خطابات و تداخلات

الخطاب الذي ألقاه السكرتير الأول للجنة المركزية للحزب الشيوعي الكوبي ورئيس مجلسي الدولة والوزراء، القائد العام فيدل كاسترو روس، في حفل افتتاح دورات الارتقاء التعليمي لعمال قطاع السكر، في باحة مصنع السكر "إدواردو غارسيا لافانديرو"، في بلدية أرتيميسا، في 21 تشرين الأول/أكتوبر 2002، "عام الأبطال أسرى الإمبراطورية".

التاريخ: 

21/10/2002

سيتحول هذا اليوم إلى يوم تاريخي بالتأكيد. فكما جرت الإشارة هنا، يوضع للمرة الأولى حيز التطبيق مفهوم الدراسة كوظيفة، وهي واحدة من أهم الوظائف بالتأكيد. ولكن هذا لا يحدث هنا فقط، وإنما في ذات الوقت الذي تبدأ فيه فرقة كاملة قوامها آلاف العمال، ممن يمكننا أن نسميهم فائضين، كمحصلة لعملية إعادة هيكلة الصناعة السكرية، برنامجاً واسعاً وعظيماً للارتقاء بالمستوى التعليمي لعمال القطاع السكري. إنهما أمران.

حسناً، في سبيل إدراك معنى عملية إعادة الهيكلة وضرورتها لا بد من العودة قليلاً إلى التاريخ؛ وأنا على ثقة بأنه لن يبقَ هناك أي شك وأنه في ذات الوقت الذي يتم فيه اتخاذ إجراء ذي منفعة وقيمة كبيرتين بالنسبة للاقتصاد، تبدأ مرحلة جديدة في القطاع السكري واعدة على درجة كبيرة.

ألاحظ الصمت المطلق عملياً الذي يسود في هذا الحفل بين العشرة آلاف شخص المجتمعين هنا.

قلت بأنه لا مفر من العودة إلى تاريخ الإنتاج والصناعة السكرية. بدأ هذا منذ أكثر من 150 سنة. خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر كان قطاع الإنتاج والتصدير الرئيسي للبلاد يتمثل بالبن؛ وكان هذا حال التبغ أيضاً خلال مدة من الزمن، وعلينا أن نتذكر المراحل الأولى من النضال في تاريخنا التي خاضها عمال التبغ في سنتياغو دي لاس فيغاس، الذين تمردوا على ما أظن بأنهم كانوا يسمونه "إستانكو ديل تاباكو" [احتكار التبغ].

أعتقد أنه سيصل إلى كثيرين من أبناء وطننا معارف عن تلك الحقبة عبر الأبحاث التاريخية التي يتم إجراؤها الآن. كان قصب السكر والتبغ والبن مصادر هامة جداً لمداخيل البلاد.

لقد قرأت عن إعصارين كبيرين تبع أحدهما الآخر تقريباً، بقوة 4 أو 5، برياح تزيد سرعتها عن 300 كلم، هبّا بين عامي 1844 و1845 وقضيا تقريباً على محاصيل البن في غرب كوبا. في تلك الحقبة لم تكن مزارع البن تقع في الجبال أبداً، ولم تكن تتواجد في أي سلسلة من المرتفعات، بل أن هذه وتلك كانت أراضٍ عذراء، إنما كانت المصانع تقوم بشكل رئيسي في ما هي عليه اليوم محافظة هافانا. بل وأنها كانت تمتد إلى ماتانزاس شرقاً وإلى كاياخابوس غرباً، حيث ما يزال يوجد بعض بقايا المزارِعين الفرنسيين الذين قدموا من هايتي ووصلوا حتى تلك المناطق –المنطقة الأولى طبعاً كانت منطقة ما هي عليه اليوم محافظة غوانتانامو، القريبة جداً من الجزيرة المجاورة التي تقع فيها سانتو دومينغو وهايتي- حين وقع تمرد كبير من قبل الجماهير الواسعة من العبيد الذين كانوا يكرّسون هناك لإنتاج البن، وكان ذلك في بدايات القرن تقريباً، في أعوام ال‍ 1800.

في الوقت الذي كانت فيه تلك المستعمرة الفرنسية تزوّد العالم بالبن، هاجر كثيرون من مزارعي البن أولئك إلى جزيرة كوبا. كانوا في بعض الأحيان يحضِرون جزءاً من مستخدَميهم العبيد؛ ولكن ما أخذوا بإحضاره بشكل أساسي هو الخبرة، ووجدوا ظروفاً ممتازة في تلك المحافظة، على نحو جعل أمراً لا بد منه أن يشن الوطنيون هجوماً على تلك المحافظة في حرب عام 1868.

جميع أولئك الأوليغارشيين والمستعبِدين، منتجي البن، كانوا يدعمون الحكومة الاستعمارية طبعاً، وكانت المعارك بالغة الضراوة. قاد ماكسيمو غوميز الهجوم، وهناك تواجد الأخوة ماسيو.

يتحدث التاريخ عن معارك عنيفة. تحوّلت كل واحدة من مزارع البن إلى حصن تقريباً؛ وكانت تلك المزارع تصل حتى مشارف سنتياغو دي كوبا. وما زال يوجد في أنحاء "لا غران بييدرا" بقايا منها. قمنا بزيارتها في إحدى المناسبات وأدهشنا المستوى الفني المحرز، كيف كانوا يستخدمون السماد، وخاصة الكلس، من أجل توفير مواصفات ملائمة للأرض، وكانت تيارات المياه تنفع لغسل البن، وكان يتم القيام بعمليات تُسند في يومنا هذا إلى الآلات. وهناك، على مقربة من سنتياغو ما زالت توجد بقايا، كما ذكرت أيضاً بأنه توجد بقايا في كاياخابوس، في المنطقة الجبلية المحاذية لبينار ديل ريو. ولكن التطور الكبير لزراعة البن تم في الواقع في أراضٍ سهلية وخصبة من محافظة هافانا، وبالطبع، كل ذلك التطور كان يعتمد على أيدٍ عاملة من العبيد.

حين قضت تلك الظواهر الطبيعية على مزارع البن عملياً، اكتسبت زراعة قصب السكر دفعة كبيرة.

في وقت سابق، وصل الأمر بكوبا لأن تتحول إلى المنتج والمصدِّر الرئيسي للبن في العالم، وقام أصحاب تلك المزارع، أصحاب تلك الأراضي والعبيد، بدفع زراعة قصب السكر وبدأت كوبا تتحول أيضاً إلى المنتج والمصدِّر الرئيسي للسكّر –لا أذكر بلداً آخر في تلك الحقبة.

في تلك الآونة كان عدد العبيد يبلغ حوالي 300 ألفاً؛ وكان الجزء الأكبر منهم طبعاً يقوم بأعمال زراعة القصب وإنتاج السكر. منذ ذلك الحين بدأ يقوم سوق للسكر الكوبي في الولايات المتحدة؛ ولكن كوبا كانت توفر السكر أيضاً لإسبانيا، لأوروبا، مع أن السوق الرئيسي أصبح سوق الولايات المتحدة. ولهذا عندما قام الحصار وتم إلغاء كوتات كوبا من مبيعات السكر في السوق الأمريكي، بعد عام 1959، سُحق سوق تمت إقامته على مدى أكثر من قرن من الزمن.

نشأت منذ ذلك الحين الفكرة القائلة أنه لا وجود للبلاد بدون السكر، الأمر الذي كان واقعاً حتى ما قبل سنوات قليلة؛ لم تكن في ذلك الحين موجودة هذه المصانع الكبرى، القادرة على إنتاج عشرات الآلاف من أطنان السكر، وبعضها أكثر 100 ألف، وإنما كان هناك مئات المصانع؛ لا أدرى أن كان عددها بين محافظتي هافانا ومحافظة ماتانزاس يصل إلى حوالي 1000 مصنع صغير، حيث لم يكن يُستخدم البخار بعد، وكانت تُستعمل طريقة الجر عبر الدواب؛ ولكن أخذ يتم التقدم على مدى النصف للأرباح التي تذهب إلى الموازنة الاستعمارية الإسبانية، ومن المعروف أنه تم تدمير المصانع وحرق القصب. ووصل ذلك الغزو حتى مانتوا، لم ينجُ عملياً حقل واحد لقصب السكر على طول الجزيرة، في أي مكان كان. لاحِظوا ما كان للقصب من أثر في حياة البلاد.

عند انتهاء تلك الحرب، مع تدخل الولايات المتحدة، بدأت إعادة بناء الصناعة السكرية؛ في البداية إنعاش المزارع الموجودة ومن ثم الشروع بإقامة مزارع هائلة للقصب في محافظتي أوريينتي وكماغويه. كان المتدخّلون يتمتعون بالظروف المثلى، أنسبها، من أجل الاستثمار في تلك الصناعة، في ذلك الإنتاج الذي قُطِّع أشلاء خلال سنوات الحرب الأخيرة. وكان على هذا النحو أن انتعشت الصناعة ثم امتدت الزراعة إلى تلك المناطق العذراء، إذا جاز القول، من كماغويه وحتى غوانتانامو، وذلك عبر رؤوس أموال محلية في جزء منه، ولكن الجزء الأساسي هو رأسمال أمريكي.

الحقيقة أن مزارع كبيرة من الغابات، من شجر المغنة، والأخشاب الثمينة تم قطعها واستُخدمت تلك الأخشاب الثمينة كوقود لمصانع السكر. لم يكن يوجد في ذلك العهد ولا حتى سوقاً لتلك الأخشاب، كانت وافرة الأخشاب في هذا النصف من الكرة الأرضية وفي أماكن أخرى. هكذا أقيمت المزارع، التي خصصتها بالذكر في ذلك اليوم في أولغين، في الحفل الذي شارك فيه الأكثر من 400 ألف من أبناء أولغين حين نزلت زوبعة الأمطار، عن ملكيات كسرى الهائلة التي كانت تحيط بالمكان حيث ولدت، في بيران. ولكن ملكيات كسرى الهائلة هذه كانت موجودة في كل مكان، كانت تبلغ مساحة بعضها أكثر من 100 ألف هكتار، شركة "يونايتيد فروت كومباني" وغيرها؛ ووصل الأمر بشركات أخرى لأن تمتلك حتى 200 ألف هكتار من الأراضي المزروعة بقصب السكر. لم تكن قوة العمل كافية وحدثت موجات الهجرة الكبيرة من جزر الأنتيل، عشرات وعشرات الآلاف من جزر الأنتيل، وخاصة من هايتي.

كان قد تم قبل ذلك بسنوات قليلة إلغاء نظام الرق دون أن يعني ذلك أي تحسن عملياً، أعتقد أنه كان في عام 1886 أن ألغيت، وتواصلت الظروف الحياتية للعبيد سابقاً على ما هي عليه تماماً أو، في بعض الأحيان، أسوأ مما كانت عليه حين كانوا عبيداً، لأنه حين كان يموت عبداً كان الملاّكون يخسرون من رأسمالهم؛ وفيما بعد لم يعد يهمهم حماية أرواحهم، ما إذا مرضوا أو جاعوا. لم يكن يهتمّ بهم أحد.

بدأ اقتصاد البلاد يتمحور حول موسم السكر، وإلى جانبه ما يسمى "الوقت الميت". ولكن ليس هناك من شك بأن إنتاج السكر كان العمود الفقري، فهو كل ما كان عند اقتصاد البلاد، أما ما عداه فكان للاستهلاك الذاتي.

كان البن يندرج كقطاع أقل أهمية. عندما وقع الاحتلال الأمريكي، ومع فرض حكومة نيوكولونيالية في البلاد، جاءت اتفاقات تجارية لتحدّ حتى من تطور محاصيل أخرى؛ تم منح البلاد السوق الذي كان عندها والسوق المتنامي، الذي أصبح منذ ذلك الموعد سوق الولايات المتحدة. كان يتم تصدير المنتجات الجديدة إلى ذلك البلد، وذلك في ظل اتفاقية تنص على أنه إذا ما اشتروا السكر، فإن منتجات السلع الغذائية الأخرى، بما فيها الأرز وغيره، تصبح محدودة. على كل حال، من مداخيل البلاد، التي لم تكن مداخيل الشعب الكوبي…، كان يبقى للشعب الكوبي المخلّفات، البقايا، ولكن كان يطاله شيء ما مقابل الخدمات التي كان يؤديها خلال موسم السكر أو في المحاصيل بين موسم سكّر وآخر؛ كانت البلاد تعيش بشكل أساسي من قصب السكر، وكان بالإمكان القول: "لا وجود للبلاد بدون السكر".

الواقع أن هذا الحال ظل حقيقة، ويمكننا القول أنه بقي كذلك حتى ما قبل 10 أو 12 سنة تقريباً. شهد مراحل صعود وهبوط عندما كانت تقع حروب، كانت كوبا هي من يموّن الولايات المتحدة بكل ما تحتاجه من سكّر، أمر طريف، متناقض ظاهرياً، بشيء يغدو لا أخلاقي: كلما تحدث حرب كبرى، كانت السعادة تغمر المزارعين والمستعمرين، لأنه بمناسبة الحرب كان سعر السكر يصعد، ويصعد كثيراً.

هكذا حدثت الحرب العالمية الأولى، التي شاركت الولايات المتحدة في نصفها الثاني، إذ إن البلاد تحوّلت عملياً إلى المموِّن الوحيد لذلك البلد بالسكر، الذي كان الكثير من منتجاته من صنع شركات هي صاحبة مزارع كبيرة لقصب السكر.

كنت أتذكر بأنه بعد تلك الحرب، وبعد الدمار والمشكلات التي تسببت بها، ارتفع الطلب على السكر. يبدو لي أن سعر هذا –ولا بد من البحث في الأرشيف- قد وصل حتى عشرين سنتاً للرطل الواحد. إنه سعر باهظ بالنسبة لتلك الآونة.

وهكذا نشأت، بعد الحرب، فترة قصيرة كنت وأنا فتى أسمع الحديث عنها بالقول "رقصة الملايين". لم يعد أحد تقريباً يحكي عن هذا، ولكن كان الحديث يكثر في أعوام الثلاثينات والأربعينات عن "رقصة الملايين"، حين يصعد سعر السكر ستة أو سبعة أضعاف. طبعاً لم تكن "رقصة ملايين" الشعب، إنما كانت "رقصة ملايين" الشركات الكبرى المنتجة للسكر؛ ولكن كان يطال الشعب شيء ما دائماً، كان يطاله البقايا، وليس الحال سواء بين البقايا في فترة يبلغ فيها سعر السكر سنتين أو ثلاثة أو أربعة وبينها حين يصل سعره إلى 20 سنتاً من الدولار أو أكثر للرطل الواحد.

لم تدم "رقصة الملايين" كثيراً. فقد هبط سعر السكر فجأة، وما أتى بعدها هو الكارثة. عدد كبير من أصحاب الصناعات خسروا مصالحهم، وكذلك أصحاب أراضي وأصحاب مصانع سكر خسروا أملاكهم، التي قامت بشرائها شركات أمريكية أخرى، أو من قبل كوبي ما من أصحاب المال الوفير.

وهكذا فإن "رقصة الملايين" تبعتها الكارثة. احسِبوا أنتم كم من معاناة عنى ذلك بالنسبة للشعب الذي لم يكن يملك شيئاً، ولا حتى أرضاً، مع أن عدد السكان كان أقل بكثير.

وضع عمال الصناعة السكرية، التي كانت أهم مصدر لتوفير فرص العمل، كان قاسياً جداً. لا أستطيع أن أقول الآن بدقة كم كان يبلغ عدد الأشخاص العاملين فيها، ولكنه كان يصل بتقديري إلى 200 أو 300 ألف أو أكثر –لا تتوفر لدي المعلومة الدقيقة، بوسع المؤرخين أن يبحثوا عنها- عندما حدثت كارثة من ذلك النوع، بعد "رقصة الملايين".

في عقد العشرينات ذلك أخذت الأسعار تنتعش من جديد شيئاً فشيئاً، ومعها الاقتصاد، إلى آخره، حتى حلّت كارثة أخرى، وهي كارثة أزمة عام 1929، عندما انهار سوق العملات في نيويورك.

حسناً، ألحقت تلك الأزمة الأذى بالولايات المتحدة، عشرات الملايين من العاطلين عن العمل، في العالم أجمع، بما فيه بلدنا طبعاً.

دامت تلك الأزمة عدة سنوات، واشتدت على نحو خاص اعتباراً من أعوام 1930 و1931 و1932 و1933. وصل الأمر بسعر السكر أن يبلغ سنتاً واحداً، لأنه بالإضافة للأزمة العالمية، فرضت الولايات المتحدة ضريبة على السكر، والسعر الذي وصل إليه هذا بلغ سنتاً واحداً.

ولكن، لاحِظوا جيداً، بوسع أي مؤرخ، أو بعض الاقتصاديين أن يجروا دراسات لتلك المرحلة لمقارنة قيمة السنت الواحد من الدولار أو قدرته الشرائية في أعوام الثلاثينات، وخاصة عامي 32 و33. توافق مع حكومة ماتشادو، وهي الحقبة التي تسمى "ماتشاداتو" [حكم ماتشادو]، وضع بالغ الشدة والصعوبة، وأوضاع الأزمة الحادة، مما ساعد، كما هو منطقي، على قيام الكفاح الاجتماعي والتمرد والعمليات الثورية.

حلّت عملية ثورية كبرى في بلدنا، بعد حروب الاستقلال؛ وهي العملية التي بدأت مع تلك الأزمة، في ظل نظام قمعي، دموي، وكالعرف العام، فاسد.

حسناً، تم في تلك الفترة تحقيق بعض المشاريع، الكابيتول، أي أنهم أنفقوا أموالاً في بناء الكابيتول، الذي هو اليوم مقر أكاديمية العلوم، وذلك بفضل قرض أمريكي. وبعد ذلك ظهرت ضريبة، على علبة الكبريت، وكذلك على منتجات أخرى، وذلك خلال سنوات طويلة، في سبيل تسديد تلك القروض.

كانت هناك مشاريع جيدة، كالأوتوستراد المركزي. وبعض المشاريع الأخرى التي كانت مفيدة، ولكن فيما يتعلق بالكابيتول فأنا أعتقد بأنهم قاموا ببنائه حتى بحجم أكبر ببوصة واحدة. لاحظوا إلى أي مستوى من التقليد والشوفينية وصل الأمر، لكي يكون أكبر من كابيتول واشنطن. أعتقد أن الكابيتول الذي عندنا هو أكبر من كابيتول واشنطن، أظن ببوصة واحدة. حسناً، نستطيع تأجيرهم إياه. لا بد من طلب إذن من أكاديمية العلوم، أليس كذلك؟ في تبادل للخدمات نستطيع تأجير الكابيتول الذي عندنا، الشقيق التوأم لكابيتول واشنطن. هذا هو مستوى التقليد الذي كان عندنا، ولكنها بعض من تلك القروض التي تم استلافها في المرحلة الأولى من تلك الحكومة، عندما لم تكن قد حلّت بعد أزمة 1929 الكبرى.

امتدت هذه الأزمة عملياً حتى عام 1940، حتى بداية الحرب العالمية الثانية تقريباً؛ وكانت الحقبة التي انتصر فيها رجل دولة، وهو روزفلت، في الولايات المتحدة. يمكن القول بأن روزفلت أنقذ الرأسمالية الأمريكية، وقد أنقذها عبر حقن الأموال للتداول، عبر تطبيق نظريات معينة لرجل اقتصاد معروف، تطرح بأن أحد أشكال الارتقاء بالاقتصاد هو توفير القدرة الشرائية عند العامة. وفي إطار النظام الرأسمالي، وعبر تنفيذ مشاريع عامة وسدود وبناء الكثير من المنازل، قام روزفلت بحقن أموال للتداول وبدأ برفع الأزمة شيئاً فشيئاً.

حتى أكثر النيوليبراليين تشدداً وجدوا أنفسهم توّاقين لتطبيق مثل هذه النظريات، وتم تطبيقها في بعض الأحيان. هذه النظرية نفسها الداعية لخفض الضرائب، وتم خفضها في الولايات المتحدة، وخاصة على أغنى القطاعات، هي نظرية مستلهمة من وجهة النظر القائلة بأنه مع خفض الضرائب على عشرات الملايين من العمال، ترتفع قدرة هؤلاء الشرائية وينمو الطلب على المنتجات، فيسيّرون المصانع. لا بد من الملاحظة الآن بأن الوضع الآن معقد جداً مع تنفيذ هذه النظريات، ولكن الأنباء التي تصل، بشكل عام، عن الاقتصاد العالمي هي أنباء سيئة جداً، والوضع الاقتصادي للولايات المتحدة هو وضع مجهول المستقبل؛ ولكن المبدأ هو حقن المال.

إذا ما قام روزفلت بذلك عبر البناء وإنفاق الموال في المشاريع العمرانية وفي نفقات عامة من كل نوع، إنما هم يفعلون هذا نفسه اليوم، على نحو ما، عبر خفض الضرائب؛ مع أنها ذات فائدة أكبر لأكثرهم ثراء، يعادل ذلك بكل بساطة إمكانية جعل الناس يمتلكون كماً أكبر من الأموال، لينعكس ذلك على شراء سيارات وبناء منازل، إلى ما هنالك، وكل تلك نفقات الترف التي تحولت إلى رمز للمجتمعات الاستهلاكية.

ما عاناه عمّالنا وشعبنا بشكل عام في سنوات الأزمة تلك هو مريع، لم ينسه بعد مرور عشرين سنة، وفي سنوات الخمسينات كان الحديث ما يزال جارياً عن أعوام "حكم ماتشادو"؛ لأن الناس تربط حكم ماتشادو بسنوات الجوع والبؤس الكبير، والذي، في الحقيقة، وبغض النظر عن مسؤولية الحكومات الفاسدة، كانت محصلة للأزمة الاقتصادية العالمية، وهي مرحلة ثانية من أزمة السكر. ولكن جاءت الحرب العالمية الثانية، وتحولت كوبا من جديدة إلى المموِّنة بالسكر، الولايات المتحدة في حرب في أوروبا والمحيط الهادئ، تتلقى مؤنها الرئيسية من السكر من كوبا. بالنسبة لما كانت عليه قيمته، كانت تلك الأسعار مُرضية بشكل معقول، فكانت صناعة يمكن تغطية تكاليفها وتحقيق الأرباح منها، أرباح طائلة، لأنها كانت مستفيدة من كوتوتات محددة تفضيلية بسعر أعلى من سعر السوق. لا أذكر تماماً، ولكن إذا كان سعره في السوق العالمي أربعة سنتات، فإن سعره هناك كان يبلغ ستة أو سبعة، لا بد من البحث عن معطيات كل هذا، ما يعني مداخيل هامة بالنسبة للبلاد.

كان لكوبا كوتة من السكر تبلغ ما بين ثلاثة وأربعة ملايين –معلومة أخرى لا بد من البحث عنها في سبيل الدقة-، وكانت الغاية من كفاح خيسوس مينينديز بالذات هي التوزيع الأفضل لنتائج تلك الأسعار التفضيلية، تلك الأرباح، بين العمال. بدأ هو وبرز كمناضل وقائد خالد لعمال قطاع السكر مطالباً بتوزيع أعدل لتلك المداخيل الهائلة، في سبيل أن يطال القطاع العمالي قدراً أكبر بقليل. ولهذا كان عندعمال قطاع السكر إيماناً حقيقياً بخيسوس مينينديز، الذي اغتيل لاحقاً على نحو غادر في عهد المكارثية.

الحكومة الدستورية التي خلفت حكومة باتيستا، قبل انتهاء الحرب العالمية الثانية، في عام 1944، وهي حكومة أستاذ في الطب، غراو سان مارتين، كانت تتكون من أناس كثيرين ممن برزوا في عام 1933 واكتسبوا شهرة ومكانة ما؛ ولكنهم في الحقيقية كانوا متلهّفين للوصول إلى الحكومة من أجل المضاربة والنهب عبر كل السبل الممكنة. عندما انتصرت تلك الحكومة، وكانت الحرب ما تزال في أوجها بعد، كان هناك نقص في السمن، وكثير من تلك المنتجات، كان هناك نوع من التقنين، وكان هناك من يقومون بصفقات كبيرة عبر كل تلك المنتجات المقننة. حل محل حكومة غراو حكومة بريجو، أعتقد أنها كانت في حدود الحكومتين اللتين شرعتا باغتيال القادة العماليين. وبما أن أبرز القادة العماليين كانوا قادة الحزب الاشتراكي الشعبي، وهو ما كان عليه الحزب الشيوعي، بدأوا بقتل القادة الذين يتمتعون بأكبر قوّة وأرفع مكانة وقدرة على التعبئة بين العمال، وبتصفية المسؤولين، وهو أمر شكّل جزءاً من السياسة المتبعة في بلدنا.

كانت تلك الحرب قد أكدت مجدداً بأنه لا وجود للبلاد بدون السكر. أتراها المرة الأخيرة؟ لا، كان ناقصاَ فصل هام من التاريخ، انتصار الثورة، وبما أنهم أرادوا خنقنا، أخذوا بتخفيض كوتة السكر حتى إلغائها كلياً، وفي سبيل تحقيق مزيد من دعم منظمة الدول الأمريكية –هذه القذارة!- ودعم البلدان الأعضاء في منظمة الدول الأمريكية، قاموا بتقسيم جزءاً كبيراً من كوتتنا البالغة كذا مليون بين البلدان الأمريكية اللاتينية. حلوى للجميع، كما كان يقول غراو سان مارتين.

لقد قسّموا كوتتنا بين جميع البلدان الأمريكية اللاتينية المنتجة للسكر، بل وأنهم أفادوا بعض البلدان الآسيوية، الفيليبين وغيرها، مع تقسيم كوتتنا التي كانت تحظى بأسعار تفضيلية، وتركوا البلاد بسكّرها كمصدر رئيسي لفرص العمل وأسعار عالمية طالما كانت دون مستوى تلك الأسعار التفضيلية. كان آنذاك أن بدأت مرحلة جديدة بالنسبة للصناعة السكرية، وبإمكاننا القول أفضلها جميعاً؛ لأنه عندما توقف أولئك عن شراء السكر –لم يكن ذلك دفعة واحدة- عرض السوفييت شراء مليون طن من السكر، وهي أول فائدة عادت علينا بها علاقاتنا مع المعسكر الاشتراكي، وجدنا سوقاً؛ في الوقت الذي أخذ فيه أولئك بالتخفيض، أخذوا هم بالشراء منّا، وعندما قاموا بإلغاء الكوتة كلياً، اشتروا منّا السكر بأسعار السوق العالمي.

لم تكن هناك أسعار تفضيلية خلال السنوات الأولى. بعد ذلك اشتدّت الحملة، الحصار. كان ذلك منذ الأشهر الأولى، خطط اعتداء وأعمال تخريب وغزو خيرون [خليج الخنازير]، إلى آخره. أعتقد أن هذا كان في عام 1961، أظن، لا أتذكر بدقّة اللحظة التي ألغوا فيها الكوتة كاملة ووجدنا سوقاً في الاتحاد السوفييتي. وفي وقت لاحق، بالقدر الذي أخذ يشتد فيه الحصار، وضعوا أيضاً سعراً تفضيلياً. بلغ حوالي سنتين اثنين خلال السنوات الأولى، وبالطبع، إذا كان يحدث تأرجح، وقد تميزت الأسعار في أحيان كثيرة بالتأرجح، فكانوا يدفعون لنا بأعلى سعر موجود في السوق العالمي. وصل إلى ستة، إلى ثمانية، إلى تسعة، وبشكل عام، كلما كان يحدث أحد هذه التأرجحات، كانوا هم يحافظون على السعر. على نحو بدأ فيه السكر بلعب دور أساسي، وكان يلعبه فعلاً.

حسناً، لم يكن السوفييت من المتعلقين جداً بالتدخين. كان التبغ يباع في أماكن أخرى. كنا نحن نبيع جزءاً من المنتجات ومن السكر أيضاً في السوق العالمي بحثاً عن عملة صعبة، وفي الاتحاد السوفييتي، ثم في بلدان اشتراكية أخرى لاحقاً في إطار التبادل التجاري الذي كان بيننا.

كان سلوك السوفييت ما فوق العادي. أتذكر أنه عندما حلّ هنا وباء غريب وكاسح بقصب السكر، أدى إلى خفض الإنتاج بشكل كبير، ولم يكن بوسعنا تنفيذ التزامنا؛ نفذوا هم جميع ما عليهم من التزامات من ناحية السلع المتفق عليها، حتى في الوقت الذي بالكاد استطعنا فيه تنفيذ ما يصل إلى 50% من كميات السكر التي كان من واجبنا تسليمها.

هكذا أخذت تمر السنوات. كانت العلاقات تزداد توطداً يوماً بعد يوم. كانوا يشترون منّا النيكل، منتجات أخرى؛ تم تطوير مزارع الحمضيات بشكل أساسي بغية تزويد الاتحاد السوفييتي. وهكذا حدث أمر ذو أهمية بالغة. عندما كنا نُبرم اتفاقية لمدة خمس سنوات كان يتم وضع أسعار المنتجات في ذات اللحظة، بغض النظر عن تلك الأمور التي يمكنها أن تحدث مع التأرجح. وعلى ضوء ظاهرة التبادل غير المتساوي، وهو الذي يسود في التجارة بين البلدان الصناعية والبلدان النامية، كنا نلاحظ القدرة الشرائية لطن واحد من السكر: في بداية الخطة الخمسة كانت كذا، وفي نهاية الخطة كانت تبلغ 80 بالمائة منها. أي أن عملتنا، وهي السكر، كانت تنخفض قيمتها، أو قدرتها الشرائية، لأن أسعار المنتجات الصناعية كانت ترتفع –وفي هذه الاتفاقيات يمكنك أنت أن تحدد سعر السكر، وبعض المنتجات، وليس آلاف الخطوط الإنتاجية. كنا نحن آخذين بالطرح أنه لا بد من إيجاد صيغة لتعويض ذلك، وهكذا توصلنا إلى اتفاق على ما سُمي سعر منزلق، أي أنه إذا ارتفعت أسعار المنتجات الرئيسية التي كانوا هم يصدرونها لنا، فإن سعر السكر يرتفع بنسبة مماثلة.

من الواضح طبعاً بأننا كنا نشتري مئات وآلاف الخطوط الإنتاجية من كل نوع، من منتجات غذائية، منتجات صناعية، جرارات، شاحنات، كل ما يمكن اقتناءه هناك؛ أجهزة استقبال تلفزيوني، غسالات، إلى ما هنالك، ومن يعرف أفضل من الشعب كل ما كنا نستورده. أعتقد بأنه تم توفير سلة من عدد من المنتجات السوفييتية، ومن بين تلك المنتجات النفط، لأنهم كانوا مزوّدينا بالنفط، وقد كان ذلك قبل أن يحدث ذلك الانفجار في أسعار النفط.

عندما انتصرت الثورة كان يبلغ 14 دولاراً سعر الطن، وليس البرميل؛ لعل سعر البرميل كان يبلغ دولارين.

على ضوء النزاع في الشرق الأوسط، في واحدة من تلك اللحظات، تم اتخاذ إجراءات رد. نشأت منظمة وارتفعت الأسعار بشكل كبير، حتى سعر أقصى بلغ، على ما أذكر، 35 دولاراً للبرميل الواحد –لا أذكر الآن العام بالضبط، لا بد من التدقيق-؛ أخذ بالصعود، والصعود، حتى عاد إلى الانخفاض لاحقاً، انخفاض بطيء، لسبب أو لآخر. ارتفع كثيراً إنتاج النفط. البلدان الصناعية بحثت عن بدائل.

فرنسا، على سبيل المثال، طوّرت خطة كهروذرية، حتى حققت إنتاج 80 بالمائة من الكهرباء اعتباراً من الطاقة النووية. وبعض البلدان كإيطاليا لم تبنِ محطات نووية، فقد كانت هناك مقاومة كبيرة، وآنذاك، حين كانت الكهرباء تفيض عند الفرنسيين، في ساعات الفجر، كان الإيطاليون يشترونها منهم بسعر أربعة سنتات للكيلواط الواحد من الكهرباء، كانوا يوقفون عمل المحطات الكهروحرارية ويستوردون الفائض من الطاقة عند الفرنسيين في تلك الساعات. نظراً لمواصفاتها الفنية، المحطات الكهرونووية لا يمكن وقفها بدون إطفاء المفاعل؛ وهكذا، يمكن وقف المحطات ظة في مصارفها ولا إمكانيات لتطوير تكنولوجياتها، ما فعلته هو أنها ازدادت مديونية على نحو ما فوق العادي، لأنه مع وجود قدر كبير من الأموال المودعة، القادمة من النفط، قامت المصارف بتسليفه لبلدان كثيرة، من بينها أمريكا اللاتينية. عندما انتصرت الثورة الكوبية، في السنوات الأولى، 1959، 1960، أعتقد بأن ديون أمريكا اللاتينية كانت تبلغ 5000 مليون دولار، لم تكن توجد ديون خارجية عملياً؛ ارتفعت هذه بعض الشيء عندما انتصرت الثورة وبدأ جيراننا في الشمال بتسليف البلدان وتقديم التسهيلات لها، وهي تسهيلات لم تكن قد قدمتها أبداً للبلدان الأمريكية اللاتينية من قبل.

عندما حلّت "رقصة ملايين" البترول، كانوا يعرضون أموالاً قادمة من البترول بدون الاستفسار عن شيء، وهكذا تم الإسراف وإنفاق أموال طائلة. ولكن هناك أمراً آخر يحدث في هذه البلدان الأمريكية اللاتينية: بما أن أموالهم، أية عملة كانت، وأي كان اسمها، بيسو، ريال، أي كان، جميعها غير مستقرة، وفي الآونة الأخيرة أكثر من أي وقت مضى، فإن الأموال التي تصل إلى هناك، أصحاب هذه الأموال يخافون من أن تنخفض قيمتها، ومن كان لديه ما يعادل 100 ألف دولار يتم تحويله له إلى 50 ألفاً، أو إلى عشرين ألفاً، أو إلى أقل من ذلك، وعليه فإن اتجاه الأموال التي كان يسلّفها أولئك كان العودة إليهم، سواء كان على شكل دفع بدل واردات أو كأموال هاربة. لاحظوا كيف يعمل الاقتصاد، أو كيف كان يعمل، لأن هذا لن يدم أكثر بكثير.

إنه مال النفط المحفوظ في مصارفهم، هذا المال المسلّف باتجاه الجنوب، ومن الجنوب إلى مصارفهم يعود. في كل واحدة من الدورات ما يأخذ بالبقاء هو البؤس، والمزيد من الفقر يوماً بعد يوم، والمزيد من عدم المساواة بين البلدان الفقيرة والغنية. درجة أن هذا الجزء من الكرة الأرضية، الذي لم يكن عليه ديون، يدين اليوم بحوالي 900 ألف مليون دولار، والكوارث، كالتي شاهدناها للتو في الأرجنتين أو في أوروغواي، وتهدد عدداً لا يحصى وسط هذه الأزمة الاقتصادية؛ لأن عليهم أن يخصصوا جزءاً كبيراً من الصادرات لتسديد هذه الديون الهائلة، التي كان لهم أن سددوها وهم يعاودون تسديدها، وبما أنها تزداد نمواً يوماً بعد يوم، يمكن لأي كان أن يتساءل: ماذا سيكون عليه مستقبل هذه البلدان؟ ليس على المرء أن يكون عالماً كبيراً بالتاريخ، ولا أقل من ذلك شأناً، ولا بالوقائع الاقتصادية، ليعي بأن ما بانتظارهم هو الأزمات تلو الأزمات، حتى تصبح الأزمات كونية ولا مفر منها في هذا الجزء من الكرة الأرضية.

ما لم يسبق له أن حدث، أنه في بلد كالأرجنتين، صاحبة رأسين من الماشية مقابل كل نسمة، وستون ملين طن من الحبوب، واكتفاء ذاتي من النفط وغيره، محروقات، ومستوى معين من التطور الصناعي، نصف السكان يعانون الجوع. هذا هو محصلة الرأسمالية التي تحولت إلى رأسمالية نيوليبرالية، ومن ثم العولمة النيوليبرالية تعود بهذه الأوضاع.

لا بد من سؤال منظّري الشمال، في أي مكان كان، والكاتدرائيين، كيف سيحلّون المشكلة؟ لأنه عندما يجدون متنفساً إنما هم يغرقون أكثر فأكثر. والأزمات، عبر هذا الطريق، سوف تزداد تكراراً يوماً بعد يوم. إذا افترضنا بأنهم تمكنوا من الخروج من الأزمة الحالية، كم سيدوم؟ لقد حدثت أمور كثيرة جداً خلال هذا العقد الأخير للاعتقاد بأنه يمكن حلول فترة نمو فورية؛ عندما يفكّر المرء بذلك، مقابل كل نموّ تأخذ الهاوية بالاتساع، النظام على مستوى البلدان الرأسمالية نفسها وعلى المستوى العالمي.

نحن –هذا البلد- محاطون اليوم بهذه الأزمة، إنه لمن المستحيل ألا تؤثر علينا بطريقة أو بأخرى؛ ولكن إذا ما قارن أي كان الوضع الحالي لبلدنا يجد وضع مدارس جديدة يتم فتحها، وعدد من التلاميذ في غرفة الصف الواحدة يتقلص، من 37 في العاصمة قبل أقل من سنتين، إلى عشرين أو أقل، لأن النسبة تقل عن العشرين؛ عدد كبير من البرامج الجديدة لتأهيل معلمين ناشئين، وتأهيل أساتذة ناشئين للمرحلة المتوسطة، والعمال الاجتماعيين ومدارس من كل نوع توفر للشاب فرصة إجراء دراسات جامعية، فرصاً لا حدود لها تقريباً؛ وفي ذات الوقت، فإن نسبة البطالة لا ترتفع، إنما تتقلص، وفي هذا السنة سنصل إلى ما نسبته ثلاثة ونصف بالمائة أو أقل.

يتم توفير مصدر لفرص العمل، من كل نوع، للشبان؛ كثيرون من الشبان الذين لم تكن لهم آفاق، وكان آباؤهم في قلق على مصيرهم، لأن العائلة لديها أملين، أو أن لديها أملاً كبيراً وقلقاً كبيراً: الأمل رقم واحد هو أن تتوفر لأبنائهم إمكانية الدراسة في الجامعات؛ والقلق رقم واحد هو أنه يمكن لأبنائهم، إن لم يدرسوا ولم يشتغلوا، أن ينحرفوا إلى طريق الجريمة ويمكن أن يعاقَبوا وينتهوا إلى السجن.

كل هذه الخطط التي يتم القيام بها مع عشرات الآلاف من الشبان تعني فرصة عمل في سن مبكرة نسبياً، معارف، كرامة، تقدير للذات، وإمكانية للأخذ بزيادة آفاقهم المستقبلية، وتقييمهم لنفسهم مستقبلاً والعرفان الاجتماعي. لقد رأينا ذلك.

مدرسةٌ تم بناؤها خلال ستة أشهر لألفي عامل اجتماعي في سنتياغو دي كوبا، قامت بتخريج دفعتها الأولى وتعدّ لتخريج الدفعة الثانية؛ مدرسةٌ في أولغين لألفي طالب آخرين، ومدرسةٌ هنا لألفي طالب، في هذه الحالة هي للتمريض، لأنه بدأ يلاحَظ نقص في عدد الممرضات في مدينة هافانا؛ يجري تنفيذ عشرات البرامج الاجتماعية، في خضم معركة الأفكار، وقد نشأت في خضم معركة الأفكار، لأن معركة الأفكار قد عززت الثورة وعادت عليها بتجربة ما فوق العادية.

مع رؤية ما يحدث في كل مكان والعمل في كل اتجاه، تم الأخذ باكتشاف إمكانيات وإمكانيات جديدة، من أجل تلبية حاجات وحاجات جديدة، أو على الأصح حاجات قديمة، البعض منها لم يكن حتى معروفاً.

من شأني أن أطيل كثيراً إذا شرحت لكم البرامج الاجتماعية وما تنطوي عليه من معنى.

لقد رأيت الكثير من الزوّار مندهشين، ممن كانت قد مُلئت رؤوسهم بالافتراءات والأكاذيب عن كوبا، وعياً منهم بأن هناك أموراً نحن آخذون بالتفوق بها على باقي البلدان، بما فيها المتقدمة؛ وسنسير قدماً، فهذا مفرّ، ولن يصلوا إلى ما نصل إليه.

لن يصلوا إلى ما نصل إليه في التعليم وفي الصحة، خدمة طبية ممتازة، وليس التي هي لدينا الآن، في لحظات عانت فيها البلاد وما تزال عواقب الفترة الخاصة وعواقب أخطاء أيضاً وعوامل موضوعية في رؤية بعض المشكلات؛ ولكن سوف يكون لدينا طباً ممتازاً.

إن الثقافة هي في ثورة، هناك انفجار ثقافي في البلاد، والفكرة التي يمكنها أن تبدو حلماً، بأن نكون البلد الأرفع ثقافة في العالم، بالمعنى الشامل للكلمة –كما قلنا للفنانين في قاعة "غارسيا لوركا"- قبل أيام قليلة-؛ بلد يملك ثقافة عامة متكاملة، لا تشمل فقط المعارف المهنية، وإنما المعارف المتعلقة بالعلوم والآداب والعلوم السياسية. سيكون هذا البلد، وبهامش واسع –وفي بعض الأمور أصبحنا عليه فعلاً-، البلد الأرفع ثقافة في العالم.

نمتلك اليوم رأسمالاً بشرياً، وهو الأمر الجوهري، أكبر من أي بلد متقدم في العالم. ليس بوسعهم هم جمع 500 ولا 1000 شخص من أجل إرسالهم إلى أمريكا الوسطى. ليس بوسعهم جمع 1000 طبيب. أوروبا والولايات المتحدة معاً لا تجمعان حوالي الثلاثة آلاف طبيب وعامل في مجال الصحة الذين لكوبا في 21 بلداً من بلدان العالم النامي؛ ولا تستطيعان أن تمتلكا مدرسة كمدرسة العلوم الطبية، بطلابها الستة آلاف، معظمهم قادمين من مناطق فقيرة من أمريكا اللاتينية، بالإضافة لألف آخرين قادمين من حوض الكاريبي ومناطق أخرى.

وهكذا فإن بلدنا اليوم، وسط هذه الأزمة، لم يضطر لإغلاق مدرسة واحدة ولم يضطر للتضحية بأي من الخطوات، بأي من البرامج الآخذ بتنفيذها، في حين نشاهد الكارثة المحيطة بنا من كل ناحية.

أتحدث إليكم بتفاؤل؛ ولكن ليس بوسعكم تصور الإمكانيات التي يتمتع بها بلدنا، إذا ما صنع الأمور كما يجب صنعها. لم يسبق لي أبداً أن رأيت كل هذه الإمكانيات، التي سوف تدمر مرة واحدة وتقضي على الافتراءات والحملات التي تستهدف كوبا، وستوطّد أركان بلدنا في كل الميادين، وستأتي اللحظة التي يتحول فيها هذا الرأسمال البشري الهائل إلى ثروة اقتصادية. لن أتوقف لشرح السبب، ولكننا نعرفه تماماً.

لقد تحدثت إليكم عن الوضع الذي نشاهده وتناقضه مع وضعنا؛ وعندما أقول صنع الأشياء التي يجب علينا صنعها، هنا، في هذا الحفل، إنما للأمر علاقة وثيقة بهذه الأفكار، وما من واجبنا أن نفعله هو واضح جداً.

بوسعي أن أذكر لكم معلومة، ماذا كانت عليه الخطة في وضع الأزمة الكبيرة هذه. أولاً، هناك أمر يجب أن نتذكره: انهار المعسكر الاشتراكي وانهار الاتحاد السوفييتي ومعهما سكّرنا، الذي وصل سعره في لحظة معينة إلى 40 سنتاً من الدولار –ما يعادلها طبعاً بالروبل، الروبل والدولار-، أربعين سنتاً من الدولار، للجزء الأكبر منه، وهو الجزء الذي كنّا نصدّره إلى الاتحاد السوفييتي، بلغ هذا السعر، ففي بلدان اشتراكية أخرى كان سعره أقل من هذا طبعاً. كان عند السوفييت مورداً يدفعون به، هو بشكل أساسي النفط؛ وباقي الدول الاشتراكية قدّمت أيضاً أسعاراً تفضيلية حسب إمكاناتها، 15 سنتاً –وكان هذا سعراً ممتازاً-، وجزءاً كنا نبيعه في السوق العالمي. مع تحول الاتحاد السوفييتي إلى مستهلِك كبير للسكر المستورد، كان لهذا أثراً كذلك في الأسعار وأثره في الأسواق.

انخفض بعض الشيء في لحظة معينة، لأن سعر النفط بدأ بالانخفاض، مع أننا كنا ندافع بشدة عن السعر الذي وصل إليه، استناداً إلى مبدأ أن الاشتراكية تعني أولاً السعي لتنمية البلدان الأقل نمواً ضمن المجموعة الاشتراكية.

وهذا المبدأ طبّقه حتى الرأسماليون في أوروبا، المجموعة الأوروبية. فقد كان من بين أعضائها بلداناً كالبرتغال وإسبانيا وغيرهما يمكن للناتج مقابل الفرد فيها أن يبلغ نصف ما هو عليه في بلدان أخرى، فاتحدوا، وأقاموا صناديق لمساعدة هذه البلدان الأقل نمواً من أوروبا، وذلك في سبيل الأخذ بتحقيق التقارب بينها سعاً لإقامة المجموعة الأوروبية، التي هي واقع، وتصدِر اليوم العملة الوحيدة القادرة على منافسة الدولار. كان الدولار من قبل هو كل شيء والوحيد، والآن يوجد اليورو؛ سنرى كيف تسير عليه العملية، إذا ما تعزز اليورو وتحوّل إلى منافسٍ فعلي، قوي، للدولار. آنذاك، الأموال التي تهرب لن تذهب إلى الدولار فقط.. ستظل تهرب طبعاً، لأنه ليس هناك من وسيلة لمنعها من الهروب، ليس فقط بسبب الفساد، وإنما لأن النظام يدمّرها ويجبرها على ذلك، ولأن صندوق النقد الدولي يجبِر على حدوث ذلك لها، على أن تسدد ديوناً، وتغلق مدارس، وتغلق مستشفيات، وعلى الابتزاز المتواصل الذي يُخضِعون له البلدان من أجل منحها قرضاً. هذه هي الحقائق التي لا يستطيع أحد أن ينفيها.

هناك حائز شهير على جائزة نوبل أصدر كتاباً للتو يروي فيه أموراً لا تصدّق، وكان هو أحد كبار مسؤولي البنك العالمي، يتحدث عن النظام الاقتصادي القائم؛ وليس هذا الكاتب خصماً، ليس ماركسياً، إنه رجل اقتصاد أمريكي حائز على جائزة نوبل. يستحق الأمر الحديث والتعليق على ما يقوله، إنه أمر لا يصدِق، وليس أنه جاء بنظرية جديدة عما يجب فعله، إنه يتحدث عن الفظائع التي يقومون بها وما يزالون والتي تؤدي إلى الهاوية.

يجدر التساؤل ما إذا كان الأكثر منطقية، وهو الأمر الوحيد تقريباً الذي يمكن التساؤل بشأنه: إذا ما كان مثل هذا النظام يستطيع التخلص من مثل هذه المناهج. سيتوجب عليه في هذه الحالة أن يختفي من الوجود. هذه هي القوانين. الطرق؟ سوف تكون متنوعة جداً؛ ما تزال قيد الظهور، هناك ترسانة من الصيغ والأساليب. في الأرجنتين غيّروا الحكومة مرتين أو ثلاث؛ وفي إندونيسيا، كما تعرفون، وقعت أزمة اقتصادية، كانت الشرطي، جيش جبار يدعمه الغرب، وكانت ثروة رئيس تلك الحكومة تبلغ 40 مليون دولار.

سيتعلم الشعب وسيتخذ إجراءاته، في بعض الأماكن، العوامل الذاتية. لاحظوا أنتم، على سبيل المثال، نسبة الأصوات التي حققها لولا؛ والآن تأتي الأنباء من الإكوادور، حيث يشغل مسؤول يعتبر راديكالي، عسكري أصلاً، وكان متهماً بأنه متعاطف كبير مع شافيز، المكان الأول في الانتخابات الأولية. أتصوّر بأن يجتمع كل العالم الآن من أجل محاصرته، ولكن هذه الظواهر لم تكن تشاهَد من قبل.

سنرى ماذا سيحدث في أوروغواي، بطريقة أو بأخرى، عبر الطريقة الأرجنتينية أو عبر الطريقة البرازيلية يتم الوصول إلى الحكم. لا تظنّن بأن هذا يعني ثورة، يعني وصول قوى شعبية وتقدمية إلى مواقع السلطة؛ وسوف تصطدم باقتصاديات تبلغ من التقيّد والاعتماد على كل هذه الصيغ المخترَعة مما لن يجعله بالأمر السهل أبداً، فلا يمكن توقع حدوث ثورة أو تغيرات راديكالية فورية؛ لا، لا، سيبدأ نضال الشعوب، وسيكون لدى الشعوب وعياً أكبر، ومعارف أكبر، في كل يوم.

في هذا الكفاح من أجل تغيير هذا النظام الاقتصادي، سيكون هناك مواطنون كثيرون من البلدان المتقدمة ومواطنون أمريكيون كثيرون، ممن سينظمون أنفسهم عبر شبكة إنترنيت. مواطنون كنديون وأمريكيون لاتينيون ومن بلدان متقدمة أخرى، بدعم من مثقفين ومكافحين أمريكيين لاتينيين، قاموا بتنظيم نضالات كبيرة في سياتل، في كيبيك، وفي مدن أمريكية أو أوروبية أخرى؛ عندما يكون هناك اجتماع لصندوق النقد الدولي أو للبنك العالمي إنما تكون ما فوق العادية المقاومة المتزايدة، التي كانت آخذة بالنمو حتى ما قبل الأزمة، وذلك قلقاً من الكوارث الطبيعية، ودمار البيئة، وهم أناس وعوا الفقر والجوع الموجودين في العالم، في عالم يعيش فيه اليوم 6300 مليون نسمة ويعاني مشكلات جدية من كل نوع.

ماذا سيفعل هذا العالم؟ لا يستطيعون أن يشرعوا بإلقاء القنابل الذرية عليه. هذا العالم يضغط باتجاه الهجرة إلى البلدان المتقدمة، في ما يشبه الغزو بالمخاطرة بالحياة. على الحدود المكسيكية وحدها يقدَّر بحوالي 500 عدد الذين يموتون سنوياً أثناء محاولتهم للهجرة. الضغط باتجاه الهجرة سيزداد لأنه لن يكون له خياراً آخر غير تنمية العالم الثالث، ولا شيء مما يجري صنعه اليوم يساهم في ذلك، وإنما على العكس، يؤدي إلى جعله أكثر فقراً يوماً بعد يوم، وإلى اتخاذ إجراءات لاستغلاله الأكبر يوماً بعد يوم.

وعي ملايين من الأشخاص، في البلدان المتقدمة نفسها، أخذ يتبلور حيال حجم وخطورة المشكلات والمخاطر التي تتهدد العالم.

قمت بهذا الشرح من أجل توفير رؤية أوضح بعد لما يقوم هذا النظام بإنتاجه، وكيف أن بلدنا، بنظامه السياسي، هذا الشعب الموحّد الذي صوت اليوم، يسير رابط الجأش نحو المستقبل. يمكن، على سبيل المثال، ملاحظة ظاهرة؛ كان في قوائمنا الانتخابية في كثير من الأحيان سجل فرعي، فمن كان يتواجد في الخارج لم يكن مسجلاً؛ حسناً، عدد الأشخاص الذين تسجلوا فوق عدد المسجلين في الانتخابات السابقة، قبل سنتين، وصل إلى 300 ألف ناخب، إنه نمو استعراضي!

روى لي سايز عن أكثر من 98 بالمائة من المواطنين المسجلين ممن أدلوا بأصواتهم، ومن المعروف أنه سقطت أمطار في يوم الانتخابات. في مدينة هافانا نفسها، حدثت يوم أمس واحدة من أكبر الزوابع التي شاهدتها؛ وعلى خلاف المحافظات، أمكن لهافانا أن تصل عند منتصف النهار إلى حوالي 80 بالمائة؛ كثيرون من الأشخاص كان لهم أن أدلوا بأصواتهم في ساعات العصر؛ ويوم أمس طبعاً كانت الأمطار أكثر غزارة. حسب المعطيات المتوفرة لديّ، أعتقد أنه بالرغم من ذلك أُغلقت الصناديق بتصويت 95.6 بالمائة. عدد الأشخاص المسجّلين الذين لم يصوّتوا بلغ 4.4 بالمائة؛ ولكنها كانت ممتازة المشاركة والحماس.

قيل لي بأنه صوّت في أرتيميسا أكثر من 99 بالمائة من المسجّلين. إنه أمر لا يصدّق (تصفيق). إنها وحدة شعبنا، تربيته العامة وثقافته السياسية، نظامه الاجتماعي العادل، أو الذي يحاول أن يكون عادلاً، يحاول أو سيحاول دائماً أن يكون أكثر عدالة يوماً بعد يوم.

نعرف تماماً الفوارق التي جلبتها الفترة الخاصة بين غيرها من الأمور؛ ولكن لا شيء من هذا يمنعنا من تنفيذ البرامج الاجتماعية، التي يمكن إيجازها بعبارة واحدة، لنقل: ابن أي عائلة كوبية يتلقى تعليماً أفضل من أبناء المليونيرين والمليارديرين الأمريكيين.

ها هو التعليم عندنا، وهو في طور إصلاح وارتقاء، لأنه ما يزال يعاني كثير من الثغرات، حتى بثغراته –وهي كثيرة، نحن نعي ذلك، ونعرف أيضاً كيف سنحل هذه المشكلات-، يتم في المرحلة الابتدائية توفير كل الظروف اللازمة لتحقيق الجودة المثلى. لم يعد هناك إلا 2.6 بالمائة من تلاميذ المرحلة الابتدائية في غرف صف يتجاوز عدد تلاميذها العشرين. يجب حل هذا الوضع، يجب أن تصبح هذه النسبة في العام الدراسي المقبل صفراً؛ ومدينة هافانا التي كانت صاحبة أكبر عدد من التلاميذ في غرفة الصف الواحدة –حوالي 40، وفي المئات منها ما بين 40 و50 تلميذ في الصف الواحد-، لديها الآن معلماً واحداً وغرفة صف لعدد من التلاميذ لا يتجاوز العشرين. لاحظوا كم هي عملاقة هذه القفزة! التي تحلم بها البلدان المتقدمة ولم يحققها أي منها، ولن يحققها، لأنهم لن يجدوا داخل النظام الرأسمال البشري. لن يستطيعوا خلق الدوافع التي دفعنا بها آلاف وآلاف من الشبان لكي يصبحوا معلمين ناشئين أو أساتذة ناشئين. نعكف الآن على العمل في المرحلة المتوسطة، وهكذا صعوداً.

إن التمكن من قول هذا هو أمر لم يحققه إلا بلد واحد وحيد في العالم، بلد من العالم الثالث، بل ومحاصر منذ أكثر من أربعين سنة، ومعرّض للعدوان، والتهديد، وخاضع لأعمال تخريبية، وللإرهاب، نستطيع القول حتى موعد حديث العهد.

ذكرت لكم، على سبيل المثال، حال الأطباء. أعود للتأكيد بأن وضعنا مختلف.

شرحت لكم بأنه لا بد من العودة بالإجراءات المتعلقة بالسكر إلى التاريخ من أجل الوصول إلى ما وصل إليه هذا، الذروة ما فوق العادية للثروة، القادمة من الصناعة السكرية. عند حدوث الانهيار، لاحِظوا أنتم بعض المعطيات: حتى عام 1992 كان سعر السكر في السوق العالمي يبلغ 9.04 سنتاً، وبلغ الإنتاج في ذلك العام سبعة ملايين طن. كان قد انهار الاتحاد السوفييتي واختفى من الوجود؛ وقبل ذلك الموعد كان قد خفّض الأسعار إلى 500 روبل ثم نزل بالسعر التفضيلي إلى صفر. عندما اشتروا بعض الكميات إنما اشتروها بسعر 9 سنتات. كان لا بد من البحث عن أسواق والبحث عن كل شيء. طبعاً، كانت قد حلّت التخفيضات، فعدد كبير جداً من المنتجات لم يصل في عام 1992؛ ولكن بهذا السعر كان الإنتاج السكري ما يزال مربحاً، بربح أقل بكثير جداً، ولكنه كان ما يزال مربحاً.

ماذا كان عليه سعر النفط في عام 1992؟ كان يبلغ 15.99. إذا كان سعر النفط 15.99 وسعر السكر حوالي 9 أو 10، ما يزال مربحاً.

انخفض الإنتاج على نحو فجائي إلى أربعة ملايين. تم الشروع بجهد من أجل رفعه من جديد، وكان ذلك صعب جداً. بدون محروقات، بدون أسمدة، بنقص كبير في اللوازم، كان من الصعب جداً العودة إلى تحقيق ذلك الرقم. على العكس، انخفض أكثر، ووصل في لحظة معينة إلى ثلاثة ملايين؛ غير أن بذل الجهود لم يتوقف.

ما دام قد انخفض في عام 1993 من 7 إلى 4. كان سعر النفط آنذاك يبلغ 14.25؛ والسعر العالمي للسكر 10.24. كان قد صعد أكثر من نقطة واحدة بقليل.

جاء العام 1994. سعر النفط 13.19؛ سعر السكر ما معدله 12.04.

في عام 1995 بلغ سعر النفط 14.62، كان قد صعد قليلاً، وسعر السكر 12.04.

في عام 1996 بلغ سعر النفط 22 دولاراً للبرميل الواحد، وانخفض سعر السكر إلى 11.41.

وفي عام 1997 انخفض سعر النفط قليلاً فوصل إلى 20.61؛ وسعر السكر 11.36.

وفي عام 1998، عاد سعر النفط لينخفض إلى 14.19؛ وانخفض سعر السكر إلى 8.77. أي أنه اعتباراً من تلك السنة، كان سعر السكر طيلة الوقت أكثر انخفاضاً من سعر النفط، الذي ارتفع في تلك السنة إلى 19.32.

كان قد انخفض في عام 1999 إلى 6.14 في حين كان سعر النفط ما يزال 19. وفي عام 2000 بلغ سعر النفط 30.35؛ وسعر السكر 8.14.

اعتباراً من تلك اللحظة، وباستثناء عام 2002 حيث انخفض إلى 19.32، حافظ النفط على سعره ما بين 20 و30 دولاراً. على سبيل المثال، في عام 2001: سعر السكر 8.36، وسعر النفط 25.85.

في عام 2002، الموسم السكري الماضي، بلغ معدل سعر السكر 7.43. ساهم هذا في خلق وضع غير قابل للديمومة: سعر النفط في ارتفاع وسعر السكر في انخفاض.

هناك ظرف يجب أخذه بعين الاعتبار: في عام 1959-1960، بعد انتصار الثورة، بعائدات كل طن من السكر، بسعر السوق العالمي، كان بالإمكان شراء ثمانية أطنان من النفط.

واليوم، بالأسعار الحالية، التي قاربت من الثلاثين، يحتاج الأمر لطنين اثنين من السكر من أجل شراء طن واحد من النفط.

ولكن، بالإضافة لذلك، بالكاد كان السكر آنذاك يستهلك نفطاً. فتطور الثورة أرغم على مكننة قطع السكر؛ أولئك الذين كانوا يعتاشون من قطع قصب السكر اضمحلوا كلياً، احتاج الأمر لحشد جماهير قوامها الآلاف من القاطعين ممن قدموا من المدن قبل أن تظهر آلات مكننة المحاصيل.

ما دام كل شيء قبل الثورة كان يتم يدوياً. فباستثناء بعض المزارع التي كان عندها جراراً أو شاحنة ما، كل قصب السكر كان يُقطع يدوياً؛ لم يكن الإنسان يستهلك نفطاً لقطع القصب. رفع القصب، نظيفاً، كان يدوياً؛ لم يكن يحتاج الأمر لنقله إلى أي من مئات مراكز الجمع الموجودة في البلاد والتي تنظّف القصب الذي تقطعه الآلات، فتزيل القش، وهي مستهلكة للطاقة. أي أن قطع القصب ورفعه ونقله ومعالجته وجزء كبير من المحصول كان يتم يدوياً وبواسطة الثيران؛ فؤوس كبيرة كثيرة في شهري تموز/يوليو وآب/أغسطس، ويفيض عدد الناس الذين يريدون فعل ذلك كله. كانوا يبكون سعياً للقيام بما كانوا يسمونه "الضبط" من أجل تنظيف كذا هكتاراً من قصب السكر، كانوا يتضرعون طلباً للعمل، الوقت الميّت، وتنظيف قصب السكر على اليد.

ثم جاءت المعدات. كانت الآلات والشاحنات ترصّ الأرض، وتأتي معالجة الأرض؛ المنتجات الكيميائية من أجل القضاء على الأعشاب، باهظة الأسعار، مكلفة؛ الأسمدة لكي تحافظ الأرض على قدرتها الإنتاجية.

في يومنا هذا، يرفع إنتاج طن واحد من السكر بأسعار النفط هذه ما نسبته 40 بالمائة على الأقل كلفة الطن الواحد من السكر بالعملة الصعبة القابلة للتحويل. وهكذا، ماذا كانت الخطة؟ في الخطة الأولية كان يُعتزم الوصول إلى أربعة ملايين في عام 2002، أي هذه السنة؛ ولكن قبل ذلك جاء إعصار جبّار قضى على القصب، قطعه. في محافظات هامة، كهافانا وماتانزاس وفيجا كلارا وسيينفويغوس وسانكتي سبيريتوس، قلب بشكل متفاوت قصب السكر وحطّمه برياحه البالغة أكثر من 200 كلم.

يضاف إلى كل هذه المشكلات الذي ذكرتها، وهي ذات طابع تاريخ واقتصادي، أننا نعيش في جزيرة، حيث يمكن وجود فترات جفاف قوية، وأحياناً فيضانات هائلة –التغيرات المناخية في بلدنا واضحة للعيان خلال العقود الأخيرة-، أو أعاصير.

إنه أمر لا يصدق بالفعل أن نشهد مرور إعصارين هذه السنة، في ذات المسار، الفارق بينهما عشرة أيام، قضيا على الحمضيات في جزيرة لا خوبينتود وفي بينار ديل ريّو؛ وعلى الأرض، دمّر كل شيء؛ بالكاد كان الوقت كافٍ لتحميله، حتى بالرفوش، في بعض الشاحنات، وحمله إلى المصانع؛ وذلك من أجل الحصول على 10% من قيمته.

عندما مرّ الإعصار الأول، كان الطن الواحد من الكريب فروت يباع بألف دولار. بما أنزله هذا الإعصار من حمضيات، إنما جرّد البلاد مما يتراوح بين 15 و20 مليون دولار، لأن هذا الكريب فروت ينمو في وقت مبكّر، في موعد لا يستطيع أحد فيه توفيره في السوق.

خلال عشرة أيام هبّ إعصاران. لقد شاهدتم أنتم الحشود التي توجهت إلى بينار ديل ريو، لأن علينا الآن أن ننقذ محصول التبغ. لقد ضغط هذا، وكثيراً، على الاحتياط في البلاد، من المنتجات ومن كل شيء؛ ولكننا قلنا لهم في بينار ديل ريو: "لا تنزلنّ عن هذا الرقم، كمية من المواد، وتعويضها لهم؛ لا تنزلنّ أبداً عن هذا الرقم، لأنه يمكن لإعصار آخر أن يأتي". هذا ما قلناه في بينار ديل ريو مع عبور الإعصار الأول، وبعد عشرة أيام ذهبنا إلى بينار ديل ريو من جديد. كان قد عبر الإعصار الثاني، ومع عبور الإعصار الثاني، من جديد: "لا تخفضنّ الحدّ الأدنى من هذه الاحتياطات"، ولو كان من أجل الإسعافات الأولية، أخذ شيء من السقف أو من الغذاء. هناك احتياط من المواد الغذائية لهذه الأوضاع. وكان هناك إعصار رابع يهددنا.

الموقف الذي نتخذه حيال أوضاع صعبة هو دائماً ذات الموقف، نتعامل معه وكأنه قد حدث ونعكف على التفكير بما يتوجّب فعله. كنّا نعتقد بأننا سنذهب ضحية إعصار رابع خلال سنة واحدة، وذلك في لحظة يوشك فيها على الإنتهاء -لأنه يُنجز بعد أيام قليلة- برنامج إعادة بناء كل المساكن، ترميم وإعادة بناء أو بناء 160 ألف مسكن قام بإهدائنا إياها الإعصار "ميشيل"، كان علينا أن نشرع بترميم المنازل التي ضررها هذا الإعصار؛ أي أن ظروفنا المناخية تشكل دائماً خطراً ضمن برامجنا لإنتاج القصب والسكر، وعندما يمرّ إعصار يجب أن تُقطع يدوياً كمية كبيرة من هذا القصب. إنني أتكلم عن أمور موضوعية.

ثم عندما يرتفع سعر النفط، إنما تنشأ مشكلات. على سبيل المثال، ماذا كانت عليه خطة الإنتاج؟ أربعة ملايين طن من السكر. برنامج المستلزمات: 412 مليوناً. المداخيل مقابل ال‍ 2.9، بعد فصل السكر المخصص للاستهلاك: 433 مليوناً. على نحو يجعل في هذه الحال عمل 450 ألف عامل مباشر، ومليوني هكتار وكل الرأسمال المستثمَر في الصناعة والآلات، والحاصدات والشاحنات، تعود على البلاد بحوالي 30 مليون دولار. بالمستوى الثقافي والمعرفي الذي يتمتع به بلدنا، إنما هو أمر يُفهم بأنه مأساوي.

ما دمنا في الحديث عن الأسعار، من واجبي أن أقول لكم كيف سارت عليه في هذه السنة نفسها: في شهر كانون الثاني/يناير 7.43؛ معدل سعر النفط حتى الآن هو 26.95، ولكنه يواصل صعوده، والتهديدات بشن حرب في الشرق الأوسط –سيخوضون الآن حرباً في العراق-، يمكنه أن يرفع هذه الأسعار بشكل كبير. لا أحد يعرف، لا تتوفر الظروف لأحد لكي يقول ماذا سيحدث في حال وقوع حرب في العراق، إن كان السعر سيصبح أربعين دولاراً. لقد تم إعداد خطط طوارئ تتعلق في حال الصعود المفاجئ للأسعار، فوق الثلاثين، يتم بموجبها وبشكل جوهري تأمين الخدمات الأساسية، الغذاء، الكهرباء، الكثير من الأمور، والقول: فلنتمترس هنا بانتظار أن يمر شهران أو ثلاثة أو أربعة، لأنه يضحي وضعاً بالغ الصعوبة، ليس بالنسبة للسكر، وإنما بالنسبة لجميع الخدمات الاقتصادية.

لا ينبغي النسيان بأن العمل الإرهابي المرتكب في نيويورك وجه ضربة قاسية للسياحة، التي كانت تعاني من بعض التقلصات في النمو، لأن سعر النفط كان قد رفع تكاليف السفر، ومعظم السائحين الذين يأتون إلى كوبا يسافرون من على مسافة 8 آلاف أو 9 آلاف كيلومتر، فمعظمهم يأتي من أوروبا أو كندا؛ وارتفاع أسعار النفط يرفع أسعار تذاكر السفر، وهذا يؤثر. ولكن، إلى جانب هذا هناك أزمة اقتصادية كانت آخذة بالحدوث أصلاً، كانت واضحة منذ عام 2001، أزمة دولية، وهذا يلحق الأذى أيضاً بالرحلات السياحية.

على نحو أخذت السياحة فيه بالنمو خلال كل هذه السنوات الصعبة بنسبة تبلغ حوالي 20%، وفجأة انخفضت إلى 15 بالمائة، وضربة قوية لحقت أيضاً بصادرات أخرى، صادرات التبغ نفسها.

كنت أذكر لكم كيف سار عليه حال السكر هذه السنة: كانون الثاني/يناير 7.43؛ شباط/فبراير 6.25؛ آذار/مارس 6.06؛ نيسان/أبريل 5.75؛ حسناً، كان أمراً لا بد منه في نيسان/أبريل اتخاذ قرار عاجل، فالبرنامج المعد لزراعة 20 ألف كاباجيريا* كان أمراً مستحيل التطبيق، كان من شأنه أن يتحول إلى دمار، بدا ذلك واضحاً.

إذا ما درست وجود السكر في السوق، تجد بأن تلك الاتفاقات لحماية أسعار الصناعة كانت قد اختفت مع النيوليبرالية والعولمة الليبرالية؛ فقد حدث لها ما حدث للاتفاقات المتعلقة بحماية أسعار البن، وبلدان أمريكا الوسطى التي تعتمد كثيراً على جناية البن، على سبيل المثال، هي في كارثة. أي أن منتجات التصدير الأساسية للبلدان قد عانت مشكلات جدّية.

كان في شهر نيسان/أبريل أن تم اتخاذ قرار على نحو عاجل، فلم يكن بالإمكان إضاعة أسبوع واحد، لم تكن تظهر أية آفاق غير تقديرات للأسعار في العام المقبل أدنى بكثير. تصوروا لو أننا زرعنا 20 ألف كاباجيريا… وقد كان هناك ثمانية آلاف قد هيِّئت وزُرع جزء منها، حسناً ولكن لم يكن بالإمكان زراعة كاباجيريا واحدة إضافية في تلك اللحظة. بدأنا حينها بالتوفير، لأن النفقة التقديرية، التي كانت ستصل إلى 412 مليوناً –وهي النفقة المفترضة لعام 2002-، بدأ اتخاذ إجراءات صارمة لتقليص المحروقات.

لا تنسوا أيضاً بأنه في شهر نيسان/أبريل وقعت محاولة انقلابية فاشية في فنزويلا أوقفت عمليات التزويد، وقد امتد ذلك لعدة أشهر. وكان لهذا آثاراً ضارة أيضاً، فاضطر الأمر لإنفاق المزيد من الأموال في شراء النفط؛ فالموارد المتوفرة عليك استثمارها في أوضاع كهذه، في حل مشاكل حيوية. وكان حينها أن تم اتخاذ القرار بإعادة هيكلة الصناعة السكرية.

ماذا يعني ذلك من الناحية الاقتصادية –هذا أمر هام جداً-، ما نقوم به نحن؟ حيال الآفاق التي تنتظر منتجاً ما لا تبدو أمامه إمكانيات كبيرة، وحيث المضاربون أيضاً هم أصحاب هذا السوق، لا يمكن لأحد أن يكون واثقاً من أي سعر.

يجب أن يضاف إلى الإنتاج الفائض: لدى الهند عشرة ملايين طن احتياطي، رفعت إنتاجها إلى أكثر من عشرة، إلى أكثر من 15، لا بد من التحديد الدقيق لبعض المعطيات؛ قال لي البعض بأن الإنتاج في البرازيل يصل إلى 20 مليون طن. القصب الذي كانوا قد زرعوه في لحظة معينة من أجل إنتاج الكحول، لأن سعر النفط كان مرتفع جداً –ففي الفترة التي وصل فيها إلى 35 دولاراً للبرميل الواحد، كما ذكرت لكم، زرعوا كميات كبيرة من القصب من أجل إنتاج الكحول بدلاً من البنزين، لأن سعر البنزين كان يبلغ 500 دولار-، وفيما بعد، حين أخذت أسعار النفط بالهبوط خلال فترة محددة، حوّلوا ذلك القصب إلى سكر.

والمكسيك أيضاً رفعت إنتاجها من قصب السكر؛ كان ينبغي أن تشتري الولايات المتحدة جزءاً ولم تشتره. أي أن بلداناً كثيرة رفعت إنتاجها، والوضع الذي تواجهه الآن هو وضع قاسٍ.

ولكن ليس في هذا فحسب يكمن ما يمكننا أن نسميه العدو الرئيسي للأسعار. فاعتباراً من الذُّرة، طوّرت الصناعة الغذائية الفروكتوز، وهو منتج طبيعي ذو قدرة أكبر على التحلية من السكر. أتذكر الآونة التي كانوا يتحدّثون فيها عن أقراص تُعطى للذين لا يستهلكون السكر، وأنها تؤثر على الصحة؛ في هذه الحالة لا يمكن قول ذلك، لأنها تأتي من منتج طبيعي، وهو الذُّرة. من ناحية أخرى، يستغلون ما فيه من بروتين وغيره من المنتجات. يتمتع بقدرة على التحلية أكبر بكثير وتبلغ كلفة إنتاجه نصف ما تبلغه كلفة إنتاج طن من سكر البنجر أو غيره.

وهكذا رأينا كيف أن السعر أخذ بالهبوط، أنه سائر باتجاه الهبوط، والهبوط، والآن، مع الأزمة الدولية، تجد البلدان الفقيرة نفسها مضطرة لاستيراد كميات أقل من السكر. لا تظهر آفاق مستقبلية، ليس هناك أي أساس منطقي للتفكير بأن السعر سيعاود الصعود والوصول ولو إلى 12.

لم يكن هناك من أمر منطقي آخر يمكن فعله غير أمر واحد: إعادة هيكلة الصناعة. ماذا يعني ذلك؟ بكل بساطة، اختيار أفضل مصانع السكر، مع أفضل الأراضي، التي تنتج أو يمكنها أن تنتج السكر بكلفة هي دون حتى الأربع سنتات. لقد تم من بين ال‍ 155 مصنعاً اختيار الواحد وسبعين التي تستطيع تحقيق هذا الهدف، استناداً إلى جميع الحسابات، والجهود التي يتم القيام بها، والعمل الذي أشار إليه أوليسيس هنا عن بنية الأصول [البذور]، إلى آخره، من أجل خفض هذه التكاليف إلى ما دون الأربعة سنتات؛ وإذا وصلت إلى أربعة ونصف، على الأقل لا تخسر أموالاً من مداخيل أخرى تحصل عليها البلاد. البلاد تصدّر سيجار، والبلاد تصدّر نيكل، والبلاد تتلقى مداخيل من السياحة، وتتلقى مداخيل من الخدمات، هناك مصدر للمداخيل عند البلاد تعتمد عليه لبقائها؛ ولكن عند الوصول إلى نقطة كهذه يستحيل التخطيط لزراعة 20 ألف كاباجيريا، يستحيل إنتاج السكر كما كنّا ننتجه حتى الآن.

لكن إعادة البناء لا تعني أمراً رضحياً، ليس ترك 71 من ال‍ 155، لا؛ إنما هي 71 مصنعاً حسنة الاختيار. ها هنا مصنع "لينكولن"، على سبيل المثال، 71 مصنعاً للسكر، و14 مصنعاً آخر للعسل، لإنتاج عسل ذي أبداه عمال القطاع السكري الذين اجتمعوا بهم، الصناعيين منهم والزراعيين، وذلك بعد الانتهاء من التنظيم الجيد للنشاط وحالما أمكن ذلك. تذكّروا أنه كان في نيسان/أبريل أن اتُّخذ القرار.

لا يلحق أدنى ضرر بأي عامل، وعلى العكس من ذلك، يستفيد على نحو كبير.

النتيجة الفورية أن البلاد توفّر 300 مليون دولار، إنه كالمساهمة بثلاثمائة مليون دولار في الاقتصاد. يتم التوقف عن إنفاق مائتين ويدخل 100؛ وإذا ما حدث صعود عابر للسعر، من شأن هذا الدخل أن يكون أكبر.

هذه المصانع الباقية لديها القدرة على إنتاج حتى أربعة ملايين طن؛ بل وأنه إذا كان من الملائم نتيجة ارتفاع للسعر، يمكن للمصانع التي تنتج العسل أن تنتج السكر. نعرف ما ينتجه كل هكتار من الأراضي، إذا ما رُويت، وإذا ما استخدمت أسمدة ولديك ما يكفي من أجهزة الكمبيوتر، أو لدينا جميعاً قدرة كافية على إجراء حسابات لنعرف بأننا نضع نفسنا في وضع لا يمكن أن ينجم عنه أي ضرر، وعلى العكس من ذلك، يمكن استغلال أي ظرف ملائم.

قلت لكم بأن هذا الحدث تاريخي. حسناً، قبل ذلك أردت أن أقول شيئاً. إن إعادة الهيكلة لا تعني اندثار الوزارة ولا أقل من ذلك شأناً، ولا مئات الآلاف من العمال الرائعين الذين هم على درجة قصوى من التنظيم وبكل ما يتمتعون به من وعي اكتسبوه على مدى التاريخ، وخاصة انطلاقاً من المراحل الثورية التي سبقت الثورة والنضال الثوري لبلدنا. إنه من العدل أن نسعى لأن تنتج هذه القوة للبلاد، للاقتصاد، أكثر بكثير.

الصناعة السكرية لن تختفي ولا أقل من ذلك شأناً، على العكس، سوف تطوِّر خطوطاً أخرى. أستطيع أن أذكر لكم، على سبيل المثال، بعضاً من المنتجات الهامة: السكر، ومن بينه، الستمائة ألف أو سبعمائة ألف طن التي نستهلكها نحن، والذي نستطيع أن ندّخر عبره أكثر من أربعين مليوناً. لاحظوا، هناك المداخيل التي يتم الحصول عليها عبر إنتاجه بأقل من أربعة سنتات ومواصلة العمل على تخفيضها أكثر، السكر الذي نستهلكه نحن، الذي لا يتم استيراده، نوفّر فيه أكثر من أربعين مليون دولار. سكرنا نحن، الذي نشتريه، ستنخفض كلفته على البلاد بقيمة 40 مليوناً في النفقات. لاحظوا الفوائد.

ستنتج طاقة. لقد حسّنت الصناعة بشكل كبير إنتاج الطاقة عبر فضالة القصب. العسل النهائي، إلى جانب الأربعة عشر مصنعاً لإنتاج العسل. ستقوم المصانع الواحد وسبعين بإنتاج ما عليها من نسبة مئوية من العسل. عسل مخصّب، وهو عسل آخر، ليس العسل النهائي، وإنما عسل مخصّب، هو ما سينتجه الأربعة عشر مصنعاً لإنتاج العسل. سكر سائل، الذي يكثر استخدامه في الصناعة الغذائية؛ أنواع الخميرة، وهي أحد أشكال البروتين ذات استخدامات متعددة؛ سكر عضوي، حيث العالم الذي تهوله مبيدات الأوبئة ويرتفع مع هذا الهول يوماً بعد يوم الطلب على المنتجات العضوية التي لا تتلقى مبيدات أوبئة ولا أسمدة ولا مبيدات أعشاب، وإنما تسمّد عبر الأسمدة العضوية؛ شمع القصب، إنتاج أنواع الكحول ذات الوزن الجزيئي الكبير، باختصار، من أجل إنتاج ال‍ "PPG"، وهو منتج يجد إعجاباً أكبر يوماً بعد يوم داخل البلاد وخارجها؛ سوربيتول، وهو منتج آخر له استخدامات متعددة في الصناعة؛ فوروفورال، حوامض دهنية، حلويات، وغيرها من المنتجات التقليدية أو الجديدة. يجري البحث باستمرار عن منتجات جديدة. هناك، على سبيل المثال، نوع من الكحول يسمونه مكرّر، إنه كحول ذو درجة عالية جداً وسعره مرتفع جداً؛ ولكن سوقه محدود حتى الآن. بالقدر الذي تنمو فيه أسواق بعض هذه المنتجات، بإمكانك أن تقرر تكريس مصنع العسل لإنتاج كحول من هذا النوع، المصنع السكّري كذا، وهو أمر على درجة أكبر من الإنتاج بالنسبة للبلاد من الناحية الاقتصادية، وهذا بعد إجراء حسابات دقيقة.

أمر آخر: في المناطق الفائضة ستقوم وزارة الصناعة بإنتاج خضر ودرنيات وحليب ولحوم وفواكه وغيرها من المواد الغذائية؛ بالإضافة لذلك، محاصيل من أجل إنتاج الخشب والشحم، لعلها واحد من أكثرها وعداً، وذلك انطلاقاً من أسعار الخشب والشحم المرتفعة جداً نظراً للنقص المتنامي للغابات في العالم.

ها هي المشاريع قد أصبحت مدروسة، وهي مشاريع يمكنها أن تتغير في بعض الحالات، فيمكن أن ينشأ منتج يعود بأرباح أكبر.

إن هذه المصانع تنتج أيضاً سماد عضوي؛ فإمكانيات المزروعات في تربة مخصبة عضوياً هي كبيرة جداً، لأن هذه المنتجات يمكن تصديرها يوماً ما ويمكنها أن تكون محاصيل ذات مردود عالٍ.

المحصّلة أنه سيكون هناك مساحة مليون هكتار شاغرة، بل وأكثر من مليون بقليل، والكثير من حقولها ليست مزروعة، إنها محفوظة للقصب.

مجموع قوة العمل التي ستشغر ليس كبير العدد. هذه المصانع العشرون التي تغلق، والتي تضاف للخمسين التي كانت متوقفة، تنطوي على فائض في قوة العمل يتراوح ما بين 58 ألفاً و60 ألف عامل. جزء كبير منهم تتوفر لهم فرص عمل، بدون أن يشتغل المصنع، وذلك للقيام بمهمة ما أو بأخرى، فيساعدون. وهكذا فإن القدرة الكامنة للعمالة، من خلال الدراسة، لا تتجاوز الستين ألفاً، إنها الحقيقة.

لحسن الحظ أنه إلى جانب الحاجة لإعادة الهيكلة وإيجاد حل لهؤلاء العمال نشأ برنامج تأهيل لجميع عمال الصناعة السكرية الراغبين بالاستفادة منه، وحتى هذه اللحظة، كم يبلغ عدد الذين اختاروا البرنامج الدراسي كفرصة عمل؟ أعتقد أنهم 33200، تقريباً، كم يبلغ عددهم، أوليسيس؟ ثلاثة وثلاثون ألفاً ومائة وستون يبلغ عدد المسجّلين. وهل تعرفون مجموع عدد المسجّلين في الدورة التي تبدأ في هذا اليوم التاريخي؟ أربعة وثمانون ألفاً ومائتان وواحد وسبعون، أليس هذا هو العدد؟ لنرَ، هناك واحد وخمسون ألفاً وأكثر هم عمّال يواصلون عملهم واختاروا دورة التأهيل، ويواصلون عملهم. وهكذا فإن هذا البرنامج الذي تم إعداده لقوة العمل الفائضة تلك، جاء الآن ليشمل كل أولئك الذين يواصلون عملهم، وإلا فإن هناك عمالاً سيتخلفون، فأصبح من هؤلاء 51 ألفاً في دورات تأهيل. على نحو يجعل الدورات تنحصر على أولئك الفائضين، وإنما تشمل عدداً أكبر؛ لا أحد يعرف إلى أين سيصل الرقم النهائي، من المؤكد أنه يمكن وصوله إلى 100 ألف.

أتذكر مدارس التعليم التكاملي للشبان، عندما انتهى العام الدراسي كانوا 86 ألفاً؛ وفي هذه اللحظة يصل عدد المسجّلين إلى 116 ألف شاب بين 17 و30 سنة، بكل إمكانيات الدراسة متوفرة. هناك أكثر من ثلاثين ألفاً من حملة الشهادة الثانوية وبوسعهم أن يبدأوا عاجلاً باجتياز دراسات عليا. ومن يرغب منهم، بإمكانه الحصول على عمل أو مواصلة الدراسة. بوسع أي من عمّال الدورات التأهيلية هؤلاء أن يدرس، ما يشاء، ما يشاء عملياً. يتم إنقاذ قوة عمل وإعدادها، وفي أي لحظة تكون هناك حاجة لها، في صناعات جديدة تتم إقامتها هناك أو في مكان آخر، فنستطيع التمتع بأشخاص كانوا يعملون في الميكانيك وأصبحوا فنيين متوسطين، أو كانوا فنيين متوسطين وأصبحوا مهندسين، أو هم مهندسين فاجتازوا دورات تأهيل وأصبحوا حملة ماجستير أو دكتوراه في الهندسة. لاحِظوا ذلك.

حسناً، أنتم تعلمون بأن معدل مستويات المعارف في بلدنا يتجاوز الصف التاسع؛ وهذا لا يقول كل شيء، بل سيقول أكثر في مستقبل قريب، لأنني أؤكد لكم بأنه عبر التقنيات التي يجري تطبيقها والبرامج الجاري تنفيذها سيكون عند الطلاب الذين ينجزون الصف التاسع معارف أكبر بكثير من التي عند خريج من الصف التاسع اليوم.

ولكن هناك مناطق ريفية أيضاً لم يصلوا فيها بعد إلى الصف السادس، هناك كثيرين تم تعليمهم القراءة والكتابة؛ لا تتوفر لدي جميع المعلومات حسب الأعمار، معدل الأعمار هو ثلاثين سنة، وهناك عشرات الآلاف من الشبان المسجّلين الذين يستطيعون دراسة ما يشاؤون، وتؤمن لهم البلاد ما لا يستطيع أي بلد في العالم تأمينه، ليس فقط لكون النظام لا يسمح له بذلك، وإنما لأنه يحتاج لاحتياط من قوة العمل؛ نحن لدينا احتياط عاكف على الدراسة، رهن التحضير.

نستطيع نحن امتلاك 19 تلميذاً مقابل كل معلم في المرحلة الابتدائية، ولكن نستطيع امتلاك 20 أو 19 أو 18 أو 17 أو 15. إن الجودة هي أفضل، كما سنفعل في مرحلة التعليم المتوسط.

اليوم يعطي أستاذ واحد الدروس لمجموعة مؤلفة من أربعين تلميذاً، ولديه ما مجموعه 200 أو 300 تلميذ، لا يعرف ولا حتى أسماء التلاميذ ولا له صلة بذويهم.

البرنامج الذي نعكف على تنفيذه في المرحلة المتوسطة يسعى لأن يقوم أستاذ واحد بتعليم عدة مواد دراسية، أستاذ واحد مقابل كل 15 تلميذ. لا يتمتع أحد بهذا في العالم.

كل هذا الذي أرويه لكم عن التعليم يفسّر الثقة المطلقة والكاملة بأننا سنتقدم على جميع الآخرين، لأننا نعلم ما يحدث في جميع الأماكن الأخرى، واستحالة تمكنهم من تطبيق إجراءات نعكف نحن اليوم على تطبيقها.

وهكذا فإن هناك عددا منهم، حوالي 7000 سيجتازون في هذه المدارس علوم الصف السادس، ومن ثم السابع والثامن؛ وكل الباقين اجتازوا الصف السادس، وكثيرون منهم علوم المرحلة المتوسطة.

اثنان وعشرون ألفاً وتسعة وثلاثون سيتلقون دورات ثانوية. أتصور بأن يكون لكل واحد خياره، فإذا كان هناك رجل عمره 35 سنة وهو حامل شهادة البكالوريا، يخضع لعملية استذكار للمعارف ويمكنه أن يجتاز بعدها اختصاصاً جامعياً. وعندما يبلغ الأربعين يبقى أمامه عشرون سنة للعمل؛ وإذا كان عمره عشرون سنة يكون الحال أفضل؛ وإذا كان عمره 35، يمكنه أن يعمل حتى بلوغه الخامسة والستين.

هناك أشخاص كثيرون يبلغون السبعين من العمر ولا يتقاعدون، وهناك عدد كبير من العمال المهنيين والعمال الفكريين لا يتقاعدون في سن الستين، وتوجد بعض الاختصاصات يمكن لأصحابها مواصلة عملهم وهم في الثمانينات، وخاصة في المجال الفكري.

حسناً: 10639 في دورات تسوية للمستوى التعليمي العالي؛ 5495 مهنياً جامعياً؛ لأنهم، في عملية إعادة الهيكلة هذه التي قامت بها لجنة حكومية، مع الوزارة والمنظمات، عملوا في إعداد هذه البرامج التي هي تجريبية. يمكن لأحد هذه الأرقام أن يتغيّر، ألا يكونوا فقط الذين يدرسون الثانوية، وإنما آخرون ممن يسوّون أو يستذكرون المعارف؛ وعليه يمكن أن يصل إلى 20 ألفاً أو 30 ألفاً أو 40 ألفاً عدد الذين يختارون الدراسات الجامعية، وأولئك الذين هم خريجين جامعيين ويختارون دراسات أو اختصاصات أخرى.

لا تساهم الصناعة السكرية إلا ب‍ِ4433 أستاذاً، وأنا لا أتكلم الآن عن تلك القائمة، التي تصل في هذه اللحظة –كما ذكرت- إلى 84 ألفاً و271.

لاحظوا هذا الشكل من أشكل العمل، هم في عملية إعادة الهيكلة، يقومون بمراجعة جيدة، ليس فقط أولئك الذين يعملون في الصناعة، وإنما في الهياكل أو في شركات المساندة، يمكنهم أن يتمتعوا بآلاف المهنيين الجامعيين، وفي القريب العاجل، ليس فقط خمسة آلاف ويزيد سيجتازون دراسات وهم خريجون جامعيون، وإنما يساهمون ب‍ِ4433 معلماً. ها أنتم تلاحظون شكلاً من أشكال التوظيف، هؤلاء العمال يتحولون إلى معلّمين.

حالفنا الحظ هنا في رؤية من كانت معلّمة ثم خلال سنوات طويلة مسؤولة كوادر، والفخر الذي طرحت به هنا أن تتحول إلى معلمة لعمال قطاع السكر. ما قالته هو أمر لا بد منه، وبأي حماس ذكرته هنا... ها قد شرع هذا البرنامج عبر هذه الطريقة بخلق 4433 معلماً سيغنون مئات الآلاف، أكثر من 200 ألف أستاذ، من وزارة التعليم. لاحِظوا الفوائد.

ستساهم وزارة التعليم ب‍ِ1617. ليس هناك حاجة لإقامة أي مبنى، تبدأ هذه الدروس اعتباراً من الساعة الخامسة عصراً حيث لا يعود هناك تلاميذ، وفي جميع مصانع السكر، كما في كل أنحاء البلاد، نجد مدارس المرحلة المتوسطة، مع مختبرات كمبيوتر ووسائل مسموعة ومرئية. أحد الأمور الأولى التي أصبح بوسعهم دراستها، بمستوى محدد، هو الكمبيوتر، بدون إنفاق سنت واحد؛ في أسوأ الأحوال، وفي حالات معينة، توسيع عدد الأجهزة؛ بدون بناء شيء؛ الوسائل المسموعة والمرئية، بدون إنفاق سنت واحد؛ معلمون لا ينطوي عملهم على أي نفقة في زيادة موازنة التعليم.

أعتقد بأنهم يريدون مواصلة كونهم عمالاً سكّريين، وإذا ما كانت هذه رغبتهم، يجب احترام حق هؤلاء المعلمين.

كل شيء يغتني، الآفاق المستقبلية تغتني، وليس هناك إلا 84 ألفاً، سنرى.

هناك نحو مائة مصنع للسكر تتمتع بمدارس فنية، أقامتها الثورة قبل سنوات عدة، وفيها كل شيء. وإذا ما احتاج الأمر لإعداد مزيد من المقرات، يتم إعداد أي من هذه الأمكنة التي يجري تفريغها.

ما يحتاج إليه الأمر الآن هو إعارة الانتباه لكل ما يحدث كل يوم بيومه، إلى كم يصل، وكم عدد الذين يتحمسون للدراسة وليس كوظيفة، وإنما من أجل الارتقاء بمعارفهم. أستطيع أن أؤكد لكم بأنه توجد في البلاد حمّى دراسة.

اللغات من المؤكد بأنها ستكون مدرجة ضمن البرامج، الكمبيوتر، المعارف العامة، الوسائل المسموعة والمرئية، البرامج التي يتم بثها مباشرة عبر التلفزيون.

بوسعي أن أؤكد لكم بأنه بعد بضعة أشهر، ربما سبعة أو ثمانية أشهر، تكون كل واحدة من عواصم المحافظات وجزء كبير من المناطق الريفية قد تمتعت بالقناة التلفزيونية، القناة الجديدة، التي تغطي اليوم مدينة هافانا ومحافظة هافانا وسنتياغو دي كوبا. سيأخذ المواطنون باستقاء المعلومات يوم يبدأ عملها. يتم الآن إجراء التجارب الأخيرة في إحدى المحافظات، ولكنني لا أريد أن أسرق هذا النبأ من التلفزيون التربوي، فليقولوا هم في أي يوم سيبدأ.

وهكذا فإن بلدنا، مع نهاية هذا العام الدراسي، سيصبح متمتعاً بالقناة التعليمية، بما يشكل مزيداً من المساعدة لكل هذه البرامج؛ وبالإضافة لذلك، لديه اثنتي عشر ساعة أخرى في قنوات أخرى، وساعتين يوم السبت وساعتين يوم الأحد. إن القوة التعليمية تتنامى.

هناك أمور أخرى لم أذكرها: يعكف هذا البلد على إقامة مركز تعليمي ممتاز للتعليم العالي؛ ولكن لا ينبغي علينا استباق الأحداث. لقد أصبح قائماً وعاملاً، ونفكّر بأن يبلغ عدد تلاميذه عشرة آلاف. ها قد بدأ أول ألفان بالدراسة، وقد تم اختيارهم من بين أفضل خريجي المرحلة الثانوية في البلاد. عندما يبدأ تشغيل الرأسمال هذا فإنه ليس بالشيء القليل، أؤكد لكم ذلك. إنه يذهب في جميع الاتجاهات؛ وفي حين أن الجامعات في أماكن أخرى يتم إغلاقها والموازنات تنقص، فإن الخدمات للشعب هنا، في المسائل الحيوية، تزداد، تتضاعف مرتين أو ثلاثة، وخاصة من حيث الجودة.

جميعكم أنتم كنت شاهدين على ال‍ 779 مدرسة التي تم ترميمها في العاصمة، وهناك 33 جديدة بينها، 779 مدرسة، وقد تم فعل ذلك خلال أقل من سنتين. لقد تم الشروع ببنائها في شهر تشرين الثاني/نوفمبر أو كانون الأول/ديسمبر من عام 2000. عندما يأتي الزوّار لا يصدّقون ذلك.

لدينا خططاً تجريبية أيضاً يتم تنفيذها في مرحلة التعليم المتوسط وسيكون لدينا في العام المقبل آلاف التلاميذ، حوالي 7000 أستاذ ناشئ، من أجل تعليم المرحلة المتوسطة في ظل المبادئ الجديدة. لا حاجة للتفكير بالكميات، يجب التفكير بالمزايا.

لاحظوا إن كانت هذه اللحظة هامة أم لا. إنه أمر يضاف إلى الهدف الأولي، الذي كان يتمثل في الوظيفة كطالب بالنسبة للفائضين في الصناعة السكرية.

لم تتم إعادة تنظيم مصانع السكر فحسب، وإنما كذلك في جميع شركات الإسناد التي تتمتع بها الوزارة تم ويتم القيام بعمل رائع، وكلما كان هذا العمل أفضل، سيكون أكبر عدد الذين نرسلهم للدراسة؛ ولكن بفارق إيجابي واحد: أنه لن يكون عليهم أن يتوجهوا إلى المدرج الجامعي، إلى هافانا، أو إلى سانتا كلارا، أو إلى أي مكان آخر لاجتياز دراسة جامعية. انطلاقاً من مصنع السكّر نفسه سيدرسون هذه الاختصاصات، يذهبون سيراً على الأقدام من منازلهم، أو حتى من بعض تعاونيات الإنتاج الزراعي الرعوي أو الوحدات الأساسية للإنتاج التعاوني، ويستطيعون الذهاب أيضاً على صهوة الحصان.

الحقيقة القائمة هي أننا نستطيع اليوم أن نعلن هنا بأن كل مصنع للسكر يتحول إلى مقر جامعي (تصفيق). سنرى كم يبلغ عدد طلاب المرحلة الثانوية الذين لم ينهوا دراستهم. يتحول إلى مقر جامعي، أكرر، وهذا نعم هو أمر غريب في العالم، أليس كذلك؟ أن يكون في أي بلدة مدرسة متوسطة أو مدرسة تكنولوجيا.

عندما يحتاج الأمر لأن نبني مدرسة سنبنيها، ونستطيع أن نفعل ذلك إذا ادّخرنا، إذا لم نقم برمي الأموال، وإذا لم نلقِِ بالعملة الصعبة بالبحر بالجملة، وها هو يتم ادخارها، ولا تظّنن أن ذلك يتم في هذا المجال فحسب، إنما يجري اتخاذ سلسلة من الإجراءات التي توفِّر العملة الصعبة، وليس في هذا الحقل فحسب: يرتفع إنتاج النفط والغاز في البلاد، وفي هذه السنة، في نهايتها، سنكون في طور إنتاج ما يعادل 4 ملايين و100 ألف طن.

أمر آخر، في العام القادم كل الطاقة الكهربائية عملياً سيتم إنتاجها باستهلاك محروقات محلية. ماذا يعني ذلك؟ محطة "غيتيراس" وحدها عندما يبدأ تشغيلها، بفضل استثمارات معينة، ستوفّر خمسين مليون دولاراً من المحروقات، حسب ما هو عليه السعر الحالي للفويل-أويل؛ وسيينفويغوس، وهي المحطة الكهربائية الوحيدة التي ما زالت أمامنا، باستثمار أولي –فهناك استثمار آخر يجب القيام به خلال السنتين القادمتين-، ستكون عاكفة على توفير 30 مليون دولاراً.

اجمعوا خمسين وثلاثين: ثمانون، ونقوم في ذات الوقت باستثمارات في أعمال حفر لاستخراج النفط، وهي ذات أولوية مطلقة؛ واستثمارات أيضاً في شركات مختلطة في البر. النفط الذي يتم تقاسمه مع الشركات العالمية هو ذو كلفة أكبر بقليل، ولكن نفطنا يمكن إنتاجه بكلفة أربعين دولاراً للطن الواحد؛ في هذه اللحظة التي تبلغ قيمة الطن الواحد من الفويل-أويل 160 دولاراً. في الشركات المختلطة، نحن شركاء، وكلفة الإنتاج تكون أكثر ارتفاعاً بقليل، لأنه في هذه الحالة يجب إضافة حصة الشركة الأجنبية الشريكة، والتي تتقلص كلفتها بقدر ما بعدما يتم تسديد قيمة الاستثمار. ستبلغ الكلفة آنذاك حوالي ستين دولاراً للطن الواحد.

أستطيع أن أضيف بأنه جاهز برنامج الاستثمار في النفط من أجل الوصول في العام القادم إلى 4.8 مليون طن من البترول والغاز. إنها زيادة قدرها 700 ألف طن من البترول المكافئ، لا تنفع فقط لاستبدال الفويل-أويل في المحطات الكهروحرارية، وإنما كذلك لعمليات إنتاج هامة أخرى.

في سبيل مواصلة استغلال الغاز المصاحب، يتكلل هذه السنة إنجاز المرحلة الثانية من الدورة المركّبة في ماتانزاس؛ 2%، 13%، 14%. كيف يمكن حل المشكلات الاجتماعية الخطيرة في أي بلد كان بدون دعم أغلبية من المواطنين، على الأقل، بدون دعم الجماهير؟ كل العالم يعرف بأن أحداً لم يعد يثق بأي حزب، لقد تجاوز الحدود الوقت الذي أُطلقت خلاله الوعود، وعوداً ووعود، في طريق يؤدي إلى الهاوية.

هل بمقدورنا نحن أن نحل المشكلات التي أذكرها لو لم يكن عند شعبنا ثقة كاملة بحزبنا، بمنظماتنا الشبابية، بالمنظمة العمالية، والفلاحية، والطلابية، والنسائية، وبلجان الدفاع عن الثورة، من قبل ملايين وملايين؟ هل يتصور أحدكم أنه كان بوسعنا تناول مشكلات من هذا النوع في هذه اللحظات بدون هذه الثقة، بدون هذه الوحدة بين أبناء شعب لم يتم خداعه أبداً، شعب كان قادراً على سطر مأثرة ليس من شأن أي بلد آخر أن يسطرها؟ إنه لمن الصعب المقاومة 43 سنة من الحصار وفعل ما فعله خلال عشر سنوات من الفترة الخاصة. إن ساعة قطف الثمار آخذة بالاقتراب.

عندما وصلت الفترة الخاصة إلى جميع الآخرين وأعلن بعضهم بأنها نهاية أفكار الاشتراكية، ها هم يرون هنا بلداً يزدهر ويتقدم ويصنع أشياء لا يمكن للبلدان التي تعيش في ظل النظام الرأسمالي أن تصنعها ولو بالحلم. نعم، إن حالة مأثرتنا آخذة بالتحول إلى حالة فريدة في التاريخ.

الآن سنرى كيف يخرجون هم من فترتهم الخاصة بكل النزعة الاستهلاكية التي أبدعوها، والفقر العالمي، والمليونين ونصف المليون مليون من الديون. من شأنه أن يكون أمراً ممتعاً ملاحظة الأحداث ونقلها على الدوام: حققوا هذا، أحرزوا تقدماً صغيراً، تخلفوا هنا أو هناك. وسيكون عند شعبنا ثقافة أكثر من كافية ليعرف ما هو عليه العالم، ما يحدث في العالم. لهذا كله يبلغ التاريخ ما يبلغه من الأهمية، تاريخ بلدنا، لكي يعرفوا أين يحدث هذا وما كانت عليه جذور ما يقوم بفعله شعبنا؛ وفي العالم، لأنه قد تم في العالم في الواقع عولمة الاتصالات، كل شيء، الاقتصاد، تم فرض عولمة نيوليبرالية وأدت بهم إلى هذا الوضع الراهن.

من واجبنا مواصلة العمل بمزيد من المثابرة، والاستعداد دائماً لأي وضع صعب يحضرنا، بأمل عميق دائماً، لأنه يتم القيام به على أسس وطيدة، في المستقبل الذي ينتظرنا.

ليس لدي شيئاً آخر أضيفه، وأنهي مداخلتي بالتعبير عن الثقة بأن كل وطني وكل ثوري، وقد أصبح هذا لقب شرف عظيم، سينفذ واجبه.

عاشت الاشتراكية (هتاف: "عاشت!")

الوطن أو الموت!

سننتصر!

(تصفيق حاد)

(الطبعات الاختزالية – مجلس الدولة)