أن طائرة قد انحرفت عن مسارها وتم إسقاطها. ولكن، بعد أيام قليلة، بعدما غرقوا في الكذب حتى أذنيهم، ضاعوا..، لأن الصدفة شاءت بأن الطيّار كان حيّاً، وتكلّم كالببغاء، وروى حتى آخر التفاصيل، فوجدت الولايات المتحدة نفسها معرّاة أمام العالم، واضطرت آنذاك للاعتراف بأن الطائرة "يو-2" هي طائرة أمريكية، وأنها كانت تتجسس، وأنها هي التي أرسلتها.

حسناً، لن تجد الحكومة الإمبريالية في الولايات المتحدة خياراً آخر أمامها غير الاعتراف بأن الطائرات هي طائراتها، وأن القنابل الملقاة هي قنابلها، وأن الأعيرة هي أعيرتها، وأن المرتزقة قد تم تنظيمهم وتدريبهم وتمويلهم من قبلها، وأن القواعد موجودة في غواتيمالا، وأنه من هذه المطارات غادرت الطائرات لمهاجمة أراضينا، وأن الطائرات التي لم يتم إسقاطها قد توجّهت إلى هناك، إلى سواحل الولايات المتحدة، حيث تم إيوائها وطياريها (تصفيق).

لأنه.. كيف يُمكن لحكومة الولايات المتحدة أن تمضي بهذه الأكذوبة؟ وأنا أطلب من "يونايتد برس إنترناشونال" و"أسوشيتيد برس" أن تتكرما بنقل قولنا للرئيس كندي بأنه إذا لم يعرض هذين الطيّارين أمام منظمة الأمم المتحدة، فإننا نقول ويحضرنا كل الحق بأنه رجل كذّاب؛ وإذا لم يكن هو رجلاً كذّاباً، إذن، لماذا لا يعرض الطيّارين؟

وهل يظنون يا ترى بأنهم سيستطيعون أن يخفوا عن عيون العالم...؟ لا. ها قد أصبح لدى كوبا محطة إذاعيّة توجّه بثّها اليوم لأمريكا اللاتينية جمعاء (تصفيق)، ويستمع إليها كثيرون من الأخوة في أمريكا اللاتينية والعالم كلّه.

لا! وبالمناسبة، لم نعد في عهد السرعة، نحن في عصر الإذاعة، ويُمكن لحقائق بلد ما أن تصل بعيداً جداً. ولكن، بالإضافة لذلك، لعل السادة الإمبرياليين قد نسوا، نحن في عصر رحلات الفضاء (تصفيق)، مع أن هذا النوع من الرحلات ليس لليانكيين.

وهنا، أيها السادة، في وقت لم تهمد فيه بعد أصداء إعجاب العالم كلّه بالاتحاد السوفييتي (تصفيق) نظراً للدقّة والتقنية المتقدّمة والنجاح الذي تعنيه بالنسبة للبشرية المأثرة العلمية التي أنجزها للتو، في وقت لم تهمد فيه بعد أصداء هذا الإعجاب في العالم، تعرض الحكومة اليانكية إلى جانب مأثرة الاتحاد السوفييتي مأثرتها الخاصة: مأثرة قصف منشآت بلد لا توجد لديه طائرات، ولا سفن ولا قوة عسكريّة يصدّ بها الهجوم.

أي، فلنقارن، ونطلب من العالم أن يقارن المأثرة السوفييتية والمأثرة الإمبريالية؛ بين البهجة والدافع والأمل الذي عنته بالنسبة للبشرية المأثرة السوفييتية، وبين العار، القرف والاشمئزاز الذي عنته المأثرة اليانكية؛ بين المأثرة العلميّة التي تسمح بوصول الإنسان إلى الفضاء والعودة بكل أمان، وبين المأثرة اليانكيّة التي تسلّح مرتزقَة وتموّلهم لكي يأتوا إلى قتل شبان في السادسة عشرة والسابعة عشرة من العمر في هجوم مفاجئ، غادر، خياني من كل النواحي، على بلد لا يستطيعون أن يغفروا له وجله وكرامته وبسالته. لأن ما لا يستطيع الإمبرياليون أن يغفروه لنا هو أن نكون هنا، ما لا يستطيع الإمبرياليون أن يغفروه لنا هو ما يتحلّى به الشعب الكوبي من كرامة وثبات وصمود إيديولوجي وروح تضحية وروحٍ ثورية (تصفيق).

هو هذا ما لا يستطيعون مسامحتنا عليه، أن نكون هناك على مرمى حجر، أن نكون هنا وقد صنعنا ثورة اشتراكية على مرمى حجر من الولايات المتحدة! (تصفيق وهتافات: "إلى الأمام، إلى الأمام، ومن لا يعجبه فليشرب مسهّلاً!").

وأن هذه الثورة الاشتراكية ندافع عنها بهذه البنادق! (تصفيق) وأن هذه الثورة الاشتراكية ندافع عنها بالبسالة التي صدّ بها أبطال مدفعيّتنا المضادة للطائرات الطائرات المعادية! (تصفيق وهتافات: "سننتصر!"، "فيدل، خروتشوف، نحن مع الاثنين!" وشعارات ثورية أخرى).

وهذه الثورة، هذه الثورة لا ندافع عنها بمرتزقة؛ هذه الثورة ندافع عنها برجال ونساء الشعب.

من هم الذين يحملون السلاح؟ هل السلاح يحمله المرتزق يا ترى؟ (أصوات مرتفعة: "لا!") هل السلاح يحمله المليونير؟ (أصوات مرتفعة: "لا!") لأن المرتزق والمليونير هما الشيء نفسه. هل السلاح يحمله أبناء الأثرياء المدلّلون؟ (أصوات مرتفعة: "لا!") هل السلاح يحمله الخوليّون؟ (أصوات مرتفعة: "لا!") من يحمل الأسلحة؟ (هتافات). لمن تعود هذه الأيادي التي تحمل السلاح؟ (هتافات). هل هي أيادي أبناء الأسياد؟ (أصوات مرتفعة: "لا!") هل هي أيادي الأثرياء؟ (أصوات مرتفعة: "لا!") هل هي أيادي المُستغِلّين؟ (أصوات مرتفعة: "لا!"). أيادي مَن هذه التي تحمل الأسلحة؟ (هتافات). أليست أيادي عمال؟ (أصوات مرتفعة: "نعم!") أليست أيادي فلاحين؟ (أصوات مرتفعة: "نعم!") أليست أيادٍ شد العمل عودها؟ (أصوات مرتفعة: "نعم!"). أليست أيادٍ خلاّقة؟ (أصوات مرتفعة: "نعم!"). أليست أيادي الشعب الفقير؟ (أصوات مرتفعة: "نعم!"). ما هي أغلبية الشعب؟، أصحاب الملايين أم العمال؟ المُستغِلّون أم المُستغَلِّين؟ أصحاب الامتيازات أم الكادحين؟ (هتافات). الا يحمل أصحاب الامتيازات السلاح؟ (أصوات مرتفعة: "لا!"). يحمله الكادحون؟ (أصوات مرتفعة: "نعم!"). هل أصحاب الامتيازات أقليّة؟ (أصوات مرتفعة: "نعم!"). هل الكادحون أغلبية؟ (أصوات مرتفعة: "نعم!") هل هي ديمقراطية الثورة التي يحمل الكادحون فيها السلاح؟ (تصفيق وأصوات مرتفعة: "نعم!" و"فيدل!"، "فيدل!" وشعارات ثورية متنوعة).

أيها العمال والفلاحون، هذه هي الثورة الاشتراكية والديمقراطية، ثورة الفقراء، من صنع الفقراء ومن أجل الفقراء (تصفيق). ومن أجل ثورة الفقراء من صنع الفقراء ومن أجل الفقراء هذه نحن مستعدون لوهب حياتنا (هتافات).

أيها العمال والفلاحون، أيها الفقراء من رجال ونساء الوطن، هل تقسمون بالدفاع عن ثورة الفقراء من صنع الفقراء ومن أجل الفقراء هذه حتى آخر قطرة من الدّم؟ (أصوات مرتفعة: "نعم!")

أيها الرفاق عمّال وفلاحي الوطن، إن هجوم يوم أمس جاء تمهيداً لعدوان المرتزقة، هجوم يوم أمس الذي كلّف سبع أرواح، استهدف تدمير طائراتنا وهي جاثمة، لكنهم فشلوا، فلم يدمّروا ثلاث طائرات، بينما معظم الطائرات المعادية تم إعطابها أو إسقاطها (تصفيق). هنا، قبالة قبر الرفاق الذين سقطوا، هنا، إلى جانب رفات الشبّان الأبطال، أبناء العمّال وأبناء العائلات الفقيرة، نجدد التأكيد على قرارنا في أنه، وكما هم واجهوا بصدورهم الأعيرة النارية، وكما هم قدموا أرواحهم، أتى المرتزقة متى أتوا، لن نتردد جمعنا نحن، الفخورون بثورتنا، الفخورون بالدفاع عن ثورة الفقراء ومن صنع الفقراء ومن أجل الفقراء هذه، في الدفاع عنها في وجه أي كان حتى آخر قطرة من دمنا (تصفيق).

عاشت الطبقة العاملة! (صرخات: "عاشت!")

عاش الفلاحون! (صرخات: "عاشوا!")

عاش الفقراء! (صرخات: "عاشوا!")

عاش شهداء الوطن! (صرخات: "عاشوا!")

عاش أبطال الوطن خالدين! (صرخات: "عاشوا!")

عاشت الثورة الاشتراكية! (صرخات: "عاشت!")

تحيا كوبا حرة! (صرخات: "عاشت!")

الوطن أو الموت!

سننتصر!

(تصفيق حاد).

للقتال ... سوف ننشد النشيد الوطني أيها الرفاق. (الحضور ينشدون النشيد الوطني).

أيها الرفاق، يجب على جميع الوحدات أن تتوجه كل واحدة إلى مقر كتيبتها، استعداداً لحالة الاستنفار الموعز بها من أجل إبقاء البلاد في حالة تأهب حيال ما توشي به أحداث الأسابيع الأخيرة والهجوم الجبان يوم أمس من احتمالٍ لعدوان المرتزقة. فلنسير باتجاه نوادي أعضاء الميليشيا، ولنشكّل الكتائب ولنستعد لمواجهة العدو، ونحن ننشد النشيد الوطني، مع مقطوعات النشيد الوطني، مع صيحات "إلى القتال"، ونحن على قناعة بأن "الموت من أجل الوطن هو الحياة" وأن "العيش مقيدين يساوي عيشنا غارقين في المذلّة والمهانة".

لنسير إلى كتائبنا نحو مقر كتيبة كل واحد منّا وننتظر الأوامر هناك، أيها الرفاق (تصفيق).

الطبعات الاختزالية – مجلس الدولة