تصريح سياسي لرئيس مجلس دولة جمهورية كوبا
إن مرد امتناعي عن تقديم الأدلة على ما حدث في مونتيرّيه، وما أجبرني على الانسحاب في ذات اليوم الذي ألقيت فيه خطابي في القمة، هو أن السيد كاستانجيدا كان قد جر الرئيس فيسينتي فوكس إلى مغامرته المتهتكة. ولم يكن بإمكاني الكشف عنها بدون أن أُقحم رئيس الدولة المكسيكي.
المؤامرة الحالية على كوبا في جنيف كان قد دبّرها السيد كاستانجيدا في واشنطن. فالحكومة التشيكية كانت قد سئمت من دورها المرتزق باهظ الكلفة والمحِطّ لمصداقيتها. وكانت حكومة الولايات المتحدة في العام الماضي، بعد القرار الذي تم فرضه بالقوة ضد كوبا، قد جُرِّدت من صفتها كعضو في لجنة حقوق الإنسان في عقاب مذلٍّ ومحقٍّ لها، وذلك عبر تصويت سري أجراه المجلس الاجتماعي الاقتصادي. وكانت هذه أخزى هزيمة تسجّل منذ قيام هذه الهيئة في عام 1945.
وزير العلاقات الخارجية المكسيكي، خورخي كاستانجيدا، عرض نفسه لإعطاء صفة أمريكية لاتينية للمناورة الجديدة والماكرة. اقتراح دنيء ومفتعل ومخادع كان ينبغي رعايته من قبل وفود أمريكية لاتينية في لجنة حقوق الإنسان. وهذا ما كرّس جهوده من أجله خلال ما تبقى من عام 2001، متسبباً بحوادث متكررة مع كوبا كانت محلاً للعديد من الانتقادات من جانب شخصيات سياسية وأعضاء في مجلس النواب ومجلس الشيوخ المكسيكي.
ومنذ العشرين من نيسان/أبريل 2001، أي بعد يوم واحد من التصويت على القرار المعادي لكوبا والذي امتنعت المكسيك من التصويت عليه، صرح وزير العلاقات الخارجية لبلدنا، فيليبي بيريز روكي، بأن وزير العلاقات الخارجية المكسيكي، خورخي كاستانجيدا، كان قد فعل كل ما بوسعه في سبيل محاول جعل المكسيك تغيّر موقفها وأن تتم إدانة كوبا. وطوال تلك السنة، كرس السيد كاستانجيدا جهوده للدس والتآمر في هذا الاتجاه.
في بدايات العام الحالي، وبمبادرة من المكسيك تم التخطيط لزيارة وفد رفيع المستوى، برئاسة فوكس، لكوبا، بحجة تحسين العلاقات بين بلدينا. كان موعد انعقاد قمة مونتيرّيه يقترب. هدّد بوش بعدم المشاركة إذا ما حضرت كوبا، على غرار ما فعل من قبله ريغان، على أثر انعقاد قمة رؤساء دول وحكومات الشمال-الجنوب، التي كان موعد انعقادها شهر تشرين الأول/أكتوبر من تلك السنة. دخلت كرامة وواجبات الحكومة المكسيكية من جديد في تناقض مع مصالحها. وليُفهم جيداً، الحكومة المكسيكية؛ أنا لا أتكلم عن شعب المكسيك الشقيق. تم التخطيط بدقة لزيارة فوكس وكاستانجيدا لكوبا، التي وصلا إليها في الثالث من شباط/فبراير في الساعة العاشرة والنصف صباحاً. كان هناك رياءً وحساباً في كل شيء. كنّا نعرف تماماً بأن أحد أهداف الزيارة هو الطلب منّا التخلّي عم مشاركتنا. لم يتجرآ على فعل ذلك. كانت كافية الساعة الأولى من الاجتماع، الذي بدأ في الساعة 11:14 صباحاً. الدقائق الأولى منه كانت كافية تقريباً. تقدّمت عليه بتذكيره بالدعوة التي وجهتها منظمة الأمم المتحدة لبلدنا للمشاركة في تلك القمة. ثم بحثت بعمق كل نفاق وغدر المناورات المعادية لكوبا في جنيف.
تحولت المحادثات مع فوكس وأعضاء آخرين في الوفد ذلك الصباح إلى محادثات جادة ومثمرة حول مواضيع مختلفة. كان كاستانجيدا مهتاجاً بعصبية وقلق –لا تظنّن بأن عندي شيئاً ضده. غداء خفيف مع فوكس والوفد المرافق له بعد انتهاء الاجتماع الأول. إكليل من الزهور لمارتيه. جولة واسعة من ضمن البرنامج رافقته خلالها طوال الوقت. تحادثنا على الطريق بكثير من الجدية والثقة حول مواضيع مختلفة. زرنا هافانا القديمة؛ ومحطّة لتوليد الكهرباء شرقي العاصمة تعمل بواسطة الغاز المرافِق للنفط، وذلك باستخدام تكنولوجية الدورة المتآلفة؛ وباقتراح منّي عقدنا لقاء في منزل مؤرخ المدينة، إيوسيبيو ليال، الذي كان فوكس قد انتهى للتو من منحه تقليداً، من أجل زيارة السيدة والدته، التي كانت تحتضر.
وفي الختام، تكللت الجولة في المركز الدولي لترميم الأعصاب، حيث يتلقى العديد من المكسيكيين علاجاً ناجحاً.
من جهة أخرى، في حوالي الساعة الرابعة عصراً، كان ينعقد لقاء بين وزير علاقاتنا الخارجية والسيد كاستانجيدا. لم يتجرأ هذا ولا على أن يبحث مع فيليبي قصة المشروع المعادي لكوبا في جنيف. لم يذكر قمة مونتيرّيه، ووعد بأن المكسيك لن ترعى ولن تروّج ولن تدعم أي اقتراح ضد كوبا في جنيف.
في الساعة الثامنة مساء حفل استقبال رسمي في قصر الثورة؛ وفي الساعة 8:53 اجتماع خاص مع الرئيس فوكس في مكتبي. عندما تناولنا موضوع جنيف، بعد العديد من الاجتهادات، أكد لي حرفياً بأنه ليس من شأن المكسيك أن تفعل شيئاً أبداً يمكنه إلحاق الأذى بكوبا، فهي كثيرة السنوات من العلاقات التي لا يريد إنزال الضرر بها بأي شكل من الأشكال. في وقت لاحق جاءت مأدبة العشاء المنتظرة، والتي جرت في مناخ ودي. ولّدت الزيارة عندنا انطباعاً إيجابياً. فقد كانت كثيرة الساعات التي تم خلالها التبادل المحترِم والصادق ظاهرياً.
غير أن هذا الانطباع لم يدم إلا وقتاً قصيراً. فقد خطر على بال كاستانجيدا الإدلاء بتصريحات غامضة وغريبة: "لم يعد هناك وجوداً لعلاقات المكسيك مع الثورة الكوبية وبدأت اليوم مع جمهورية كوبا…"، "موقف المكسيك اليوم ليس بموقف الأمس"، إلى آخره. وتوجّه بعد ذلك بوقت قصير إلى ميامي في السادس والعشرين من شباط/فبراير من أجل افتتاح معهد ثقافي مكسيكي. ودُعي لذلك الحفل قطيع طريف من الإرهابيين والمعادين للثورة من أصل كوبي ممن لم يمتّوا للثقافة بصلة أبداً. تناول مجدداً ما ابتكره من تعبيرات نظرية عن علاقات المكسيك مع الثورة أو مع الجمهورية، ووجّه كلامه المعسول إلى المستمعين إليه وهم من "النخبة". صرّح: "أبواب سفارة المكسيك في هافانا مفتوحة أمام جميع المواطنين الكوبيين، كما هي المكسيك مفتوحة الأبواب أمامهم". وتلاعب محررون في ما تسمى زوراً "راديو مارتيه" التحريضية بكلماته، وكرروا طوال اليوم التالي بأن العلاقات بين المكسيك وكوبا قد قُطعت وأن أبواب سفارة هذا البلد في هافانا مفتوحة أمام الجميع.
وقع حادث خطير ذلك اليوم في ساعات الليل، ولم يتم الخروج منه إلا فجر الأول من آذار/مارس بفضل التعاون الجاد والفاعل من جانب كوبا، وهو تعاون طلبته السفارة المكسيكية، وذلك بدون إلحاق أي خدش بالمتسللين إلى السفارة. وانتشرت افتراءات فظة لا تقوم على أي أساس من الصحة. حتى أنه تم التأكيد بأن مرد الحادثة هو استفزاز من جانب كوبا. كان قد حل شهر آذار/مارس. وكان موعد انعقاد قمة مونتيرّيه قد أصبح قريباً.
وكما هي العادة، أنا لا أعلن أبداً عن قراري المشاركة في مثل هذه المحافل أو عدمها. الأسباب واضحة. وعندما أتخذ قراري، إنما أبلغ ذلك في اللحظة الأخيرة لمن عليّ إبلاغه. بل وأن هناك من يذهبون إلى هذه المحافل بدون إبلاغ ذلك مسبقاً، ولم يواجهوا أبداً أي مشكلة مع المضيفين. في هذه المرة، وبعد اتخاذ القرار قبل موعد القمة بثلاثة أيام، أبلغت عن وصولي قبل الموعد بأربع وعشرين ساعة، في 19 آذار/مارس. كان عندي دافعين: لا بوش كان يريد حضوري ولا كذلك فوكس. ولم أكن أريد أيضاً الضلوع في نقاش طويل مع كل من فوكس وكاستانجيدا، في محاولة منهما لإقناعي ورجائي ألا أذهب. فعندما هدّد ريغان بمقاطعة الاجتماع عام 1981 وجدت نفسي مضطراً لإرضاء الرئيس خوسيه لوبيس بورتيجو. ولكن هذا، في خضم خجله وحرجه، تصرف كرجل فاضل. كان أنيقاً، فدعاني إلى كوزوميل، وشرح لي مأساته بكل صراحة. ووافقت.
هذه المرة كان الزمن والوجوه قد تغيّرا. فالوضع الدولي اليوم هو على نحو فوق العادي من الخطورة والتعقيد. وكان سيتم في ذلك المؤتمر تناول موضوع بالغ الأهمية بالنسبة لجميع بلدان العالم الفقير والمستغَل. كان من حقي أن أشارك وقرت أن أشارك. كنت على يقين بأنه حالما أبلغ نبأ مشاركتي لن يتأخر رئيس الولايات المتحدة دقيقة واحدة في معرفة ذلك، بما يعنيه الأمر من ضغوط محتمة على المكسيك. لم أشأ إعطائهم الكثير من الوقت لذلك. صغت رسالة قصيرة ووجهت تعليماتي لسفيرنا بأن يسلمها للرئاسة المكسيكية في الساعة السابعة مساء بتوقيت كوبا، أي السادسة عصراً بتوقيت المكسيك.
مع أن مونتيرّيه كانت مكتظة بالموفودين، فإن وفدنا كان قد استأجر سلفاً 20 غرفة من الأربعين غرفة التي يتكون منها فندق صغير حديث الافتتاح. ونظراً للشك الذي أحاط الرحلة لم يتم استئجار جميع الغرف. وكنا نرغب أيضاً بتضليل الإرهابيين الأبديين والذين لهم تواجد في كل مكان، ممن تدرّبهم وتسكت عنهم وترعاهم الولايات المتحدة. وفي اللحظات الأخيرة كان يكفي بالنسبة لي نصف ذلك الفندق الصغير.
مضمون الرسالة، التي نشرها السيد كاستانجيدا من أجل استغلال عبارة تنفعه لشهر حجة يحاول بها تفسير عودتي السريعة، هو حرفياً:
"هافانا، 19 آذار/مارس 2002
حضرة الرئيس:
قرأت ثانية باهتمام رسالتكم المؤرخة في 28 كانون الثاني/يناير من العام الحالي، والتي تدعوني فيها للمشاركة قي المؤتمر الدولي للأمم المتحدة حول تمويل التنمية الذي سينعقد في مونتيرّيه. في وقت سابق، في الحادي والعشرين من كانون الأول/ديسمبر 2001، كنت قد تلقيت دعوة من السفيرين شمشاد أحمد وروث جاكوبي، رئيسا اللجنة التحضيرية للأمم المتحدة بالمناصفة.
ما كان عندي من كمية عمل هائلة في الأسابيع الأخيرة لم يسمح لي بالتأكد من مشاركتي أو عدمها في المؤتمر المذكور، الأمر الذي أمكنه أن يشعرني بالخجل الكبير من المكسيك، مقر انعقاد هذا المحفل الهام، ومن منظمة الأمم المتحدة، التي تعير اهتماماً كبيراً له.
ولهذا اتخذت القرار ببذل جهد إضافي والمشاركة في هذا الاجتماع، ولو كان في الحد الأدنى من الوقت، الأمر الذي يسعدني أن أبلغه لحضرتكم أولاً.
أرجو أن أتمكن من المساهمة بروح بنّاءة في نجاح هذا المؤتمر، الذي كرّست المكسيك له جهوداً كبيرة.
مع تمنياتي لكم بالنجاح، حضرة الرئيس فوكس، أعبر لكم عن صداقتي واحترامي الشخصي.
فيدل كاسترو روز".
إن الإعلان عن تواجدي الوجيز يعني بوضوح بأن حضوري سيقتصر على اليومين اللذين سيستغرقهما انعقاد المؤتمر –هذا ما قصدته في الواقع-، وأنه لن تشمل الزيارة أي برنامج إضافي آخر في المكسيك.
عندما سلّم سفيرنا الرسالة للسكرتير الشخصي للرئيس، أُبلغ بأن فوكس سيتوجه على الفور تقريباً إلى مونتيرّيه. وبعد قيامه بهذه المهمة، توجه ممثلنا إلى مكاتب سكرتير الحكم، الذي أبلغه النبأ من أجل القيام بالتنسيقات اللازمة. وكان وصولنا إلى مونتيرّيه سيتم بعد ذلك بأربع وعشرين ساعة.
في حوالي الساعة الحادية عشرة ليلاً، بتوقيت كوبا، دخلت إلى مكتبي مكالمة من المكسيك، تفيد بأن الرئيس فوكس يريد التحدث إلي بأقصى درجة من العجالة. وبما أنني لم أكن متواجداً في مكتبي، تم الطلب إليهم التفضّل بتكرار المكالمة بعد ذلك بوقت قصير. وفي الساعة 11:28 دخلت مكالمة جديدة من المكسيك. كنت في تلك اللحظة مجتمعاً مع عدة رفاق في قاعة صغيرة ليست بعيدة عن مكتبي. المكالمة في تلك اللحظة ولّدت عندي الشك والريبة. يا للغرابة، فالرئيس يرقد إلى النوم في وقت مبكر! كانت اللهجة لهجة عجالة. لم يعد عندي أي شك. نهضت من على الطاولة، وتوجهت إلى مكتبي، وطلبت IR="RTL">فوكس: نعم، كصديق، الحقيقة أن المسألة هكذا، في اللحظة الأخيرة وبهذه المفاجأة إنما تضعني أمام مجموعة كبيرة من المشكلات.
فيدل: لماذا؟
فوكس: مشكلات أمنية، مشكلات عناية واهتمام.
فيدل: حسناً، لا يهمّني، ليس هناك ما يشغل بالي، حضرة الرئيس، يبدو أن حضرتكم لا تعرفوني.
فوكس: ألا يشغل بالك ذلك؟
فيدل: لا، أؤكد أنه البتة؛ فأنا لا يصحبني 800 رجل كالذين يصحبون السيد بوش.
فوكس: ولكنه ليس من شيمة الأصدقاء الإبلاغ في الساعة الأخيرة بأنك ستأتي إلى هنا.
فيدل: نعم، ولكنني أتعرض لمخاطر كثيرة لا يتعرض لها أحد، وحضرتكم تعرفون ذلك تمام المعرفة.
فوكس: حسناً، ولكن تستطيع الثقة بصديق وكان بإمكانك الإبلاغ قبل هذا الموعد عن عزمك المجيء، أعتقد أنه أمكن لذلك أن يكون أفضل بكثير للطرفين.
ولكن، أنظر، من حيث المبدأ أعرف أنه ليس فقط أن لك كل الحق، وإنما إذا لم تكن تستطيع مساعدتي كصديق في هذا المجال وكان ضرورياً بالنسبة لك…
فيدل: نعم. قولوا لي بماذا أستطيع مساعدتكم، إلا في هذا.
فوكس: حسناً، بماذا تستطيع مساعدتي إلا في هذا؟
فيدل: قولوا لي، كيف؟ ماذا من واجبي أن أفعل؟ من شأني أن أواجه المخاطر بنفس مطمئنة (بدأت القضية تأخذ طابعاً جدياً: فلا جارنا في الشمال ولا البلد المقر كانت عندهما رغبة كبيرة في أن أذهب).
فوكس: لنرى، دعني…
فيدل: ولكنكم تعون بأن من شأن ذلك أن يؤدي لفضيحة عالمية، فإذا ما قيل لي أنا الآن ألا أذهب.
فوكس: ولكن ما هي حاجتك للتسبب بفضيحة عالمية، ما دمت أتكلم معك الآن كصديق؟
فيدل: اسمعني، المسألة أنكم أنتم رئيس البلد، وإذا كنتم أنتم المضيفين تمنعوني من ذلك، لن يبقَ أمامي خياراً آخر غير نشر الخطاب غداً.
فوكس: فعلاً، فعلاً لا، لك أنت كل الحق.
دعني أقترح عليك شيئاً.
فيدل: تفضّلوا.
فوكس: لا أعرف الموعد الذي تزمع المجيء فيه، لأنك لا تخبرني عن ذلك، ولكن اقتراحي هو أن تأتي الخميس.
فيدل: تفضّلوا، قولوا لي بالضبط، أنا مستعد للإصغاء لاقتراح بهذا الشأن. حسناً، في أي يوم نحن؟ الثلاثاء. في أي ساعة تريدوني أن أصل الخميس؟
فوكس: أنت لك… أي، كوبا لها موعد للكلام أمام الجلسة العامة يوم الخميس.
فيدل: نعم، نعم، في الساعة المحددة هناك… الخميس هو…
فوكس: في حوالي الواحدة ظهراً.
فيدل: لا، الخميس عليّ أن أشارك في طاولة مستديرة، وعليّ إعداد الخطاب في الصباح.
فوكس: لأن عندك الخطاب صباحاً في حوالي الواحدة ظهراً.
فيدل: تقريباً. أنا سأساعدكم في كل شيء، لن أزعجكم في شيء، ولن أذهب إلى مآدب الطعام، ولا حتى إلى الاجتماع… حسناً، أمر هذا الاجتماع علينا أن نبحثه…
فوكس: ومن هناك تذهب، ومن هناك تذهب، دعني أُكمل.
فيدل: نعم.
فوكس: تستطيع المجيء يوم الخميس وتشارك في الجلسة وتلقي خطابك، ذلك أن دور كوبا محجوز للساعة الواحدة. بعد ذلك عندنا مأدبة غداء، مأدبة غداء يقدمها حاكم الولاية لرؤساء الدول؛ بل وأنني أعرض عليك وأدعوك للتواجد في هذا الغداء، بل وأن تجلس إلى جانبي، وأنه بعد انتهاء المحفل والمشاركة، تعود، وهكذا…
فيدل: إلى جزيرة كوبا؟
فوكس: لا، حسناً، يمكنك أن تبحث عن...
فيدل: إلى أين؟ أم إلى الفندق؟ قولوا لي.
فوكس: إلى جزيرة كوبا أو إلى حيث ترغب بالذهاب.
فيدل: تمام.
فوكس: وأن تدعني حراً يوم الجمعة– هذا هو ما أطلبه منك-، لكي لا تعقِّد يوم الجمعة عليّ.
فيدل: حضرتكم تريدون ألا أعقِّد عليكم يوم الجمعة. جيد جداً، المسألة أن حضرتكم، على ما يبدو، لم تقرؤوا سطراً أقول فيه بأنني ذاهب بروح بنّاءة، من أجل التعاون في إنجاح المؤتمر.
فوكس: نعم، نعم، قرأت تلك السطور.
فيدل: إذا لم يكن لكلمتي أثر… أنا أتفهّم باقي الأمور التي لن نتكلّم عنها، وما يمكنه أن يحدث. لقد تكهّنت تقريباً بأنكم ستتصلون بي لتقولوا لي شيئاً من هذا القبيل. ولكن، جيد جداً، أنا أقول لكم بكل صراحة: أنا مستعد للتعاون مع حضرتكم. أنا مستعد للتعاون مع حضرتكم ولفعل ما تطلبونه الآن.
فوكس: هل نستطيع القيام بذلك على هذا النحو.
فيدل: نعم، كّرروا الأمر عليّ، من فضلكم.
فوكس: أن تصل يوم الخميس، في الموعد الذي تشاء.
فيدل: نعم، يوم الخميس صباحاً، وإلقاء خطابي.
فوكس: نعم، إلقاء خطابك في الجلسة العامة؛ المشاركة في مأدبة غداء رؤساء الدول وحيث أدعوك أنا، حتى للجلوس إلى جانبي.
فيدل: جيد جداً، شكراً جزيلاً.
فوكس: وفي ساعات العصر، أن تغادر في الساعة التي تناسبك.
فيدل: حسناً، جيد جداً. دعني أرى برنامج المواعيد، هناك فارق ساعة في التوقيت، الساعة التي سأنتقل فيها.
فوكس: هناك فارق ساعة بين توقيتينا.
فيدل: وإذا ما اضطررت للوصول في وقت أبكر، لكوني أصبحت أعرف الموضع الذي أسبّب فيه الضرر الأكبر (يضحك)، ولكن ربما أستطيع أن أكون هناك عند الشروق.
فوكس: من يوم الخميس؟
فيدل: لأن الموعد هو الواحدة ظهراً، لقد كان هناك تفاوض على موعد مداخلتي، ربما أتكلّم قبل هذا الموعد؛ ربما، ولكنني جاهز للكلام في الموعد المذكور تقريباً، فهناك 30 متحدثاً قبلي. خرجت أنا متضرراً، لأنه من آخر المواعيد، وأنا أعترف لكم بأنني اتخذت قراري في اللحظة الأخيرة. لقد عاتبتموني بشأن ما إذا كان من واجب الصديق أن يقول ذلك أم لا.
أولاً لدي دافعين: هناك مخاطر تواجهني، وبالإضافة لذلك، لم أكن قد اتخذت قراري بعد. هذه هي الحقيقة.
فوكس: نعم، نعم، أتفهم ذلك، أتفهم ذلك.
فيدل: ولكنني قررت في لحظة معينة بأنه من الملائم، كما شرحت لكم في خطابي.أرجوكم أن تعيدوا قراءتها عندما تتمكنون من ذلك.
فوكس: ها هي هنا، أمامي.
فيدل: والأمين العام على مقربة منكم، هل تتناولون العشاء معه؟
فوكس: لقد غادر للتو، قبل 15 دقيقة. لقد ذهب إلى الفندق وسوف يذهب غداً إلى مونتيرّيه.
فيدل: كم يؤسفني عدم التمكن من سماعي له وهو يلقي خطابه!، فأنا أعتقد أنه يتكلم في البداية.
فوكس: فيدل، أنت… أنت…، أعرف أنه…
فيدل: حسناً لو تمكنتم من أن تحصلوا لي على دور بحيث أتكلم، على سبيل المثال، في الرقم 10، لو دبّرتم لي دوراً…
فوكس: انتظر.
فيدل: نعم.
فوكس: عندي أنا مشاركة الخميس، تبدأ مراسم الافتتاح في الساعة التاسعة صباحاً.
فيدل: في الساعة التاسعة، جيد جداً.
فوكس: أفترض أنه في هذا الموعد سيتكلم الأمين العام وسأتكلم أنا.
فيدل: نعم، كان بودي أن أسمعه هو، فهو الذي دعاني.
فوكس: لا مشكلة في أن تأتي من أجل ذلك.
فيدل: حضرتك رئيس البلد المضيف؛ ليست هي الولايات المتحدة، إنما هي المكسيك.
فوكس: لا مشكلة في أن تأتي من أجل ذلك، في أن تصل باكراً وأن تشارك منذ لحظة الافتتاح؛ بدءاً من الساعة التاسعة صباحاً التي نبدأ فيها، سيتكلم حينها هو، وأتكلم أنا، ودورك هو الدور العاشر تقريباً.
فيدل: لا، دوري أنا هو رقم 30؛ ولكن إذا حصلتم لي حضرتكم على الرقم 10، أي بعد أن يتحدث الرئيسيون هناك –أعتقد أن شافيز في المقدمة كرئيس لمجموعة السبعة وسبعين-، وبعض آخر، إذا ما حصلتم لي على الرقم 10 أو 12…
فوكس: ولكن أتريد أن أغيّر لك الموعد هناك، من الساعة الواحدة ظهراً إلى ما قبل ذلك بقليل؟
فيدل: تكلّموا مع كوفي، تكلّموا مع كوفي واطرحوا عليه مشكلتكم، سوف يفهم هو بأن للعالم أصحاب وأن هذا الأمر هو بالغ الجدية.
فوكس: بوسعي أن أتكلّم مع كوفي (يضحك).
فيدل: تكلّموا مع كوفي (ضحك)، أتفهموني؟
فوكس: نعم، نعم، بوسعي أن أتحدث إليه، طبعاً.
فيدل: حينها أقوم بإرضائكم أكثر بكثير، فأظهر هناك وأتكلّم. وربما يكون أفضل لو وصلت في منتصف الليل في ساعة مشابهة، وأنام قليلاً ثم أذهب إلى هناك.
فوكس: ليس عليك إلا أن تخبرني فيأي ساعة س… أبلغني أنت في أي ساعة، ويكون لك عندي مكان إقامة، مكاناً تصل إليه، إذا ما وصت في وقت مبكِّر.
فيدل: حسناً، أنا حجزت في فندق صغير، بضع غرف، فأنا لم أكن قد حسمت أمر ذهابي.
فوكس: نعم، المسألة أنه ليس هناك غرفاً، هذه هي المشكلة، أنه ليس هناك غرفاً فندقية.
فيدل: لا، ولكن لوفدنا عشرين غرفة هناك ونستطيع إرسال بعضهم إلى أماكن أخرى، إلى نزل ضيافة.
فوكس: نعم، بل وأننا نرتّب أمرنا، فأنت لك أصدقاء كثيرين في مونتيرّيه يستطيعون استضافتك في الساعة والدقيقة اللازمين. ليس هذا بمشكلة. عليك أن تصل فجراً…
فيدل: اسمعوا، أستطيع إرضائكم بشكل أمثل. عليّ أن أصل فجراً؟
فوكس: نعم، ما الذي تسميه فجراً، الخامسة أو السادسة صباحاً؟
فيدل: لا، أنا أفضِّل الوصول في حوالي العاشرة ليلاً تقريباً، في ساعة محددة.
فوكس: آه! أن تصل ليل الأربعاء.
فيدل: نعم، نعم، بدون أن يراني أحد. ونلتقي في الصباح، فليشاهدوني هناك في الصباح.
فوكس: أبذل جهدك ليكون في الليل وسنرى كيف نرتّب الأمر، أي أن يكون وصولك في ساعات الليل أو الفجر.
فيدل: حسناً.
فوكس: تصل، وتستريح وتشارك اعتباراً من التاسعة صباحاً.
فيدل: أستريح وأكون هناك في الساعة 8:30.
فوكس: نعم، تمام، تمام.
فيدل: وتتكفلون أنتم أمري مع كوفي أنان وتشرحون له المشكلات؛ وإلا سيكون عليّ أن أتكلم وأشرح له، المسألة هي أن من دعاني هي منظمة الأمم المتحدة.
فوكس: لا، ليس هناك من مشكلة في ذلك. أنا…
فيدل: كمضيف كنتم حضرتك لطيفون جداً بتوجيه الدعوة لي، ولكن الأمم المتحدة هي التي تدعوني. وقد قلت لكم ذلك هنا، وكان هذا أول ما قلته لكم هنا حال بدئنا للمحادثات، بأنني مدعوّ.
فوكس: حسناً، لهذا السبب.
إذن، نواصل التفكير على هذا الأساس، بهذه الطريقة. ثم ننتهي…
فيدل: جيد. إذن أنا سألبي طلبكم، أنصرف في وقت أكثر تبكيراً. على كل حال عندي رغبة جامحة للعودة إلى هنا، فلدي أشغالاً كثيرة وأشياء كثيرة أنا متحمّس لها.
فوكس: فيدل، هل أستطيع أن أطلب منك معروفاً آخر؟
فيدل: تفضّلوا.
فوكس: أنه أثناء وجودك في دارنا يكون مفيداً جداً بالنسبة لي ألا يكون هناك تصريحات عن موضوع السفارة والعلاقات المكسيكية-الكوبية أو عن الحادثة التي عشناها في الأيام القليلة الماضية.
فيدل: ليست عندي أي حاجة للإدلاء بتصريحات هناك.
فوكس: كم يسعدني ذلك!
فيدل: قولوا دور بين العاشر والخامس عشر، بعدما تبدأ قائمة الخطباء، عدا عن خطابكم، بإمكاننا أن نتكلم مع رفيق كان هناك، ونعطيه التعليمات –والذي كانوا قد أعطوه تعليمات اليوم بأن يتدبّر أمر دور في موعد أبكر- وهكذا أكون أنا بعيداً عن التسبب لكم بالحد الأدنى من الإزعاج.
فوكس: نعم.
اسمع، فيدل، على كل حال هناك الدعوة لك لكي ترافقني إلى الغداء، وسيكون ذلك في حوالي الواحدة ظهراً، أو الواحدة والنصف، وبعد الغداء تستطيع المغادرة.
فيدل: هذا إذا لم تقدموا لي مولي [صحن مكسيكي قوامه اللحم والفلفل] وديك الحبش، لأن السفر بالطائرة إلى هنا والمعدة مليئة…
فوكس: لا، هناك جدي، وهو لذيذ جداً.
فيدل: يوجد جدي؟
فوكس: نعم، ممتاز.
فيدل: حسناً، جيد جداً.
فوكس: إذن، بإمكاننا البقاء على هذا الاتفاق، فيدل؟
فيدل: بإمكاننا البقاء على هذا الاتفاق، ونبقى أصدقاء، كأصدقاء وأفاضل.
فوكس: نعم، إني أشكرك جزيل الشكر، وليس عليك إلا أن تخبرني بساعة وصولك، من أجل التمكن من استقبالك ومرافقتك للاستراحة.
فيدل: سوف أبلغكم بساعة وصولي.
وإذا أردت بإمكاني أن أصل في موعد أبكر وبهذا نتفادى الكثير. في أي ساعة سترقدون للنوم غداً؟
فوكس: غداً؟
فيدل: نعم.
فوكس: ما هو يوم الغد، الأربعاء؟ سوف أرقد للنوم باكراً يوم غد، كقروي أصيل.
فيدل: كقروي أصيل. أنا عكس ذلك، أنا في العادة أسهر الليل.
قولوا لي، ما هي الساعة الأنسب بالنسبة لكم؟
فوكس: أنظر، كما أردت أنت، العاشرة، الحادية عشرة، الثانية عشرة ليلاً، لكي ترتب إقامتك وتستطيع أن ترتاح وتتواجد في اليوم التالي صباحاً.
فيدل: جيد جداً، اتفقنا.
فوكس: إذن، لم يبقَ إلا أن تبلغني السفارة الساعة بدقة لكي أستقبلك هناك كما يجب.
فيدل: نعم، غداً سأبلغكم الساعة بالضبط.
فوكس: نتحدث مع السفارة عن ذلك.
فيدل: نعم، وكالعادة أشكركم جداً على هذا التمييز، على هذا الشرف، وإذا ذهبت إلى هناك أعتقد أن من شأن ذلك أن يساعد كثيراً على…
فوكس: ترافقني في الغداء وتعود من هناك.
فيدل: ومن هناك أنفِّذ أوامركم: أعود.
فوكس: فيدل، أشكرك جزيل الشكر.
فيدل: جيد جداً، حضرة الرئيس.
فوكس: بهذه الطريقة تسير أمورنا على ما يرام
فيدل: أعتقد أنه سيكون كذلك، وأشكركم…
فوكس: حسناً، الشكر لك، وطابت ليلتك.
فيدل: … على التمييز وعلى إيجادكم لصيغة تكون مشرِّفة ومقبولة.
فوكس: نعم، أعتقد بأنها كذلك وأشكرك.
فيدل: جيد جداً، جيد جداً، أتمنى لكم النجاح.
فوكس: وطابت ليلتك.
فيدل: طابت ليلتكم.
كان الرئيس المكسيكي قد قال الكلمة الأخيرة. كان من حقي غير القابل للشك المشاركة في ذلك المؤتمر الذي دعت إليه الأمم المتحدة وليس السيد بوش. ولكن لم يكن بوسعي التوجّه إلى مونتيرّيه ضد الإرادة الصريحة لرئيس البلد المقر، كان عليّ القبول بأمر استخدام الدقائق الست التي من نصيبي، وأن ننصرف بعد الغداء، أو قبله، في حال التمكن من تقديم دوري رقم 30 الذي طالني حسب القرعة، وذلك لأسباب من بينها أنه لم أكن قد تمكنت من تأكيد حضوري في موعد سابق، بهدف منع التحرك الفوري من جانب قطيع الإرهابيين والقتلة المذكورين، والذين يتم تنظيمهم والدفع لهم من الأراضي الأمريكية لكي يصفّوني جسدياً كلما سافرت للمشاركة في محفل دولي.
من واجبي أن أضيف أنه عند وصولي إلى مونتيرّيه لم يظهر فوكس في المطار، كما كان قد وعد بدون أن أطلب منه ذلك على الإطلاق، ولا حتى أجرى مكالمة هاتفية من أجل إلقاء تحية مجاملة. لم تشغل هذه القضية بالي بداً. لا أشعر بأي ميل للبروتوكولات والمجاملات.
خلافاً لذلك، استمتعت بعزاء فريد من نوعه. في ذات الوقت الذي أُعطيت لي الأوامر بالمغادرة فور انتهاء مأدبة الغداء، أعلن لي مرتين بأنني سأحظى بالشرف العظيم في الجلوس إلى جانبه للاستمتاع الدنيوي بجدي لذيذ.
غير أنه لم يكن بوسعي الانسحاب من القمة بدون الحد الأدنى من التفسير. لم يسبق لي أن فعلت ذلك في أي من الاجتماعات. أمكن لسيادة رئيس الولايات المتحدة أن يفترض بأن كوبا خائفة من الجلوس، مرفوعة الرأس، أمام حضوره الجبار والمهيب. في قمة ريّو دي جانيرو عام 1992 كان لوالده نفسه أن أخذ البادرة المحمودة، لخروجها عن المعهود، بالدخول عن قصد إلى القاعة قبل دقائق قليلة من دوري في الكلام، والإصغاء بحصافة إلى كلامي، بل والتصفيق هو ووفده على حد سواء عند انتهائي. يؤكد مثال شعبي قديم بأن اللطف لا يقلل من الشجاعة. وما كان لأحد في بلدنا أو في المكسيك أو في أي مكان آخر أن يفهم ذلك الانسحاب بالغ الغرابة. ومن أجل تفسيره، قلت ثلاثة سطور فقط:
"أرجو منكم جميعاً أن تعذروني لعدم تمكني من مواصلة مرافقتكم، نظراً لوضع خاص نشأ بسبب مشاركتي في هذه القمة، وأجد نفسي مضطراً للعودة إلى بلادي فوراً".
لم يكن بوسعي أن أقول ما هو دون ذلك، ولا أن أقوله بقدر أكبر من الحذر. نسيت الجدي كلياً. غادرت القاعة واجتمعت بالرئيس الكولومبي لدقائق وجيزة من أجل التحادث حول المساعي السلمية في بلده. توجهت لاحقاً لوداع الأمين لعام لمنظمة الأمم المتحدة، الذي كان مطلعاً، كما هو منطقي، على لسان سفيرنا في تلك المؤسسة على ما حدث منذ اليوم السابق. وكان بانتظاري معه، في موقف تضامني واضح، كل من رئيس نيجيريا، أولوسيغون أوباسانجو، ورئيس جنوب أفريقيا، ثابو مبيكي. خرجت. ونزلت عبر السلم الكهربائي. ومقابل هذا السلم، على الشرفات الداخلية والمساحات الجانبية، كان العديد من الموظفين المكسيكيين، ومن الأمم المتحدة ومن المشاركين من بلدان أخرى في المحفل، يصفقون في بادرة تضامنية. حشد غفير من الصحافيين كان يتحرك على نحو هائج لالتقاط الصور والتصوير التلفزيوني بانتظار تصريح مني. لم أتفوّه بكلمة واحدة. على هذا النحو غادرت المبنى.
لم أخلّف ورائي أي مشكلة غير قابلة للحلّ. الكلمات الأخيرة التي قلتها في نهاية مداخلتي هي:
"تنتقل رئاسة وفد كوبا إلى الرفيق ريكاردو ألاركون دي كيسادا، رئيس الجمعية الوطنية للسلطة الشعبية، وهو مكافح لا يكلّ في الدفاع عن حقوق العالم الثالث. وأحيل إليه ما لي من صلاحيات في هذا الاجتماع كرئيس دولة.
أرجو ألا يُمنع من المشاركة في أي نشاط رسمي له الحق بالمشاركة فيه كرئيس للوفد الكوبي وكرئيس للهيئة العليا لسلطة الدولة في كوبا".
وهكذا كان بمتناول يد المضيفين حل بسيط جداً. القبول بمشاركة ريكاردو ألاركون، رئيس الوفد، في الاجتماعات الرسمية للقمة، وما كان ليجري الحديث بعد ذلك عن الحادثة. لم تكن هناك حاجة إلا للحد الأدنى من النظرة والحس المشترك. لا أعرف إن كان ما عند مستشار بلاط الرئيس فوكس من حقد وعجرفة وروح مغامِرة، أو كانت غطرسة بوش، ما حال دون هذا المخرج الكريم.
لم أكن قد تناولت شيئاً من الطعام حتى تلك اللحظة. توجهت إلى الفندق الذي كنت أنزل فيه. وكنت قد دعوت للغداء هناك الصديق الحميم هوغو شافيز، الذي وجد نفسه مقحماً أيضاً في مداخلة مشؤومة تمت مقاطعتها من قبل المضيف المكسيكي المرموق أثناء تحدثه باسم مجموعة السبعة وسبعين وباسم بلاده. امتد اللقاء الودي والرخي لعدة ساعات تم خلالها تبادل الآراء حول مواضيع مختلفة، وذلك قبل ثلاثة أسابيع من الانقلاب الفاشي المجهَض على الثورة البوليفارية. لم يكن غداء ريّاناً ولكنه لطيفاً، عبارة عن عجة مكسيكية وفاصوليا مقلية وغيرهما من الأطباق التقليدية عند البلد الشقيق، والتي بدت لي ألذّ من أي جدي.
كنت قد نسيت بالكامل الموعد والأمر القاطع بمغادرتي بعد الغداء على عجل. في غضون ذلك، كان بوش ينتظر بفارغ صبر منذ ساعات في "إل باسو" (El Paso) –الواقعة على الحدود الحالية للولايات المتحدة مع المكسيك منذ غزو عام 1846، عندما اغتصبوا أكثر من نصف أراضي هذا البلد- نبأ مغادرة المشارك غير الملائم أبداً الأراضي المكسيكية. لم يتذكّر أحد من البروتوكول أو أراد أن يُزعج الضيف الملتزِم والمطيع، ولكنه ينسى، والذي غادر مونتيرّيه في نهاية الأمر في الساعة الخامسة عصراً. يبدو بأن بوش، وقد ملّ الانتظار، تلقى إذناً أو قرر بنفسه الإقلاع وإلا سيواجه خطر الوصول متأخراً إلى مأدبة العشاء.
أحدٌ ما صفّ طائرته السياحية إلى جانب طائرة ال "IL-62" التابعة ل "كوبانا". وعند مروره بسيارته حيّى ببادرة ودية طاقم الملاحة الكوبي الذي كان بانتظاري في أعلى السلم. وأنا، الغائب عن مثل هذه الاحداث، استودعت من جهتي شافيز وركبت السيارة وتوجهت بقافلتي الصغيرة إلى المطار. مررنا تحت الجادة المؤدية إلى المطار، ووصلنا إلى هذا الطريق عبر المكان الذي مر منه للتو ذيل قافلة بوش الهائلة. في نهاية المطاف، كان كلانا على مسافة أمتار عن بعضنا في مونتيرّيه. عندما أقلعت طائرتنا، كان الغروب مشعاً وجميلاً.
مكث في المدينة مقر المؤتمر وفدنا برئاسة رئيس الجمعية الوطنية، برفقة وزير علاقاتنا الخارجية. كان المنطق يدل على أنه لن يكون هناك مشكلات أخرى. هل يمكن استثناء ريكاردو ألاركون من محافل القمة؟ هل سيتم القبول به أم لا في الخلوة التي ستتم في اليوم التالي بعد الخطاب الذي شغل رئيس الولايات المتحدة المرموق به "وبشكل ديمقراطي جداً" ضعف الوقت المخصص لبني آدم الآخرين الذين حضروا القمة كرؤساء وفود بدون أن يقاطعه أحد؟ ومع أنه بدا لنا أمراً خارج عن المنطق وأخرق وبعيد الاحتمال، كلفتهم مهمة القيام في هذه الحالة بشرح الحقيقة، ولكن بدون أن يذكروا حتى فحوى المحادثة بيني وبين فوكس وحدوثها، والتي كنت أرغب في المحافظة على طابعها الشخصي مهما بلغ الثمن، وإحالتها إلى أرشيف الثورة.
شكّل علامة سيئةً تسرُّع السيد كاستانجيدا بالتأكيد عصر ذلك اليوم بأن البروتوكول هو البروتوكول وأنه لن يتم انتهاكه، متدبّراً كالعادة أمر ذرائع من أجل تنفيذ التزامات مقطوعة مع حكومة الولايات المتحدة وإخفاء الحقيقة. قبل دقائق قليلة من الاجتماع تم إبلاغ الرفيق ألاركون أنه لن يكون بوسعه المشاركة فيه. وكما سبق واتُّخذ القرار، شرح رئيس وفدنا في مؤتمرات صحفية عدّة السبب الحقيقي لغيابي. وشرح بين أمور أخرى:
"أعرب وزير العلاقات الخارجية كاستانجيدا يوم أمس في مناسبات عدة من اجتماعه مع الصحافة بأنه لم يكن هناك أي مسعى من جانب أي موظف مسؤول من ناحية وضع شروط على مشاركة كوبا، واقترح عدة مرات بأن تكون كوبا هي من يشرح ما حدث، لأنه لا تتوفر لديه هو أي عناصر. عليّ أن أقول بأن التصريحات التي أدلى بها هو هي زائفة بشكل أساسي".
وأضاف:
"ليس فقط موظفون مسؤولون، وإنما يمكنني القول أنهم مسؤولين جداً من الحكومة المكسيكية أبلغونا قبل المؤتمر أمر الضغوط التي تعرضوا لها من جانب حكومة الولايات المتحدة لكي لا تشارك كوبا ولكي لا يرأس وفدها رئيس مجلس الدولة، الرفيق فيدل كاسترو، بالتحديد.
كاستانجيدا يعلم بأننا نعرف ذلك وأنه كان من السهل جداً علينا أن نشرحه؛ ولكننا إذا لم نفعل ذلك حتى الآن، فهو لأننا نحاول أن نكون بنّائين وأن نقنع السلطات المكسيكية بأن الأنسب بالنسبة للجميع هو محاولة إيجاد حلٍّ مشرّف، ملائم، وقد أصبح هذا أمراً مستحيلاً، ذلك أنه انعقد اجتماع تم استثناء وفداً منه بشكل تعسفي وغير مشروع، فلم تتم دعوته إليه، وهو وفد كوبا.
يقولون بأن نظم الأمم المتحدة ونظم البلد المضيف مختلفة. لا، فعلاً، أنني لست رئيس دولة؛ ولكنني الشخص الوحيد في مونتيرّيه الذي انتدبه رئيس الدولة ليمثله وهو رئيس الدولة الوحيد الذي تم استثناءه من المشاركة في الخلوة.
ليس صحيحاً القول أنه كان بإمكان كوبا أن تتمثل برئيس دولتها، لأنه طُلب منه، بشكل واضح جداً، أن يتفضل بمغادرة المكسيك بأسرع وقت ممكن".
أما وزير علاقاتنا الخارجية فقد ذكر في مداخلته للطاولة المستديرة للتلفزيون الكوبي هاتفياً عصر يوم 22 ما يلي:
"كانت كوبا على علم بضغوط سبقت المؤتمر مارسها الرئيس بوش على حكومة المكسيك. فقد هدد الرئيس بوش بعدم المجيء إلى القمة إذا ما شارك فيدل فيها.
كانت قد جاءت الدعوة الموجهة اللجنة التحضيرية التي شكلتها الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة بموجب قرار، ورسالة السفيرين التي تم إعلانها للتو، ثم جاءت بعد ذلك الدعوة الرسمية الموجهة من قبل الرئيس فوكس.
بعد ذلك طُلب من الرفيق فيدل ألا يأتي إلى القمة، التي من حقه المشاركة فيها بصفته رئيس دولة عضو في الأمم المتحدة؛ وكان قد تلقى دعوة اللجنة التحضيرية للأمم المتحدة للمشاركة في مؤتمر كانت كوبا قد لعبت دوراً هاماً في الدعوة إليه.
هذه هي الحقيقة التاريخية، أنّه طُلب منه عدم المشاركة، وقد طُلب منه ذلك –كما سبق وذكرنا- من قبل شخص مسؤول جداً في الحكومة المكسيكية، بكل ما يبلغه حجم ذلك الطلب. طُلب منه ألا يأتي، وأمام موقف فيدل الثابت، الذي دافع عن حق كوبا بالمشاركة بسيادة في هذا الاجتماع، طُلب منه آنذاك أن يذهب صباح الخميس فقط، وأن ينسحب بعد مأدبة الغداء التي يقيمها حاكم الولاية.
كان يحضر الرفيق فيدل ضرورة وواجب أن يشرح للمندوبين، فشرَحه بحذر وانتباه، وذكر في الواقع السبب الذي يمنعه من البقاء هناك، ولكن بتكتم وحذر. وطرح طلباً كان بالإمكان تلبيته وكان طلباً منطقياً، وهو أن يشارك الرفيق ألاركون، رئيس جمعيتنا الوطنية، في باقي نشاطات المؤتمر.
لقد كان هناك عجز في فهم هذا التبرير، وعجز في قبول طلب عاقل".
كاستانجيدا، من جهته، نفى على نحو هائج ما قاله كل من ألاركون وفيليبي.
في مؤتمر صحفي عقده في 21 آذار/مارس، ورداً على سؤال وجهه صحافي عمّا إذا كانت الحكومة المكسيكية قد طلبت من الحكومة الكوبية بأن يرتّب الرئيس الكوبي برنامجه بحيث لا يلتقي بالرئيس بوش، أجاب كاستانجيدا:
"أبداً، بأي حال من الأحوال، لم يقدم أي موظف مسؤول من الحكومة المكسيكية في أي لحظة من اللحظات طلباً من هذا النوع أو من أي نوع آخر مشابه للحكومة الكوبية، للسلطات الكوبية".
وأمام إصرار الصحافة، أجاب كاستانجيدا:
"لم يكن هناك أي ضغط أو تأثير أو مسعى أو طلب أو اقتراح أو تلميح. لو كنت أحمل قاموس المرادفات لتابعت، ولكن ذاكرتي لا تسمح لي بأكثر من ذلك؛ ولكن إذا خطر على بالك مرادف آخر، يا بلانش، قله له وستكون إجابتي هي نفسها".
وفي برنامج "زونا أبجيرتا" (Zona abierta) [المساحة المفتوحة] التلفزيوني، أكد كاستانجيدا:
"لم يكن هناك ضغط في أي لحظة من اللحظات من جانب أي موظف مكسيكي على فيدل كاسترو لكي يغادر قبل الموعد المحدد".
في مؤتمر صحفي مشترك عقده مع الرئيس بوش في الثاني والعشرين من آذار/مارس، قال الرئيس فوكس عند سؤاله عن الضغوط الهادفة لاستثناء كاسترو: "ليس هناك شيئاً من هذا. السيد فيدل كاسترو قام بزيارته للمكسيك ولمؤتمر منظمة الأمم المتحدة، تواجد هنا، وشارك وعاد إلى كوبا. ليس هناك أكثر من ذلك! هكذا بكل بساطة".
وفي مقابلة أجراها معه خواكين لوبيز دوريغا، ونشرتها صحيفة "لا خورنادا (La Jornada)، حين سؤل عن صحة ما أفيد بأن مغادرة فيدل كاسترو جاءت أولاً لأن حكومته قالت له ألا يأتي؛ وثانياً لأنه عندما كان هنا قلتم له حضرتكم بأن يغادر، أجاب فوكس: "لا، لحدّ علمي، لا شيء من هذا. من شأنه أن يبعث الاهتمام وأن يكون ملائماً أن تشيروا لنا من أين أتت هذه القضية؛ أعتقد أن عند فيدل كاسترو ما يكفي من النضوج، فهو في الحكم منذ سنوات كثيرة، لا أعتقد أن أي شيء من هذا يمكن أن يمنع حريته وإرادته. تواجد كاسترو هنا في مونتيرّيه، وشارك في المؤتمر، في اجتماع مؤتمر الأمم المتحدة ، ثم قرر العودة. لم يجبره أحد على المغادرة".
وفي تصريحات أدلى بها لمحطة "تلفزيون أزتيكا" في الرابع والعشرين من آذار/مارس، وعند سؤاله عمّا حدث معي، أجاب: "على غرار ما كان بلاغه بالحضور ووصوله، حيث وصل ليل اليوم السابق، كانت مغادرته. بكل بساطة، جاء، وألقى خطابه، وتماستقباله بكل حفاوة في المطار، وحيّيته عند وصوله، ككل الباقين، وودعته وغادر. هكذا بكل بساطة. ماذا هناك، ماذا يوجد وراء ذلك؟ لا أفهم".
والرئيس بوش من جهته أكد بأعصاب باردة بأن الولايات المتحدة لم تمارس أي ضغط على المكسيك.
جميعهم كذبوا يمنة ويسرة.
لو أن كاستانجيدا فتح قاموس المرادفات حيث يجب، لوجد أن كذب تعني: خداع، كيد، احتيال، هذر، تشويش، حياكة، انتقاص من الحقيقة، تمثيل، تزوير، تظاهر، تصنّع، غش، تزييف، إخفاء، نصب، دجل، غرّ، إلخ، إلخ، إلخ.
لقد تم وضع مصداقية بلدنا موضع شك. فاستناداً إلى استطلاع للرأي، تم حمل حوالي نصف المكسيكيين على عدم الثقة بصحة أقوال كوبا.
في المقالة الافتتاحية لصحيفة "غرانما" في السادس والعشرين من آذار/مارس تم التنبيه إلى أنه: "تتوفر لدى كوبا أدلة ساطعة على كل ما حدث يمكنها أن تزيل أي شك. لقد فضلت الامتناع عن استخدامها لأنها لا تريد إلحاق الأذى بالمكسيك، ولا تريد الإساءة لمكانتها، وليس عندها أدنى رغبة بخلق اضطراب سياسي في البلد الشقيق.
[…]
يجب بأي طريقة، ومن أجل كرامة المكسيك، أن يوضع حداً لهذه الإساءات والاعتداءات على الشعب الكوبي. ونتمنى ألا تُرغم كوبا على شهر الأدلة التي نملكها".
وانتهت المقالة الافتتاحية المذكورة إلى التأكيد:
"لا نطلب شيئاً آخر غير وقف الاستفزازات والإساءات والأكاذيب ومخططات السيد كاستانجيدا الشريرة ضد كوبا. خلافاً لذلك، لن يبقى خياراً آخر غير نشر ما لم نشأ نشره وسحق تصريحاته الكاذبة والدنيئة، مهما كلف الثمن. ولا يراودنّ الشك أحداً في ذلك!".
تم استخدام تعبير "خلق اضطراب" لأن وزير العلاقات الخارجية المكسيكي المغامر جرّ بغدره الرئيس المكسيكي ولا أقل منه. لم يكن بالإمكان استخدام أدلتنا دون إقحامه. ربما قادهم ذلك إلى الاعتقاد بأننا سنرضى بأمر الضربة بدون أن يتم الكشف عن الحقيقة. وبأن بلداً محاصر من قبل العملاق الذي يبعث الخوف والتهديد عند العالم اليوم بصواريخه وقاذفاته، وبالإضافة لذلك تُدرِج حكوماته وطننا بشكل دنيء ومفترٍ بين البلدان التي تدعم الإرهاب، لا يمكنه أن يتجرأ على الكثير.
بل وأنه بالرغم من ذلك لم نكن نرغب بالكشف عمّا لدينا من أدلة. التزمنا الصمت إلى ما يتجاوز الحدّ تقريباً الذي تسمح به الأخلاق والحقيقة. غير أنه لم يكن ينقص إلا الشعرة التي ستقصم ظهر البعير.
يوم الأربعاء العاشر من نيسان/أبريل، قام يهوذا الساهر والدنيء الذي يحكم أوروغواي، وفي اضطلاعه في دور الخادم غير المشرّف الذي كانت تلعبه الجمهورية التشيكية، بتقديم المسخ المعادي لكوبا أمام لجنة حقوق الإنسان، والذي صممه وصاغه كاستانجيدا مع واشنطن.
وهناك شيء آخر –وهذا بين قوسين-، حتى أنه تم تهديدنا بقطع العلاقات، حكومةٌ سمح فيها وزير صحة مجرم بأن يموت أطفال، وذلك فقط من أجل عدم شراء حقن كوبا، وهي البلد الوحيد الذي ينتجها بالمواصفات الملائمة، حسبما أبلغهم معهد "Pasteur" الفرنسي، رداً على مشاورة من أوروغواي. والحقيقة أننا أمام هذه التهديدات، لم يبق أمامنا إلا أن نسأل ما الذي ينتظرونه لفعل ذلك.
لن يحول هذا دون وصول حقننا، لأنه في لحظة كان يقترب فيها موعد الحاجة لشحنة جديدة، في ذات اليوم الذي قدمت فيه حكومة أوروغواي المشروع المشين ضد كوبا في جنيف، كانت الساعة الثالثة عصراً موعد مغادرة طائرة كوبية هافانا إلى أوروغواي وعلى متنها 200 ألف جرعة تبرعت بها كوبا. لقد شعرنا باستياء كبير في الواقع عندما ظهر أول تفشٍّ للمرض وعُلمت قصة ما حدث، في وقت كان بالإمكان تفادي ذلك. قلنا لشعب أوروغواي بأننا مستعدّين للتبرع بالحقن. كانوا يحتاجون في تلك اللحظة، في نهايات شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، 71 ألف جرعة. وشيء آخر، أخذنا من احتياطنا، بل وكل احتياطنا، وأرسلناه إلى هناك. بالكاد كان قد مرّ على هذا 15 أسبوعاً حين تفشى المرض في قرية من المناطق الداخلية. وقبل فترة وجيزة من الآن تفشى الوباء في العاصمة. أرسلنا على الفور 200 ألف جرعة في السابع من نيسان/أبريل، كان قد تم إنتاجها في وقت سابق. بل وأننا تحملنا نفقات النقل. نشأت بعد ذلك مناقشات، لأنهم يريدون أن يرفضوا فكرة أن يكون هذا تبرّعاً ويصرّون على حسمه من دين قديم.
نعم، علينا دين قديم، ليس بكبير جداً، ولا هو بشيء لا نستطيع في الوقت الراهن مواجهته، إن طالت المهلة أو قصرت . هذا التخلف عن التسديد جاء حين حلّت الفترة الخاصة، بعد انهيار المعسكر الاشتراكي والاتحاد السوفييتي، وفي لحظات قامت حكومة الولايات المتحدة، حليفة، أو على الأصح سيدة الحكومة الأوروغوائية، بتشديد حصارها وتصعيده. أحد عشر مليون كوبي يشهدون على ما عناه ذلك.
لقد قلنا بأننا مستعدون لمناقشة ذلك الدين متى شاؤوا؛ ولكننا لا نرغب، ولا أحد يستطيع أن يفرض علينا ألا يكون هذا التبرع تبرعاً، وإنما تسديداً لدين. ليس من شأننا ن نسدد أبداً أي دين من احتياطنا من الحقن، في وقت كنا نقوم فيه بإنتاج البديل له.
ليس هذا بدعة. هناك تقليد يعرفه كل العالم عن بلدنا وعن سياستنا. نحن لسنا من هواة الأكاذيب والمزايدات من أي نوع كانت، ونرفض بكل حق أن يساء إلى تبرعنا. الحقيقة أنه بؤس إنساني. وأقول بأنه إذا قطعوا العلاقات ستصل باقي الحقن في موعدها المحدد، ربما 800 ألف حقنة، إلا إذا رفضوا أن تحطّ الطائرة هناك، لأنه في الساعة الثانية عشرة ليلاً بين الحادي والعشرين والثاني والعشرين ن نيسان/أبريل، أي بعد ساعات من طعنة جنيف، وصلت إلى مونتيفيديو المائتا ألف جرعة من الدفعة الثالثة من الحقن وستكون جاهزة بقية الحقن.
هناك 2600 طبيب كوبي يقدمون خدمات مجانية في بلدان من العالم الثالث من خلال البرنامج التكاملي للصحة، كمساعدة من كوبا لبلدان العالم الثالث. لن أذكرها؛ ولكن هذا ليس تسديداً لأي دين، ولا ينتقم شعبنا من الأمور التي تعرضت لها كوبا في السنوات الأولى من الثورة عندما انصاعت جميع الحكومات الأمريكية اللاتينية للولايات المتحدة، باستثناء المكسيك، التي تلعب دوراً مؤلماً بالغ الهول الآن، في مقدمة خيانة كبرى جديدة لكوبا، كالتي فعلتها تلك السنوات المؤسفة والمخجلة من الجبن والانصياع. وزّعت الولايات المتحدة عليهم حصتنا من مبيعات السكر، والبالغة أربعة ملايين طن تقريباً، وكان لها سعراً تفضيلياً. لحسن الحظ أنه هذه المرة لم ينضم عديدون إلى هذه الدسيسة الغادرة. يجب أن نتذكر كل هذا التاريخ، وأننا لا نسدد ديوناً من دمنا. لا ندفع بدمنا إلا ما ندين به للبشرية! واجباتنا الأساسية في التضامن مع شعوب أخرى.
إن سياسة حكومة أوروغواي هذه هي سياسة ساقطة وبائسة. وكوبا لا يمكن تهديدها، لا يمكن لأحد أن يهددها! لقد عاشت 43 سنة في ظل تهديد العملاق، الذي هو اليوم أقوى بثلاثة أضعاف ما كان عليه في ذلك الحين. لقد قاومنا وسنواصل المقاومة بشرفنا ووجلنا ووعينا، وهي الأمر الوحيد القادر على تفسير بقاء بلدنا وثورته.
اعذروني على هذين القوسين.
في الخامس عشر من نيسان/أبريل أصدرت رئاسة المكسيك بياناً رسمياً أبلغت فيه بأن المكسيك ستصوّت لصالح المشروع المقدّم من قبل أوروغواي.
كان هذا القرار معروفاً لدينا قبل ذلك الموعد بعدة أيام. ويستجيب إلى اتفاق مبرم مع الولايات المتحدة.
أبشع ما في الأمر هو أنه جرت محاولة رشونا وشراء صمتنا عمّا حدث في مونتيرّيه. ففي خضم الأحداث المأساوية التي وقعت في فنزويلا، عندما كانت حياة هوغو شافيز تتعرض لخطر الموت وبدا وكأن كل شيء قد انتهى، نقل سفير المكسيك في كوبا، الذي لا أحمّله مسؤولية، رسالة من الحكومة المكسيكية عصر الثالث عشر من نيسان/أبريل، قبل حوالي 38 ساعة من البيان الرسمي الصادر في يوم 15، تعد فيها بأنه يمكن لِ "بيتروليوس ميخيكانوس" (Petroleos Mexicanos) أن تتولى التزويد الفنزويلي الذي تتوقف "بيتروليوس دي فنزويلا" عن تسليمه.
لقد أثارت الاشمئزاز عندنا مناورة الخداع التي حاولوا بها تحييد احتجاجنا على العمل الشرير الذي سيقترفونه في جنيف. فالحكومة المكسيكية اعترضت بشكل منتظم على أن تتلقى كوبا أي فائدة من اتفاقات كاتفاق سان خوسيه وغيره. شكرناهم ببرود ولم نبدِ الحد الأدنى من الاهتمام بالعرض المنافِق.
وعد كاستانجيدا والرئيس فوكس على حد سواء خلال زيارتهما لهافانا بعدم رعاية قرار ضد كوبا أو الترويج له أو دعمه تمت خيانته بدناءة.
ما زال بإمكان بعض ممن يصغون لي أن يقول: جيد جداً، كل هذا تم شرحه بشكل منطقي ومنسق ظاهرياً، لكن، من يضمن ألا يكون كاسترو قد اخترع كل هذه القصة معتبراً نفسه متبارياً مع شكسبير؟ الذين يفكرون بهذه الطريقة، أرجوهم أن يصغوا خلال عدة دقائق إلى التسجيل الذي ترد فيه الكلمات بدقة، باللهجة والتركيز الدقيقين في صوت فوكس وصوتي.
إذا أراد الحاضرون في هذا المؤتمر بإمكانهم أن يتصلوا فوراً بفوكس و كاستانجيدا، وأن يسألوهما إذا حصلت هذه المحادثة أم لم تحصل في 19 آذار/مارس بين حوالي الساعة 11:30 والساعة 11:50 ليلاً، وإذا ما كانا يعترفان بذلك وإذا كانت هذه الكلمات دقيقة أم لا. إذا تم الإثبات بأن هذه المحادثة لم تحصل، وأن هذه الكلمات ليست كلمات الرئيس فوكس، أتعهد بالاستقالة فوراً من كل مناصبي ومواقع مسؤوليتي كقائد للدولة وللثورة الكوبية. فلن يكون لي عين حينها في مواصلة قيادة هذا البلد بشرف.
مقابل ذلك، بودي أن يكون عند أصحاب كل الأكاذيب وأصحاب الخدعة الهائلة التي أرادوا بها التلاعب بالشعب المكسيكي والرأي العام العالمي وكيدهما القدرة على التصرف بذات الحس من الكرامة والشرف.
ليست الشعوب بجماهير هيّنة يمكن خداعها وحكمها بلا أي أخلاق أو وجل أو احترام.
نتيجة قولي لهذه الحقائق يمكن للعلاقات الدبلوماسية أن تنقطع، ولكن العلاقات الأخوية والتاريخية بين شعبي المكسيك وكوبا ستكون أبدية.
22 نيسان/أبريل 2002
(تصفيق حاد)
المؤامرة الحالية على كوبا في جنيف كان قد دبّرها السيد كاستانجيدا في واشنطن. فالحكومة التشيكية كانت قد سئمت من دورها المرتزق باهظ الكلفة والمحِطّ لمصداقيتها. وكانت حكومة الولايات المتحدة في العام الماضي، بعد القرار الذي تم فرضه بالقوة ضد كوبا، قد جُرِّدت من صفتها كعضو في لجنة حقوق الإنسان في عقاب مذلٍّ ومحقٍّ لها، وذلك عبر تصويت سري أجراه المجلس الاجتماعي الاقتصادي. وكانت هذه أخزى هزيمة تسجّل منذ قيام هذه الهيئة في عام 1945.
وزير العلاقات الخارجية المكسيكي، خورخي كاستانجيدا، عرض نفسه لإعطاء صفة أمريكية لاتينية للمناورة الجديدة والماكرة. اقتراح دنيء ومفتعل ومخادع كان ينبغي رعايته من قبل وفود أمريكية لاتينية في لجنة حقوق الإنسان. وهذا ما كرّس جهوده من أجله خلال ما تبقى من عام 2001، متسبباً بحوادث متكررة مع كوبا كانت محلاً للعديد من الانتقادات من جانب شخصيات سياسية وأعضاء في مجلس النواب ومجلس الشيوخ المكسيكي.
ومنذ العشرين من نيسان/أبريل 2001، أي بعد يوم واحد من التصويت على القرار المعادي لكوبا والذي امتنعت المكسيك من التصويت عليه، صرح وزير العلاقات الخارجية لبلدنا، فيليبي بيريز روكي، بأن وزير العلاقات الخارجية المكسيكي، خورخي كاستانجيدا، كان قد فعل كل ما بوسعه في سبيل محاول جعل المكسيك تغيّر موقفها وأن تتم إدانة كوبا. وطوال تلك السنة، كرس السيد كاستانجيدا جهوده للدس والتآمر في هذا الاتجاه.
في بدايات العام الحالي، وبمبادرة من المكسيك تم التخطيط لزيارة وفد رفيع المستوى، برئاسة فوكس، لكوبا، بحجة تحسين العلاقات بين بلدينا. كان موعد انعقاد قمة مونتيرّيه يقترب. هدّد بوش بعدم المشاركة إذا ما حضرت كوبا، على غرار ما فعل من قبله ريغان، على أثر انعقاد قمة رؤساء دول وحكومات الشمال-الجنوب، التي كان موعد انعقادها شهر تشرين الأول/أكتوبر من تلك السنة. دخلت كرامة وواجبات الحكومة المكسيكية من جديد في تناقض مع مصالحها. وليُفهم جيداً، الحكومة المكسيكية؛ أنا لا أتكلم عن شعب المكسيك الشقيق. تم التخطيط بدقة لزيارة فوكس وكاستانجيدا لكوبا، التي وصلا إليها في الثالث من شباط/فبراير في الساعة العاشرة والنصف صباحاً. كان هناك رياءً وحساباً في كل شيء. كنّا نعرف تماماً بأن أحد أهداف الزيارة هو الطلب منّا التخلّي عم مشاركتنا. لم يتجرآ على فعل ذلك. كانت كافية الساعة الأولى من الاجتماع، الذي بدأ في الساعة 11:14 صباحاً. الدقائق الأولى منه كانت كافية تقريباً. تقدّمت عليه بتذكيره بالدعوة التي وجهتها منظمة الأمم المتحدة لبلدنا للمشاركة في تلك القمة. ثم بحثت بعمق كل نفاق وغدر المناورات المعادية لكوبا في جنيف.
تحولت المحادثات مع فوكس وأعضاء آخرين في الوفد ذلك الصباح إلى محادثات جادة ومثمرة حول مواضيع مختلفة. كان كاستانجيدا مهتاجاً بعصبية وقلق –لا تظنّن بأن عندي شيئاً ضده. غداء خفيف مع فوكس والوفد المرافق له بعد انتهاء الاجتماع الأول. إكليل من الزهور لمارتيه. جولة واسعة من ضمن البرنامج رافقته خلالها طوال الوقت. تحادثنا على الطريق بكثير من الجدية والثقة حول مواضيع مختلفة. زرنا هافانا القديمة؛ ومحطّة لتوليد الكهرباء شرقي العاصمة تعمل بواسطة الغاز المرافِق للنفط، وذلك باستخدام تكنولوجية الدورة المتآلفة؛ وباقتراح منّي عقدنا لقاء في منزل مؤرخ المدينة، إيوسيبيو ليال، الذي كان فوكس قد انتهى للتو من منحه تقليداً، من أجل زيارة السيدة والدته، التي كانت تحتضر.
وفي الختام، تكللت الجولة في المركز الدولي لترميم الأعصاب، حيث يتلقى العديد من المكسيكيين علاجاً ناجحاً.
من جهة أخرى، في حوالي الساعة الرابعة عصراً، كان ينعقد لقاء بين وزير علاقاتنا الخارجية والسيد كاستانجيدا. لم يتجرأ هذا ولا على أن يبحث مع فيليبي قصة المشروع المعادي لكوبا في جنيف. لم يذكر قمة مونتيرّيه، ووعد بأن المكسيك لن ترعى ولن تروّج ولن تدعم أي اقتراح ضد كوبا في جنيف.
في الساعة الثامنة مساء حفل استقبال رسمي في قصر الثورة؛ وفي الساعة 8:53 اجتماع خاص مع الرئيس فوكس في مكتبي. عندما تناولنا موضوع جنيف، بعد العديد من الاجتهادات، أكد لي حرفياً بأنه ليس من شأن المكسيك أن تفعل شيئاً أبداً يمكنه إلحاق الأذى بكوبا، فهي كثيرة السنوات من العلاقات التي لا يريد إنزال الضرر بها بأي شكل من الأشكال. في وقت لاحق جاءت مأدبة العشاء المنتظرة، والتي جرت في مناخ ودي. ولّدت الزيارة عندنا انطباعاً إيجابياً. فقد كانت كثيرة الساعات التي تم خلالها التبادل المحترِم والصادق ظاهرياً.
غير أن هذا الانطباع لم يدم إلا وقتاً قصيراً. فقد خطر على بال كاستانجيدا الإدلاء بتصريحات غامضة وغريبة: "لم يعد هناك وجوداً لعلاقات المكسيك مع الثورة الكوبية وبدأت اليوم مع جمهورية كوبا…"، "موقف المكسيك اليوم ليس بموقف الأمس"، إلى آخره. وتوجّه بعد ذلك بوقت قصير إلى ميامي في السادس والعشرين من شباط/فبراير من أجل افتتاح معهد ثقافي مكسيكي. ودُعي لذلك الحفل قطيع طريف من الإرهابيين والمعادين للثورة من أصل كوبي ممن لم يمتّوا للثقافة بصلة أبداً. تناول مجدداً ما ابتكره من تعبيرات نظرية عن علاقات المكسيك مع الثورة أو مع الجمهورية، ووجّه كلامه المعسول إلى المستمعين إليه وهم من "النخبة". صرّح: "أبواب سفارة المكسيك في هافانا مفتوحة أمام جميع المواطنين الكوبيين، كما هي المكسيك مفتوحة الأبواب أمامهم". وتلاعب محررون في ما تسمى زوراً "راديو مارتيه" التحريضية بكلماته، وكرروا طوال اليوم التالي بأن العلاقات بين المكسيك وكوبا قد قُطعت وأن أبواب سفارة هذا البلد في هافانا مفتوحة أمام الجميع.
وقع حادث خطير ذلك اليوم في ساعات الليل، ولم يتم الخروج منه إلا فجر الأول من آذار/مارس بفضل التعاون الجاد والفاعل من جانب كوبا، وهو تعاون طلبته السفارة المكسيكية، وذلك بدون إلحاق أي خدش بالمتسللين إلى السفارة. وانتشرت افتراءات فظة لا تقوم على أي أساس من الصحة. حتى أنه تم التأكيد بأن مرد الحادثة هو استفزاز من جانب كوبا. كان قد حل شهر آذار/مارس. وكان موعد انعقاد قمة مونتيرّيه قد أصبح قريباً.
وكما هي العادة، أنا لا أعلن أبداً عن قراري المشاركة في مثل هذه المحافل أو عدمها. الأسباب واضحة. وعندما أتخذ قراري، إنما أبلغ ذلك في اللحظة الأخيرة لمن عليّ إبلاغه. بل وأن هناك من يذهبون إلى هذه المحافل بدون إبلاغ ذلك مسبقاً، ولم يواجهوا أبداً أي مشكلة مع المضيفين. في هذه المرة، وبعد اتخاذ القرار قبل موعد القمة بثلاثة أيام، أبلغت عن وصولي قبل الموعد بأربع وعشرين ساعة، في 19 آذار/مارس. كان عندي دافعين: لا بوش كان يريد حضوري ولا كذلك فوكس. ولم أكن أريد أيضاً الضلوع في نقاش طويل مع كل من فوكس وكاستانجيدا، في محاولة منهما لإقناعي ورجائي ألا أذهب. فعندما هدّد ريغان بمقاطعة الاجتماع عام 1981 وجدت نفسي مضطراً لإرضاء الرئيس خوسيه لوبيس بورتيجو. ولكن هذا، في خضم خجله وحرجه، تصرف كرجل فاضل. كان أنيقاً، فدعاني إلى كوزوميل، وشرح لي مأساته بكل صراحة. ووافقت.
هذه المرة كان الزمن والوجوه قد تغيّرا. فالوضع الدولي اليوم هو على نحو فوق العادي من الخطورة والتعقيد. وكان سيتم في ذلك المؤتمر تناول موضوع بالغ الأهمية بالنسبة لجميع بلدان العالم الفقير والمستغَل. كان من حقي أن أشارك وقرت أن أشارك. كنت على يقين بأنه حالما أبلغ نبأ مشاركتي لن يتأخر رئيس الولايات المتحدة دقيقة واحدة في معرفة ذلك، بما يعنيه الأمر من ضغوط محتمة على المكسيك. لم أشأ إعطائهم الكثير من الوقت لذلك. صغت رسالة قصيرة ووجهت تعليماتي لسفيرنا بأن يسلمها للرئاسة المكسيكية في الساعة السابعة مساء بتوقيت كوبا، أي السادسة عصراً بتوقيت المكسيك.
مع أن مونتيرّيه كانت مكتظة بالموفودين، فإن وفدنا كان قد استأجر سلفاً 20 غرفة من الأربعين غرفة التي يتكون منها فندق صغير حديث الافتتاح. ونظراً للشك الذي أحاط الرحلة لم يتم استئجار جميع الغرف. وكنا نرغب أيضاً بتضليل الإرهابيين الأبديين والذين لهم تواجد في كل مكان، ممن تدرّبهم وتسكت عنهم وترعاهم الولايات المتحدة. وفي اللحظات الأخيرة كان يكفي بالنسبة لي نصف ذلك الفندق الصغير.
مضمون الرسالة، التي نشرها السيد كاستانجيدا من أجل استغلال عبارة تنفعه لشهر حجة يحاول بها تفسير عودتي السريعة، هو حرفياً:
"هافانا، 19 آذار/مارس 2002
حضرة الرئيس:
قرأت ثانية باهتمام رسالتكم المؤرخة في 28 كانون الثاني/يناير من العام الحالي، والتي تدعوني فيها للمشاركة قي المؤتمر الدولي للأمم المتحدة حول تمويل التنمية الذي سينعقد في مونتيرّيه. في وقت سابق، في الحادي والعشرين من كانون الأول/ديسمبر 2001، كنت قد تلقيت دعوة من السفيرين شمشاد أحمد وروث جاكوبي، رئيسا اللجنة التحضيرية للأمم المتحدة بالمناصفة.
ما كان عندي من كمية عمل هائلة في الأسابيع الأخيرة لم يسمح لي بالتأكد من مشاركتي أو عدمها في المؤتمر المذكور، الأمر الذي أمكنه أن يشعرني بالخجل الكبير من المكسيك، مقر انعقاد هذا المحفل الهام، ومن منظمة الأمم المتحدة، التي تعير اهتماماً كبيراً له.
ولهذا اتخذت القرار ببذل جهد إضافي والمشاركة في هذا الاجتماع، ولو كان في الحد الأدنى من الوقت، الأمر الذي يسعدني أن أبلغه لحضرتكم أولاً.
أرجو أن أتمكن من المساهمة بروح بنّاءة في نجاح هذا المؤتمر، الذي كرّست المكسيك له جهوداً كبيرة.
مع تمنياتي لكم بالنجاح، حضرة الرئيس فوكس، أعبر لكم عن صداقتي واحترامي الشخصي.
فيدل كاسترو روز".
إن الإعلان عن تواجدي الوجيز يعني بوضوح بأن حضوري سيقتصر على اليومين اللذين سيستغرقهما انعقاد المؤتمر –هذا ما قصدته في الواقع-، وأنه لن تشمل الزيارة أي برنامج إضافي آخر في المكسيك.
عندما سلّم سفيرنا الرسالة للسكرتير الشخصي للرئيس، أُبلغ بأن فوكس سيتوجه على الفور تقريباً إلى مونتيرّيه. وبعد قيامه بهذه المهمة، توجه ممثلنا إلى مكاتب سكرتير الحكم، الذي أبلغه النبأ من أجل القيام بالتنسيقات اللازمة. وكان وصولنا إلى مونتيرّيه سيتم بعد ذلك بأربع وعشرين ساعة.
في حوالي الساعة الحادية عشرة ليلاً، بتوقيت كوبا، دخلت إلى مكتبي مكالمة من المكسيك، تفيد بأن الرئيس فوكس يريد التحدث إلي بأقصى درجة من العجالة. وبما أنني لم أكن متواجداً في مكتبي، تم الطلب إليهم التفضّل بتكرار المكالمة بعد ذلك بوقت قصير. وفي الساعة 11:28 دخلت مكالمة جديدة من المكسيك. كنت في تلك اللحظة مجتمعاً مع عدة رفاق في قاعة صغيرة ليست بعيدة عن مكتبي. المكالمة في تلك اللحظة ولّدت عندي الشك والريبة. يا للغرابة، فالرئيس يرقد إلى النوم في وقت مبكر! كانت اللهجة لهجة عجالة. لم يعد عندي أي شك. نهضت من على الطاولة، وتوجهت إلى مكتبي، وطلبت IR="RTL">فوكس: نعم، كصديق، الحقيقة أن المسألة هكذا، في اللحظة الأخيرة وبهذه المفاجأة إنما تضعني أمام مجموعة كبيرة من المشكلات.
فيدل: لماذا؟
فوكس: مشكلات أمنية، مشكلات عناية واهتمام.
فيدل: حسناً، لا يهمّني، ليس هناك ما يشغل بالي، حضرة الرئيس، يبدو أن حضرتكم لا تعرفوني.
فوكس: ألا يشغل بالك ذلك؟
فيدل: لا، أؤكد أنه البتة؛ فأنا لا يصحبني 800 رجل كالذين يصحبون السيد بوش.
فوكس: ولكنه ليس من شيمة الأصدقاء الإبلاغ في الساعة الأخيرة بأنك ستأتي إلى هنا.
فيدل: نعم، ولكنني أتعرض لمخاطر كثيرة لا يتعرض لها أحد، وحضرتكم تعرفون ذلك تمام المعرفة.
فوكس: حسناً، ولكن تستطيع الثقة بصديق وكان بإمكانك الإبلاغ قبل هذا الموعد عن عزمك المجيء، أعتقد أنه أمكن لذلك أن يكون أفضل بكثير للطرفين.
ولكن، أنظر، من حيث المبدأ أعرف أنه ليس فقط أن لك كل الحق، وإنما إذا لم تكن تستطيع مساعدتي كصديق في هذا المجال وكان ضرورياً بالنسبة لك…
فيدل: نعم. قولوا لي بماذا أستطيع مساعدتكم، إلا في هذا.
فوكس: حسناً، بماذا تستطيع مساعدتي إلا في هذا؟
فيدل: قولوا لي، كيف؟ ماذا من واجبي أن أفعل؟ من شأني أن أواجه المخاطر بنفس مطمئنة (بدأت القضية تأخذ طابعاً جدياً: فلا جارنا في الشمال ولا البلد المقر كانت عندهما رغبة كبيرة في أن أذهب).
فوكس: لنرى، دعني…
فيدل: ولكنكم تعون بأن من شأن ذلك أن يؤدي لفضيحة عالمية، فإذا ما قيل لي أنا الآن ألا أذهب.
فوكس: ولكن ما هي حاجتك للتسبب بفضيحة عالمية، ما دمت أتكلم معك الآن كصديق؟
فيدل: اسمعني، المسألة أنكم أنتم رئيس البلد، وإذا كنتم أنتم المضيفين تمنعوني من ذلك، لن يبقَ أمامي خياراً آخر غير نشر الخطاب غداً.
فوكس: فعلاً، فعلاً لا، لك أنت كل الحق.
دعني أقترح عليك شيئاً.
فيدل: تفضّلوا.
فوكس: لا أعرف الموعد الذي تزمع المجيء فيه، لأنك لا تخبرني عن ذلك، ولكن اقتراحي هو أن تأتي الخميس.
فيدل: تفضّلوا، قولوا لي بالضبط، أنا مستعد للإصغاء لاقتراح بهذا الشأن. حسناً، في أي يوم نحن؟ الثلاثاء. في أي ساعة تريدوني أن أصل الخميس؟
فوكس: أنت لك… أي، كوبا لها موعد للكلام أمام الجلسة العامة يوم الخميس.
فيدل: نعم، نعم، في الساعة المحددة هناك… الخميس هو…
فوكس: في حوالي الواحدة ظهراً.
فيدل: لا، الخميس عليّ أن أشارك في طاولة مستديرة، وعليّ إعداد الخطاب في الصباح.
فوكس: لأن عندك الخطاب صباحاً في حوالي الواحدة ظهراً.
فيدل: تقريباً. أنا سأساعدكم في كل شيء، لن أزعجكم في شيء، ولن أذهب إلى مآدب الطعام، ولا حتى إلى الاجتماع… حسناً، أمر هذا الاجتماع علينا أن نبحثه…
فوكس: ومن هناك تذهب، ومن هناك تذهب، دعني أُكمل.
فيدل: نعم.
فوكس: تستطيع المجيء يوم الخميس وتشارك في الجلسة وتلقي خطابك، ذلك أن دور كوبا محجوز للساعة الواحدة. بعد ذلك عندنا مأدبة غداء، مأدبة غداء يقدمها حاكم الولاية لرؤساء الدول؛ بل وأنني أعرض عليك وأدعوك للتواجد في هذا الغداء، بل وأن تجلس إلى جانبي، وأنه بعد انتهاء المحفل والمشاركة، تعود، وهكذا…
فيدل: إلى جزيرة كوبا؟
فوكس: لا، حسناً، يمكنك أن تبحث عن...
فيدل: إلى أين؟ أم إلى الفندق؟ قولوا لي.
فوكس: إلى جزيرة كوبا أو إلى حيث ترغب بالذهاب.
فيدل: تمام.
فوكس: وأن تدعني حراً يوم الجمعة– هذا هو ما أطلبه منك-، لكي لا تعقِّد يوم الجمعة عليّ.
فيدل: حضرتكم تريدون ألا أعقِّد عليكم يوم الجمعة. جيد جداً، المسألة أن حضرتكم، على ما يبدو، لم تقرؤوا سطراً أقول فيه بأنني ذاهب بروح بنّاءة، من أجل التعاون في إنجاح المؤتمر.
فوكس: نعم، نعم، قرأت تلك السطور.
فيدل: إذا لم يكن لكلمتي أثر… أنا أتفهّم باقي الأمور التي لن نتكلّم عنها، وما يمكنه أن يحدث. لقد تكهّنت تقريباً بأنكم ستتصلون بي لتقولوا لي شيئاً من هذا القبيل. ولكن، جيد جداً، أنا أقول لكم بكل صراحة: أنا مستعد للتعاون مع حضرتكم. أنا مستعد للتعاون مع حضرتكم ولفعل ما تطلبونه الآن.
فوكس: هل نستطيع القيام بذلك على هذا النحو.
فيدل: نعم، كّرروا الأمر عليّ، من فضلكم.
فوكس: أن تصل يوم الخميس، في الموعد الذي تشاء.
فيدل: نعم، يوم الخميس صباحاً، وإلقاء خطابي.
فوكس: نعم، إلقاء خطابك في الجلسة العامة؛ المشاركة في مأدبة غداء رؤساء الدول وحيث أدعوك أنا، حتى للجلوس إلى جانبي.
فيدل: جيد جداً، شكراً جزيلاً.
فوكس: وفي ساعات العصر، أن تغادر في الساعة التي تناسبك.
فيدل: حسناً، جيد جداً. دعني أرى برنامج المواعيد، هناك فارق ساعة في التوقيت، الساعة التي سأنتقل فيها.
فوكس: هناك فارق ساعة بين توقيتينا.
فيدل: وإذا ما اضطررت للوصول في وقت أبكر، لكوني أصبحت أعرف الموضع الذي أسبّب فيه الضرر الأكبر (يضحك)، ولكن ربما أستطيع أن أكون هناك عند الشروق.
فوكس: من يوم الخميس؟
فيدل: لأن الموعد هو الواحدة ظهراً، لقد كان هناك تفاوض على موعد مداخلتي، ربما أتكلّم قبل هذا الموعد؛ ربما، ولكنني جاهز للكلام في الموعد المذكور تقريباً، فهناك 30 متحدثاً قبلي. خرجت أنا متضرراً، لأنه من آخر المواعيد، وأنا أعترف لكم بأنني اتخذت قراري في اللحظة الأخيرة. لقد عاتبتموني بشأن ما إذا كان من واجب الصديق أن يقول ذلك أم لا.
أولاً لدي دافعين: هناك مخاطر تواجهني، وبالإضافة لذلك، لم أكن قد اتخذت قراري بعد. هذه هي الحقيقة.
فوكس: نعم، نعم، أتفهم ذلك، أتفهم ذلك.
فيدل: ولكنني قررت في لحظة معينة بأنه من الملائم، كما شرحت لكم في خطابي.أرجوكم أن تعيدوا قراءتها عندما تتمكنون من ذلك.
فوكس: ها هي هنا، أمامي.
فيدل: والأمين العام على مقربة منكم، هل تتناولون العشاء معه؟
فوكس: لقد غادر للتو، قبل 15 دقيقة. لقد ذهب إلى الفندق وسوف يذهب غداً إلى مونتيرّيه.
فيدل: كم يؤسفني عدم التمكن من سماعي له وهو يلقي خطابه!، فأنا أعتقد أنه يتكلم في البداية.
فوكس: فيدل، أنت… أنت…، أعرف أنه…
فيدل: حسناً لو تمكنتم من أن تحصلوا لي على دور بحيث أتكلم، على سبيل المثال، في الرقم 10، لو دبّرتم لي دوراً…
فوكس: انتظر.
فيدل: نعم.
فوكس: عندي أنا مشاركة الخميس، تبدأ مراسم الافتتاح في الساعة التاسعة صباحاً.
فيدل: في الساعة التاسعة، جيد جداً.
فوكس: أفترض أنه في هذا الموعد سيتكلم الأمين العام وسأتكلم أنا.
فيدل: نعم، كان بودي أن أسمعه هو، فهو الذي دعاني.
فوكس: لا مشكلة في أن تأتي من أجل ذلك.
فيدل: حضرتك رئيس البلد المضيف؛ ليست هي الولايات المتحدة، إنما هي المكسيك.
فوكس: لا مشكلة في أن تأتي من أجل ذلك، في أن تصل باكراً وأن تشارك منذ لحظة الافتتاح؛ بدءاً من الساعة التاسعة صباحاً التي نبدأ فيها، سيتكلم حينها هو، وأتكلم أنا، ودورك هو الدور العاشر تقريباً.
فيدل: لا، دوري أنا هو رقم 30؛ ولكن إذا حصلتم لي حضرتكم على الرقم 10، أي بعد أن يتحدث الرئيسيون هناك –أعتقد أن شافيز في المقدمة كرئيس لمجموعة السبعة وسبعين-، وبعض آخر، إذا ما حصلتم لي على الرقم 10 أو 12…
فوكس: ولكن أتريد أن أغيّر لك الموعد هناك، من الساعة الواحدة ظهراً إلى ما قبل ذلك بقليل؟
فيدل: تكلّموا مع كوفي، تكلّموا مع كوفي واطرحوا عليه مشكلتكم، سوف يفهم هو بأن للعالم أصحاب وأن هذا الأمر هو بالغ الجدية.
فوكس: بوسعي أن أتكلّم مع كوفي (يضحك).
فيدل: تكلّموا مع كوفي (ضحك)، أتفهموني؟
فوكس: نعم، نعم، بوسعي أن أتحدث إليه، طبعاً.
فيدل: حينها أقوم بإرضائكم أكثر بكثير، فأظهر هناك وأتكلّم. وربما يكون أفضل لو وصلت في منتصف الليل في ساعة مشابهة، وأنام قليلاً ثم أذهب إلى هناك.
فوكس: ليس عليك إلا أن تخبرني فيأي ساعة س… أبلغني أنت في أي ساعة، ويكون لك عندي مكان إقامة، مكاناً تصل إليه، إذا ما وصت في وقت مبكِّر.
فيدل: حسناً، أنا حجزت في فندق صغير، بضع غرف، فأنا لم أكن قد حسمت أمر ذهابي.
فوكس: نعم، المسألة أنه ليس هناك غرفاً، هذه هي المشكلة، أنه ليس هناك غرفاً فندقية.
فيدل: لا، ولكن لوفدنا عشرين غرفة هناك ونستطيع إرسال بعضهم إلى أماكن أخرى، إلى نزل ضيافة.
فوكس: نعم، بل وأننا نرتّب أمرنا، فأنت لك أصدقاء كثيرين في مونتيرّيه يستطيعون استضافتك في الساعة والدقيقة اللازمين. ليس هذا بمشكلة. عليك أن تصل فجراً…
فيدل: اسمعوا، أستطيع إرضائكم بشكل أمثل. عليّ أن أصل فجراً؟
فوكس: نعم، ما الذي تسميه فجراً، الخامسة أو السادسة صباحاً؟
فيدل: لا، أنا أفضِّل الوصول في حوالي العاشرة ليلاً تقريباً، في ساعة محددة.
فوكس: آه! أن تصل ليل الأربعاء.
فيدل: نعم، نعم، بدون أن يراني أحد. ونلتقي في الصباح، فليشاهدوني هناك في الصباح.
فوكس: أبذل جهدك ليكون في الليل وسنرى كيف نرتّب الأمر، أي أن يكون وصولك في ساعات الليل أو الفجر.
فيدل: حسناً.
فوكس: تصل، وتستريح وتشارك اعتباراً من التاسعة صباحاً.
فيدل: أستريح وأكون هناك في الساعة 8:30.
فوكس: نعم، تمام، تمام.
فيدل: وتتكفلون أنتم أمري مع كوفي أنان وتشرحون له المشكلات؛ وإلا سيكون عليّ أن أتكلم وأشرح له، المسألة هي أن من دعاني هي منظمة الأمم المتحدة.
فوكس: لا، ليس هناك من مشكلة في ذلك. أنا…
فيدل: كمضيف كنتم حضرتك لطيفون جداً بتوجيه الدعوة لي، ولكن الأمم المتحدة هي التي تدعوني. وقد قلت لكم ذلك هنا، وكان هذا أول ما قلته لكم هنا حال بدئنا للمحادثات، بأنني مدعوّ.
فوكس: حسناً، لهذا السبب.
إذن، نواصل التفكير على هذا الأساس، بهذه الطريقة. ثم ننتهي…
فيدل: جيد. إذن أنا سألبي طلبكم، أنصرف في وقت أكثر تبكيراً. على كل حال عندي رغبة جامحة للعودة إلى هنا، فلدي أشغالاً كثيرة وأشياء كثيرة أنا متحمّس لها.
فوكس: فيدل، هل أستطيع أن أطلب منك معروفاً آخر؟
فيدل: تفضّلوا.
فوكس: أنه أثناء وجودك في دارنا يكون مفيداً جداً بالنسبة لي ألا يكون هناك تصريحات عن موضوع السفارة والعلاقات المكسيكية-الكوبية أو عن الحادثة التي عشناها في الأيام القليلة الماضية.
فيدل: ليست عندي أي حاجة للإدلاء بتصريحات هناك.
فوكس: كم يسعدني ذلك!
فيدل: قولوا دور بين العاشر والخامس عشر، بعدما تبدأ قائمة الخطباء، عدا عن خطابكم، بإمكاننا أن نتكلم مع رفيق كان هناك، ونعطيه التعليمات –والذي كانوا قد أعطوه تعليمات اليوم بأن يتدبّر أمر دور في موعد أبكر- وهكذا أكون أنا بعيداً عن التسبب لكم بالحد الأدنى من الإزعاج.
فوكس: نعم.
اسمع، فيدل، على كل حال هناك الدعوة لك لكي ترافقني إلى الغداء، وسيكون ذلك في حوالي الواحدة ظهراً، أو الواحدة والنصف، وبعد الغداء تستطيع المغادرة.
فيدل: هذا إذا لم تقدموا لي مولي [صحن مكسيكي قوامه اللحم والفلفل] وديك الحبش، لأن السفر بالطائرة إلى هنا والمعدة مليئة…
فوكس: لا، هناك جدي، وهو لذيذ جداً.
فيدل: يوجد جدي؟
فوكس: نعم، ممتاز.
فيدل: حسناً، جيد جداً.
فوكس: إذن، بإمكاننا البقاء على هذا الاتفاق، فيدل؟
فيدل: بإمكاننا البقاء على هذا الاتفاق، ونبقى أصدقاء، كأصدقاء وأفاضل.
فوكس: نعم، إني أشكرك جزيل الشكر، وليس عليك إلا أن تخبرني بساعة وصولك، من أجل التمكن من استقبالك ومرافقتك للاستراحة.
فيدل: سوف أبلغكم بساعة وصولي.
وإذا أردت بإمكاني أن أصل في موعد أبكر وبهذا نتفادى الكثير. في أي ساعة سترقدون للنوم غداً؟
فوكس: غداً؟
فيدل: نعم.
فوكس: ما هو يوم الغد، الأربعاء؟ سوف أرقد للنوم باكراً يوم غد، كقروي أصيل.
فيدل: كقروي أصيل. أنا عكس ذلك، أنا في العادة أسهر الليل.
قولوا لي، ما هي الساعة الأنسب بالنسبة لكم؟
فوكس: أنظر، كما أردت أنت، العاشرة، الحادية عشرة، الثانية عشرة ليلاً، لكي ترتب إقامتك وتستطيع أن ترتاح وتتواجد في اليوم التالي صباحاً.
فيدل: جيد جداً، اتفقنا.
فوكس: إذن، لم يبقَ إلا أن تبلغني السفارة الساعة بدقة لكي أستقبلك هناك كما يجب.
فيدل: نعم، غداً سأبلغكم الساعة بالضبط.
فوكس: نتحدث مع السفارة عن ذلك.
فيدل: نعم، وكالعادة أشكركم جداً على هذا التمييز، على هذا الشرف، وإذا ذهبت إلى هناك أعتقد أن من شأن ذلك أن يساعد كثيراً على…
فوكس: ترافقني في الغداء وتعود من هناك.
فيدل: ومن هناك أنفِّذ أوامركم: أعود.
فوكس: فيدل، أشكرك جزيل الشكر.
فيدل: جيد جداً، حضرة الرئيس.
فوكس: بهذه الطريقة تسير أمورنا على ما يرام
فيدل: أعتقد أنه سيكون كذلك، وأشكركم…
فوكس: حسناً، الشكر لك، وطابت ليلتك.
فيدل: … على التمييز وعلى إيجادكم لصيغة تكون مشرِّفة ومقبولة.
فوكس: نعم، أعتقد بأنها كذلك وأشكرك.
فيدل: جيد جداً، جيد جداً، أتمنى لكم النجاح.
فوكس: وطابت ليلتك.
فيدل: طابت ليلتكم.
كان الرئيس المكسيكي قد قال الكلمة الأخيرة. كان من حقي غير القابل للشك المشاركة في ذلك المؤتمر الذي دعت إليه الأمم المتحدة وليس السيد بوش. ولكن لم يكن بوسعي التوجّه إلى مونتيرّيه ضد الإرادة الصريحة لرئيس البلد المقر، كان عليّ القبول بأمر استخدام الدقائق الست التي من نصيبي، وأن ننصرف بعد الغداء، أو قبله، في حال التمكن من تقديم دوري رقم 30 الذي طالني حسب القرعة، وذلك لأسباب من بينها أنه لم أكن قد تمكنت من تأكيد حضوري في موعد سابق، بهدف منع التحرك الفوري من جانب قطيع الإرهابيين والقتلة المذكورين، والذين يتم تنظيمهم والدفع لهم من الأراضي الأمريكية لكي يصفّوني جسدياً كلما سافرت للمشاركة في محفل دولي.
من واجبي أن أضيف أنه عند وصولي إلى مونتيرّيه لم يظهر فوكس في المطار، كما كان قد وعد بدون أن أطلب منه ذلك على الإطلاق، ولا حتى أجرى مكالمة هاتفية من أجل إلقاء تحية مجاملة. لم تشغل هذه القضية بالي بداً. لا أشعر بأي ميل للبروتوكولات والمجاملات.
خلافاً لذلك، استمتعت بعزاء فريد من نوعه. في ذات الوقت الذي أُعطيت لي الأوامر بالمغادرة فور انتهاء مأدبة الغداء، أعلن لي مرتين بأنني سأحظى بالشرف العظيم في الجلوس إلى جانبه للاستمتاع الدنيوي بجدي لذيذ.
غير أنه لم يكن بوسعي الانسحاب من القمة بدون الحد الأدنى من التفسير. لم يسبق لي أن فعلت ذلك في أي من الاجتماعات. أمكن لسيادة رئيس الولايات المتحدة أن يفترض بأن كوبا خائفة من الجلوس، مرفوعة الرأس، أمام حضوره الجبار والمهيب. في قمة ريّو دي جانيرو عام 1992 كان لوالده نفسه أن أخذ البادرة المحمودة، لخروجها عن المعهود، بالدخول عن قصد إلى القاعة قبل دقائق قليلة من دوري في الكلام، والإصغاء بحصافة إلى كلامي، بل والتصفيق هو ووفده على حد سواء عند انتهائي. يؤكد مثال شعبي قديم بأن اللطف لا يقلل من الشجاعة. وما كان لأحد في بلدنا أو في المكسيك أو في أي مكان آخر أن يفهم ذلك الانسحاب بالغ الغرابة. ومن أجل تفسيره، قلت ثلاثة سطور فقط:
"أرجو منكم جميعاً أن تعذروني لعدم تمكني من مواصلة مرافقتكم، نظراً لوضع خاص نشأ بسبب مشاركتي في هذه القمة، وأجد نفسي مضطراً للعودة إلى بلادي فوراً".
لم يكن بوسعي أن أقول ما هو دون ذلك، ولا أن أقوله بقدر أكبر من الحذر. نسيت الجدي كلياً. غادرت القاعة واجتمعت بالرئيس الكولومبي لدقائق وجيزة من أجل التحادث حول المساعي السلمية في بلده. توجهت لاحقاً لوداع الأمين لعام لمنظمة الأمم المتحدة، الذي كان مطلعاً، كما هو منطقي، على لسان سفيرنا في تلك المؤسسة على ما حدث منذ اليوم السابق. وكان بانتظاري معه، في موقف تضامني واضح، كل من رئيس نيجيريا، أولوسيغون أوباسانجو، ورئيس جنوب أفريقيا، ثابو مبيكي. خرجت. ونزلت عبر السلم الكهربائي. ومقابل هذا السلم، على الشرفات الداخلية والمساحات الجانبية، كان العديد من الموظفين المكسيكيين، ومن الأمم المتحدة ومن المشاركين من بلدان أخرى في المحفل، يصفقون في بادرة تضامنية. حشد غفير من الصحافيين كان يتحرك على نحو هائج لالتقاط الصور والتصوير التلفزيوني بانتظار تصريح مني. لم أتفوّه بكلمة واحدة. على هذا النحو غادرت المبنى.
لم أخلّف ورائي أي مشكلة غير قابلة للحلّ. الكلمات الأخيرة التي قلتها في نهاية مداخلتي هي:
"تنتقل رئاسة وفد كوبا إلى الرفيق ريكاردو ألاركون دي كيسادا، رئيس الجمعية الوطنية للسلطة الشعبية، وهو مكافح لا يكلّ في الدفاع عن حقوق العالم الثالث. وأحيل إليه ما لي من صلاحيات في هذا الاجتماع كرئيس دولة.
أرجو ألا يُمنع من المشاركة في أي نشاط رسمي له الحق بالمشاركة فيه كرئيس للوفد الكوبي وكرئيس للهيئة العليا لسلطة الدولة في كوبا".
وهكذا كان بمتناول يد المضيفين حل بسيط جداً. القبول بمشاركة ريكاردو ألاركون، رئيس الوفد، في الاجتماعات الرسمية للقمة، وما كان ليجري الحديث بعد ذلك عن الحادثة. لم تكن هناك حاجة إلا للحد الأدنى من النظرة والحس المشترك. لا أعرف إن كان ما عند مستشار بلاط الرئيس فوكس من حقد وعجرفة وروح مغامِرة، أو كانت غطرسة بوش، ما حال دون هذا المخرج الكريم.
لم أكن قد تناولت شيئاً من الطعام حتى تلك اللحظة. توجهت إلى الفندق الذي كنت أنزل فيه. وكنت قد دعوت للغداء هناك الصديق الحميم هوغو شافيز، الذي وجد نفسه مقحماً أيضاً في مداخلة مشؤومة تمت مقاطعتها من قبل المضيف المكسيكي المرموق أثناء تحدثه باسم مجموعة السبعة وسبعين وباسم بلاده. امتد اللقاء الودي والرخي لعدة ساعات تم خلالها تبادل الآراء حول مواضيع مختلفة، وذلك قبل ثلاثة أسابيع من الانقلاب الفاشي المجهَض على الثورة البوليفارية. لم يكن غداء ريّاناً ولكنه لطيفاً، عبارة عن عجة مكسيكية وفاصوليا مقلية وغيرهما من الأطباق التقليدية عند البلد الشقيق، والتي بدت لي ألذّ من أي جدي.
كنت قد نسيت بالكامل الموعد والأمر القاطع بمغادرتي بعد الغداء على عجل. في غضون ذلك، كان بوش ينتظر بفارغ صبر منذ ساعات في "إل باسو" (El Paso) –الواقعة على الحدود الحالية للولايات المتحدة مع المكسيك منذ غزو عام 1846، عندما اغتصبوا أكثر من نصف أراضي هذا البلد- نبأ مغادرة المشارك غير الملائم أبداً الأراضي المكسيكية. لم يتذكّر أحد من البروتوكول أو أراد أن يُزعج الضيف الملتزِم والمطيع، ولكنه ينسى، والذي غادر مونتيرّيه في نهاية الأمر في الساعة الخامسة عصراً. يبدو بأن بوش، وقد ملّ الانتظار، تلقى إذناً أو قرر بنفسه الإقلاع وإلا سيواجه خطر الوصول متأخراً إلى مأدبة العشاء.
أحدٌ ما صفّ طائرته السياحية إلى جانب طائرة ال "IL-62" التابعة ل "كوبانا". وعند مروره بسيارته حيّى ببادرة ودية طاقم الملاحة الكوبي الذي كان بانتظاري في أعلى السلم. وأنا، الغائب عن مثل هذه الاحداث، استودعت من جهتي شافيز وركبت السيارة وتوجهت بقافلتي الصغيرة إلى المطار. مررنا تحت الجادة المؤدية إلى المطار، ووصلنا إلى هذا الطريق عبر المكان الذي مر منه للتو ذيل قافلة بوش الهائلة. في نهاية المطاف، كان كلانا على مسافة أمتار عن بعضنا في مونتيرّيه. عندما أقلعت طائرتنا، كان الغروب مشعاً وجميلاً.
مكث في المدينة مقر المؤتمر وفدنا برئاسة رئيس الجمعية الوطنية، برفقة وزير علاقاتنا الخارجية. كان المنطق يدل على أنه لن يكون هناك مشكلات أخرى. هل يمكن استثناء ريكاردو ألاركون من محافل القمة؟ هل سيتم القبول به أم لا في الخلوة التي ستتم في اليوم التالي بعد الخطاب الذي شغل رئيس الولايات المتحدة المرموق به "وبشكل ديمقراطي جداً" ضعف الوقت المخصص لبني آدم الآخرين الذين حضروا القمة كرؤساء وفود بدون أن يقاطعه أحد؟ ومع أنه بدا لنا أمراً خارج عن المنطق وأخرق وبعيد الاحتمال، كلفتهم مهمة القيام في هذه الحالة بشرح الحقيقة، ولكن بدون أن يذكروا حتى فحوى المحادثة بيني وبين فوكس وحدوثها، والتي كنت أرغب في المحافظة على طابعها الشخصي مهما بلغ الثمن، وإحالتها إلى أرشيف الثورة.
شكّل علامة سيئةً تسرُّع السيد كاستانجيدا بالتأكيد عصر ذلك اليوم بأن البروتوكول هو البروتوكول وأنه لن يتم انتهاكه، متدبّراً كالعادة أمر ذرائع من أجل تنفيذ التزامات مقطوعة مع حكومة الولايات المتحدة وإخفاء الحقيقة. قبل دقائق قليلة من الاجتماع تم إبلاغ الرفيق ألاركون أنه لن يكون بوسعه المشاركة فيه. وكما سبق واتُّخذ القرار، شرح رئيس وفدنا في مؤتمرات صحفية عدّة السبب الحقيقي لغيابي. وشرح بين أمور أخرى:
"أعرب وزير العلاقات الخارجية كاستانجيدا يوم أمس في مناسبات عدة من اجتماعه مع الصحافة بأنه لم يكن هناك أي مسعى من جانب أي موظف مسؤول من ناحية وضع شروط على مشاركة كوبا، واقترح عدة مرات بأن تكون كوبا هي من يشرح ما حدث، لأنه لا تتوفر لديه هو أي عناصر. عليّ أن أقول بأن التصريحات التي أدلى بها هو هي زائفة بشكل أساسي".
وأضاف:
"ليس فقط موظفون مسؤولون، وإنما يمكنني القول أنهم مسؤولين جداً من الحكومة المكسيكية أبلغونا قبل المؤتمر أمر الضغوط التي تعرضوا لها من جانب حكومة الولايات المتحدة لكي لا تشارك كوبا ولكي لا يرأس وفدها رئيس مجلس الدولة، الرفيق فيدل كاسترو، بالتحديد.
كاستانجيدا يعلم بأننا نعرف ذلك وأنه كان من السهل جداً علينا أن نشرحه؛ ولكننا إذا لم نفعل ذلك حتى الآن، فهو لأننا نحاول أن نكون بنّائين وأن نقنع السلطات المكسيكية بأن الأنسب بالنسبة للجميع هو محاولة إيجاد حلٍّ مشرّف، ملائم، وقد أصبح هذا أمراً مستحيلاً، ذلك أنه انعقد اجتماع تم استثناء وفداً منه بشكل تعسفي وغير مشروع، فلم تتم دعوته إليه، وهو وفد كوبا.
يقولون بأن نظم الأمم المتحدة ونظم البلد المضيف مختلفة. لا، فعلاً، أنني لست رئيس دولة؛ ولكنني الشخص الوحيد في مونتيرّيه الذي انتدبه رئيس الدولة ليمثله وهو رئيس الدولة الوحيد الذي تم استثناءه من المشاركة في الخلوة.
ليس صحيحاً القول أنه كان بإمكان كوبا أن تتمثل برئيس دولتها، لأنه طُلب منه، بشكل واضح جداً، أن يتفضل بمغادرة المكسيك بأسرع وقت ممكن".
أما وزير علاقاتنا الخارجية فقد ذكر في مداخلته للطاولة المستديرة للتلفزيون الكوبي هاتفياً عصر يوم 22 ما يلي:
"كانت كوبا على علم بضغوط سبقت المؤتمر مارسها الرئيس بوش على حكومة المكسيك. فقد هدد الرئيس بوش بعدم المجيء إلى القمة إذا ما شارك فيدل فيها.
كانت قد جاءت الدعوة الموجهة اللجنة التحضيرية التي شكلتها الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة بموجب قرار، ورسالة السفيرين التي تم إعلانها للتو، ثم جاءت بعد ذلك الدعوة الرسمية الموجهة من قبل الرئيس فوكس.
بعد ذلك طُلب من الرفيق فيدل ألا يأتي إلى القمة، التي من حقه المشاركة فيها بصفته رئيس دولة عضو في الأمم المتحدة؛ وكان قد تلقى دعوة اللجنة التحضيرية للأمم المتحدة للمشاركة في مؤتمر كانت كوبا قد لعبت دوراً هاماً في الدعوة إليه.
هذه هي الحقيقة التاريخية، أنّه طُلب منه عدم المشاركة، وقد طُلب منه ذلك –كما سبق وذكرنا- من قبل شخص مسؤول جداً في الحكومة المكسيكية، بكل ما يبلغه حجم ذلك الطلب. طُلب منه ألا يأتي، وأمام موقف فيدل الثابت، الذي دافع عن حق كوبا بالمشاركة بسيادة في هذا الاجتماع، طُلب منه آنذاك أن يذهب صباح الخميس فقط، وأن ينسحب بعد مأدبة الغداء التي يقيمها حاكم الولاية.
كان يحضر الرفيق فيدل ضرورة وواجب أن يشرح للمندوبين، فشرَحه بحذر وانتباه، وذكر في الواقع السبب الذي يمنعه من البقاء هناك، ولكن بتكتم وحذر. وطرح طلباً كان بالإمكان تلبيته وكان طلباً منطقياً، وهو أن يشارك الرفيق ألاركون، رئيس جمعيتنا الوطنية، في باقي نشاطات المؤتمر.
لقد كان هناك عجز في فهم هذا التبرير، وعجز في قبول طلب عاقل".
كاستانجيدا، من جهته، نفى على نحو هائج ما قاله كل من ألاركون وفيليبي.
في مؤتمر صحفي عقده في 21 آذار/مارس، ورداً على سؤال وجهه صحافي عمّا إذا كانت الحكومة المكسيكية قد طلبت من الحكومة الكوبية بأن يرتّب الرئيس الكوبي برنامجه بحيث لا يلتقي بالرئيس بوش، أجاب كاستانجيدا:
"أبداً، بأي حال من الأحوال، لم يقدم أي موظف مسؤول من الحكومة المكسيكية في أي لحظة من اللحظات طلباً من هذا النوع أو من أي نوع آخر مشابه للحكومة الكوبية، للسلطات الكوبية".
وأمام إصرار الصحافة، أجاب كاستانجيدا:
"لم يكن هناك أي ضغط أو تأثير أو مسعى أو طلب أو اقتراح أو تلميح. لو كنت أحمل قاموس المرادفات لتابعت، ولكن ذاكرتي لا تسمح لي بأكثر من ذلك؛ ولكن إذا خطر على بالك مرادف آخر، يا بلانش، قله له وستكون إجابتي هي نفسها".
وفي برنامج "زونا أبجيرتا" (Zona abierta) [المساحة المفتوحة] التلفزيوني، أكد كاستانجيدا:
"لم يكن هناك ضغط في أي لحظة من اللحظات من جانب أي موظف مكسيكي على فيدل كاسترو لكي يغادر قبل الموعد المحدد".
في مؤتمر صحفي مشترك عقده مع الرئيس بوش في الثاني والعشرين من آذار/مارس، قال الرئيس فوكس عند سؤاله عن الضغوط الهادفة لاستثناء كاسترو: "ليس هناك شيئاً من هذا. السيد فيدل كاسترو قام بزيارته للمكسيك ولمؤتمر منظمة الأمم المتحدة، تواجد هنا، وشارك وعاد إلى كوبا. ليس هناك أكثر من ذلك! هكذا بكل بساطة".
وفي مقابلة أجراها معه خواكين لوبيز دوريغا، ونشرتها صحيفة "لا خورنادا (La Jornada)، حين سؤل عن صحة ما أفيد بأن مغادرة فيدل كاسترو جاءت أولاً لأن حكومته قالت له ألا يأتي؛ وثانياً لأنه عندما كان هنا قلتم له حضرتكم بأن يغادر، أجاب فوكس: "لا، لحدّ علمي، لا شيء من هذا. من شأنه أن يبعث الاهتمام وأن يكون ملائماً أن تشيروا لنا من أين أتت هذه القضية؛ أعتقد أن عند فيدل كاسترو ما يكفي من النضوج، فهو في الحكم منذ سنوات كثيرة، لا أعتقد أن أي شيء من هذا يمكن أن يمنع حريته وإرادته. تواجد كاسترو هنا في مونتيرّيه، وشارك في المؤتمر، في اجتماع مؤتمر الأمم المتحدة ، ثم قرر العودة. لم يجبره أحد على المغادرة".
وفي تصريحات أدلى بها لمحطة "تلفزيون أزتيكا" في الرابع والعشرين من آذار/مارس، وعند سؤاله عمّا حدث معي، أجاب: "على غرار ما كان بلاغه بالحضور ووصوله، حيث وصل ليل اليوم السابق، كانت مغادرته. بكل بساطة، جاء، وألقى خطابه، وتماستقباله بكل حفاوة في المطار، وحيّيته عند وصوله، ككل الباقين، وودعته وغادر. هكذا بكل بساطة. ماذا هناك، ماذا يوجد وراء ذلك؟ لا أفهم".
والرئيس بوش من جهته أكد بأعصاب باردة بأن الولايات المتحدة لم تمارس أي ضغط على المكسيك.
جميعهم كذبوا يمنة ويسرة.
لو أن كاستانجيدا فتح قاموس المرادفات حيث يجب، لوجد أن كذب تعني: خداع، كيد، احتيال، هذر، تشويش، حياكة، انتقاص من الحقيقة، تمثيل، تزوير، تظاهر، تصنّع، غش، تزييف، إخفاء، نصب، دجل، غرّ، إلخ، إلخ، إلخ.
لقد تم وضع مصداقية بلدنا موضع شك. فاستناداً إلى استطلاع للرأي، تم حمل حوالي نصف المكسيكيين على عدم الثقة بصحة أقوال كوبا.
في المقالة الافتتاحية لصحيفة "غرانما" في السادس والعشرين من آذار/مارس تم التنبيه إلى أنه: "تتوفر لدى كوبا أدلة ساطعة على كل ما حدث يمكنها أن تزيل أي شك. لقد فضلت الامتناع عن استخدامها لأنها لا تريد إلحاق الأذى بالمكسيك، ولا تريد الإساءة لمكانتها، وليس عندها أدنى رغبة بخلق اضطراب سياسي في البلد الشقيق.
[…]
يجب بأي طريقة، ومن أجل كرامة المكسيك، أن يوضع حداً لهذه الإساءات والاعتداءات على الشعب الكوبي. ونتمنى ألا تُرغم كوبا على شهر الأدلة التي نملكها".
وانتهت المقالة الافتتاحية المذكورة إلى التأكيد:
"لا نطلب شيئاً آخر غير وقف الاستفزازات والإساءات والأكاذيب ومخططات السيد كاستانجيدا الشريرة ضد كوبا. خلافاً لذلك، لن يبقى خياراً آخر غير نشر ما لم نشأ نشره وسحق تصريحاته الكاذبة والدنيئة، مهما كلف الثمن. ولا يراودنّ الشك أحداً في ذلك!".
تم استخدام تعبير "خلق اضطراب" لأن وزير العلاقات الخارجية المكسيكي المغامر جرّ بغدره الرئيس المكسيكي ولا أقل منه. لم يكن بالإمكان استخدام أدلتنا دون إقحامه. ربما قادهم ذلك إلى الاعتقاد بأننا سنرضى بأمر الضربة بدون أن يتم الكشف عن الحقيقة. وبأن بلداً محاصر من قبل العملاق الذي يبعث الخوف والتهديد عند العالم اليوم بصواريخه وقاذفاته، وبالإضافة لذلك تُدرِج حكوماته وطننا بشكل دنيء ومفترٍ بين البلدان التي تدعم الإرهاب، لا يمكنه أن يتجرأ على الكثير.
بل وأنه بالرغم من ذلك لم نكن نرغب بالكشف عمّا لدينا من أدلة. التزمنا الصمت إلى ما يتجاوز الحدّ تقريباً الذي تسمح به الأخلاق والحقيقة. غير أنه لم يكن ينقص إلا الشعرة التي ستقصم ظهر البعير.
يوم الأربعاء العاشر من نيسان/أبريل، قام يهوذا الساهر والدنيء الذي يحكم أوروغواي، وفي اضطلاعه في دور الخادم غير المشرّف الذي كانت تلعبه الجمهورية التشيكية، بتقديم المسخ المعادي لكوبا أمام لجنة حقوق الإنسان، والذي صممه وصاغه كاستانجيدا مع واشنطن.
وهناك شيء آخر –وهذا بين قوسين-، حتى أنه تم تهديدنا بقطع العلاقات، حكومةٌ سمح فيها وزير صحة مجرم بأن يموت أطفال، وذلك فقط من أجل عدم شراء حقن كوبا، وهي البلد الوحيد الذي ينتجها بالمواصفات الملائمة، حسبما أبلغهم معهد "Pasteur" الفرنسي، رداً على مشاورة من أوروغواي. والحقيقة أننا أمام هذه التهديدات، لم يبق أمامنا إلا أن نسأل ما الذي ينتظرونه لفعل ذلك.
لن يحول هذا دون وصول حقننا، لأنه في لحظة كان يقترب فيها موعد الحاجة لشحنة جديدة، في ذات اليوم الذي قدمت فيه حكومة أوروغواي المشروع المشين ضد كوبا في جنيف، كانت الساعة الثالثة عصراً موعد مغادرة طائرة كوبية هافانا إلى أوروغواي وعلى متنها 200 ألف جرعة تبرعت بها كوبا. لقد شعرنا باستياء كبير في الواقع عندما ظهر أول تفشٍّ للمرض وعُلمت قصة ما حدث، في وقت كان بالإمكان تفادي ذلك. قلنا لشعب أوروغواي بأننا مستعدّين للتبرع بالحقن. كانوا يحتاجون في تلك اللحظة، في نهايات شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، 71 ألف جرعة. وشيء آخر، أخذنا من احتياطنا، بل وكل احتياطنا، وأرسلناه إلى هناك. بالكاد كان قد مرّ على هذا 15 أسبوعاً حين تفشى المرض في قرية من المناطق الداخلية. وقبل فترة وجيزة من الآن تفشى الوباء في العاصمة. أرسلنا على الفور 200 ألف جرعة في السابع من نيسان/أبريل، كان قد تم إنتاجها في وقت سابق. بل وأننا تحملنا نفقات النقل. نشأت بعد ذلك مناقشات، لأنهم يريدون أن يرفضوا فكرة أن يكون هذا تبرّعاً ويصرّون على حسمه من دين قديم.
نعم، علينا دين قديم، ليس بكبير جداً، ولا هو بشيء لا نستطيع في الوقت الراهن مواجهته، إن طالت المهلة أو قصرت . هذا التخلف عن التسديد جاء حين حلّت الفترة الخاصة، بعد انهيار المعسكر الاشتراكي والاتحاد السوفييتي، وفي لحظات قامت حكومة الولايات المتحدة، حليفة، أو على الأصح سيدة الحكومة الأوروغوائية، بتشديد حصارها وتصعيده. أحد عشر مليون كوبي يشهدون على ما عناه ذلك.
لقد قلنا بأننا مستعدون لمناقشة ذلك الدين متى شاؤوا؛ ولكننا لا نرغب، ولا أحد يستطيع أن يفرض علينا ألا يكون هذا التبرع تبرعاً، وإنما تسديداً لدين. ليس من شأننا ن نسدد أبداً أي دين من احتياطنا من الحقن، في وقت كنا نقوم فيه بإنتاج البديل له.
ليس هذا بدعة. هناك تقليد يعرفه كل العالم عن بلدنا وعن سياستنا. نحن لسنا من هواة الأكاذيب والمزايدات من أي نوع كانت، ونرفض بكل حق أن يساء إلى تبرعنا. الحقيقة أنه بؤس إنساني. وأقول بأنه إذا قطعوا العلاقات ستصل باقي الحقن في موعدها المحدد، ربما 800 ألف حقنة، إلا إذا رفضوا أن تحطّ الطائرة هناك، لأنه في الساعة الثانية عشرة ليلاً بين الحادي والعشرين والثاني والعشرين ن نيسان/أبريل، أي بعد ساعات من طعنة جنيف، وصلت إلى مونتيفيديو المائتا ألف جرعة من الدفعة الثالثة من الحقن وستكون جاهزة بقية الحقن.
هناك 2600 طبيب كوبي يقدمون خدمات مجانية في بلدان من العالم الثالث من خلال البرنامج التكاملي للصحة، كمساعدة من كوبا لبلدان العالم الثالث. لن أذكرها؛ ولكن هذا ليس تسديداً لأي دين، ولا ينتقم شعبنا من الأمور التي تعرضت لها كوبا في السنوات الأولى من الثورة عندما انصاعت جميع الحكومات الأمريكية اللاتينية للولايات المتحدة، باستثناء المكسيك، التي تلعب دوراً مؤلماً بالغ الهول الآن، في مقدمة خيانة كبرى جديدة لكوبا، كالتي فعلتها تلك السنوات المؤسفة والمخجلة من الجبن والانصياع. وزّعت الولايات المتحدة عليهم حصتنا من مبيعات السكر، والبالغة أربعة ملايين طن تقريباً، وكان لها سعراً تفضيلياً. لحسن الحظ أنه هذه المرة لم ينضم عديدون إلى هذه الدسيسة الغادرة. يجب أن نتذكر كل هذا التاريخ، وأننا لا نسدد ديوناً من دمنا. لا ندفع بدمنا إلا ما ندين به للبشرية! واجباتنا الأساسية في التضامن مع شعوب أخرى.
إن سياسة حكومة أوروغواي هذه هي سياسة ساقطة وبائسة. وكوبا لا يمكن تهديدها، لا يمكن لأحد أن يهددها! لقد عاشت 43 سنة في ظل تهديد العملاق، الذي هو اليوم أقوى بثلاثة أضعاف ما كان عليه في ذلك الحين. لقد قاومنا وسنواصل المقاومة بشرفنا ووجلنا ووعينا، وهي الأمر الوحيد القادر على تفسير بقاء بلدنا وثورته.
اعذروني على هذين القوسين.
في الخامس عشر من نيسان/أبريل أصدرت رئاسة المكسيك بياناً رسمياً أبلغت فيه بأن المكسيك ستصوّت لصالح المشروع المقدّم من قبل أوروغواي.
كان هذا القرار معروفاً لدينا قبل ذلك الموعد بعدة أيام. ويستجيب إلى اتفاق مبرم مع الولايات المتحدة.
أبشع ما في الأمر هو أنه جرت محاولة رشونا وشراء صمتنا عمّا حدث في مونتيرّيه. ففي خضم الأحداث المأساوية التي وقعت في فنزويلا، عندما كانت حياة هوغو شافيز تتعرض لخطر الموت وبدا وكأن كل شيء قد انتهى، نقل سفير المكسيك في كوبا، الذي لا أحمّله مسؤولية، رسالة من الحكومة المكسيكية عصر الثالث عشر من نيسان/أبريل، قبل حوالي 38 ساعة من البيان الرسمي الصادر في يوم 15، تعد فيها بأنه يمكن لِ "بيتروليوس ميخيكانوس" (Petroleos Mexicanos) أن تتولى التزويد الفنزويلي الذي تتوقف "بيتروليوس دي فنزويلا" عن تسليمه.
لقد أثارت الاشمئزاز عندنا مناورة الخداع التي حاولوا بها تحييد احتجاجنا على العمل الشرير الذي سيقترفونه في جنيف. فالحكومة المكسيكية اعترضت بشكل منتظم على أن تتلقى كوبا أي فائدة من اتفاقات كاتفاق سان خوسيه وغيره. شكرناهم ببرود ولم نبدِ الحد الأدنى من الاهتمام بالعرض المنافِق.
وعد كاستانجيدا والرئيس فوكس على حد سواء خلال زيارتهما لهافانا بعدم رعاية قرار ضد كوبا أو الترويج له أو دعمه تمت خيانته بدناءة.
ما زال بإمكان بعض ممن يصغون لي أن يقول: جيد جداً، كل هذا تم شرحه بشكل منطقي ومنسق ظاهرياً، لكن، من يضمن ألا يكون كاسترو قد اخترع كل هذه القصة معتبراً نفسه متبارياً مع شكسبير؟ الذين يفكرون بهذه الطريقة، أرجوهم أن يصغوا خلال عدة دقائق إلى التسجيل الذي ترد فيه الكلمات بدقة، باللهجة والتركيز الدقيقين في صوت فوكس وصوتي.
إذا أراد الحاضرون في هذا المؤتمر بإمكانهم أن يتصلوا فوراً بفوكس و كاستانجيدا، وأن يسألوهما إذا حصلت هذه المحادثة أم لم تحصل في 19 آذار/مارس بين حوالي الساعة 11:30 والساعة 11:50 ليلاً، وإذا ما كانا يعترفان بذلك وإذا كانت هذه الكلمات دقيقة أم لا. إذا تم الإثبات بأن هذه المحادثة لم تحصل، وأن هذه الكلمات ليست كلمات الرئيس فوكس، أتعهد بالاستقالة فوراً من كل مناصبي ومواقع مسؤوليتي كقائد للدولة وللثورة الكوبية. فلن يكون لي عين حينها في مواصلة قيادة هذا البلد بشرف.
مقابل ذلك، بودي أن يكون عند أصحاب كل الأكاذيب وأصحاب الخدعة الهائلة التي أرادوا بها التلاعب بالشعب المكسيكي والرأي العام العالمي وكيدهما القدرة على التصرف بذات الحس من الكرامة والشرف.
ليست الشعوب بجماهير هيّنة يمكن خداعها وحكمها بلا أي أخلاق أو وجل أو احترام.
نتيجة قولي لهذه الحقائق يمكن للعلاقات الدبلوماسية أن تنقطع، ولكن العلاقات الأخوية والتاريخية بين شعبي المكسيك وكوبا ستكون أبدية.
22 نيسان/أبريل 2002
(تصفيق حاد)
مصدر:
22/04/2002